مجتمع

كورونا في الجزائر.. بين تضارب القرارات ومسايرة الأزمة

2 يوليو 2020
GettyImages-1223464210.jpg
الجزائر سجّلت أرقامًا قياسية في عدد الإصابات بكورونا نهاية شهر جوان (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموشإعلامية وباحثة من الجزائر

طيلة ثلاثة أشهر، تتكرّر الكلمات التي يستخدمها الإعلام الجزائري، حيال تعاطيه مع تطور الأزمة الوبائية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، " كيفاش راكم عاملين مع كورونا؟" و"ابقاو في دياركم"، في ديكور تطغى عليه جلسات سمر وضحك، وضيوف أغلبهم لم يلتزموا بالتباعد الاجتماعي، فكيف للمشاهد البسيط في أقاصي "مناطق الظلّ" أن يصدق أننا في أزمة؟

هل الإجراءات الجديدة المعلنة، وتوصية الولاة بتنفذيها، هو إقرار ضمني بوجود خلل واضح في مكافحة الوباء؟

هذا التساؤل، طرحته السيدة سليمة زيتوني الأستاذة المتقاعدة، وهي تهمّ بالدخول إلى مركز البريد لسحب معاشها الشهري، لافتةً إلى أنّها لم تفكّر كثيرًا في اتّخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية، عدى بالنّظافة وتقديم المساعدة لأغب جيرانها من كبار السنّ والمصابين بأمراض مزمنة، على مستوى حي تسالة المرجة، ببئر توتة، غرب العاصمة الجزائرية، مضيفة في تصريح لـ "الترا جزائر"، أننا "أفلتنا خيط مكافحة الوباء، عندما تمّ تخفيف الحجر الصحي في شهر رمضان، ونجم عن ذلك توافدٌ كبير للمواطنين على محلات الحلويات والزلابية والمتاجر والأسواق"، قبل أن تعلّق "من يصدق أن هناك فيروس أصلًا؟ كأنهم يضحكون علينا".

اقرأ/ي أيضًا: كورونا.. أعلى حصيلة إصابات يومية وأعداد الشفاء تتخطى الـ 10 آلاف حالة

قرارات أكثر حدّة

هذا الرأي البسيط من الواقع المعاش للجزائريين، يتزامن مع سلسلة من القرارات الأخيرة للسلطة السياسية في البلاد، والتدابير التي أعلنت عليها الوزارة الأولى، (بعد استشارة اللجنة العلمية واستعراض الوضع الوبائي وبعد موافقة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون)، وهو ما يطرح أيضصا عدّة تساؤلات، ظلت ترواح مكانها على مدار الأزمة الوبائية، أهمها: هل عادت الجزائر إلى النقطة صفر في معالجة ملف الوباء؟ وهل الإجراءات الجديدة المعلنة، وتوصية الولاة بتنفذيها، هو إقرار ضمني بوجود خللٍ واضحٍ في مكافحة الفيروس في فترات متواصلة لا تزيد كل خطة عن أسبوعين؟ وهل في استطاعة الأطباء اليوم تحمّل تبعات "لا مبالاة البعض" والتضحية بأرواحهم في فترة طالت مدّتها؟ وهل بمقدور المواطن، دفع الفاتورة الغالية بعد توقف الملايين عن الشغل، مع اقتراب دخول الشهر الخامس من عمر الأزمة التي لاحت نهايتها البعيدة؟

اللامبالاة..  نوع من مقاومة العبء 

تعتبر بدايات الأزمات، هي المحرّك الأساسي لجميع القرارات، خصوصًا الأزمة الصحيّة التي اتسع مداها من منطقة واحدة إلى جميع ولايات البلاد، إذ عقب تسجيل أوّل حالة مؤكّدة، تعاملت السلطة مع الأمر بمرونة شديدة، فالأزمة كانت فجائية، والاستعداد لمواجهتها لم يكن في الحسبان عقب أزيد من سنة كاملة من الحراك الشعبي ومطالب التغيير، هذا العامل الأساسي كما يراه الأستاذ في علم الاجتماع عبد الرزاق أمقران "مهم جدًا"، فالمواطن تجاهل مخاطر الفيروس، بسبب "مقاومته التي هي امتدادًا لدينامية المجتمع في الحراك، الذي جعلت من الجزائريين مواطنين في مدن وليس قاطنيها فحسب، كما كانوا قبل سنة 2019، لتأتي الأزمة الوبائية وتعيدهم إلى ما قبل الحراك وتنتكس تلك الثقة وتعود أدراجها إلى النقيض، وتذكّره بمآسيه وحقيقة بحثه عن سكن لائق، ومدخول محترم وغيرها من الحقوق التي لم تتحقق للملايين من الشباب، فيتعامل مع  أزمة كورونا بالإهمال من منطق: ماذا سأخسر وأنا الذي خسرت كل شيء".

كل هذه العوامل المحيطة بحضور الجائحة في الوسط الجزائري، أعطت قوّة لشعور العبء الجديد على المواطن، وفقدانه متعة الحياة، بحسب أمقران، مضيفًا أن رفض المواطنين احترام التعليمات الصحية، ومختلف التدابير التي أصدرتها الحكومة، هو "مقاومة رافضة لكل شيء يذكره بمدينة فاسدة سلبته حقوقه، وما تبقى له من حياة".

مؤشرات غير محسوبة

على مستوى المواطنين، كلّ شيء في بدايات الأزمة كان  متذبذبًا، حتى القرارات الرسمية المتخذة، لم تدفعهم إلى التفكير في الالتزام بالتدابير الوقائية، في وقت كانت هناك إشاعات تتحدث عن نفاد كميّات السميد، وتوافد المئات من الناس على شراء هذه المادة الحيوية، إذ توجّهت أنظار المواطنين إلى تخزين المواد الغذائية خوفًا من فقدانها في فترة الحجر، فتسبب ذلك في ندرتها من السوق.

في هذا السياق، يعتقد البعض أن الالتزام بأي قرارات لمنع انتشار الفيروس، كان مركّزا في البداية على الحجر الشامل في ولاية البليدة فقط، غير أن الأجدر "الحجر يشمل كل المدن المتاخمة لها" يقول الأستاذ في اتصال الأزمات وليد منصاري من جامعة خنشلة، لـ"الترا جزائر" معترفا أن " التضحيات كانت كبيرة على أهالينا في البلدية ولكن في الأزمات هناك خسائر وهناك نتائج سنذوقها لو التزمنا بأربع خطط متتالية" موضحا" نحن نتعامل مع عديد المستويات من المواطنين وفي جغرافيا شاسعة، يمكن التحكم بإفراد خطة موازية لخصوصية كل جهة وفواعلها الاجتماعية".

والقصد من هذه الفواعل الاجتماعية يقول الأستاذ منصاري "لا ننسى أن مختلف الولايات الجزائرية، لازالت تتحكم فيها عقلية المناطقية، وهنا وجب أن نبحث عن التأثير في إذعان المواطن واستجابته للقرارات المتخذة، وتكثيف التحسيس بمختلف الوسائل والطرق، فالمؤسسات الرسمية وحدها لا يُمكن أن تقوم بهذا في ظلّ أن مكافحة الوباء تتم على مستوى المستشفيات والمؤسسات الطبية المعروفة بهشاشة الخدمات العمومية، ومدى قدرتها على استيعاب عدد المرضى وقدرته على مواجهة الأسوأ".

بالحديث عن الأسوأ، قال الدكتور سليم بوعروج لـ "الترا جزائر"، من مستشفى مدينة ميلة شرق الجزائر، إنه "لا يمكن  أن نكون متفائلين، باعتبارنا مختصّين وأطباء نواجه الحقيقة كما هي، لأننا لسنا سياسيين نسوّق لرسائل التفاؤل وبعث الطمأنينة في الوسط الشعبي"، موضّحًا أنّ"الأرقام المتعلقة بعدد الأسرّة والإمكانيات الطبية، ومجهودات الدولة في كفة، ولا غبار عليها، ولكن اتساع رقعة انتشار الوباء في كفة أخرى"، لأننا- حسبه- نواجه فيروسًا لا نعرف متى يمكننا القضاء عليه، "فضلًا على أننا نواجه مستويات في ذهنية المواطن الجزائري، لم يعد يتخوف من العدوى ونقل الفيروس إلى عائلته وأحبابه، ويقيم حفلات الأعراس".

عملية عكسية، تتجه إليها الأسر الجزائرية، ففي الوقت مازالت الجزائر تحصي عشرات الضحايا، الذي يقابله كثيرٌ من التضامن الاجتماعي حيال ذلك، تتّخذ نداءات الوقاية والحيطة اتجاهًا سلبياً من المواطنين، وانفلات صحي وقائي في جميع المستويات.

لقد كان هذا التعامل في الأوساط الشعبية، كافيًا لحالة "إحباط كبرى في الوسط الطبّي"، هكذا عبّرت الأخصائية النفسانية بثينة سليماني لـ "الترا جزائر"، مشيرة أن اللامبالاة والإهمال في ظلّ هذا الظرف لوحده، يُشكل عائقًا نفسيًا للأطباء، "فعلاوة على تأثيرات الأزمة علينا جميعا نفسيًا، كيف لآلاف من الكوادر الطبية من المرابطين في المستشفيات لأشهر، أن يكملوا المسيرة اليوم، أمام تهاون كبير من المواطنين؟".

نضج الأزمة

رغم كل المجهودات التي أعلنت عنها الدولة بمختلف مؤسّساتها، إلا أن القرارات التي اتخذتها طيلة عمر الأزمة، دليل على وجود حالة من "التخبط" في معالجتها والتعامل مع أطوارها، حسب ما ذكرت الأستاذة في الإعلام  سهيلة بن سلامة في حديث لـ "الترا جزائر"، رغم العمل التضامني الذي أسهمت فيه العشرات من الجمعيات والمواطنين، كأفراد على مستوى الأحياء في الولايات، والنداءات التي رفعها الأطباء في وسائل التواصل الاجتماعي، لالتزام الجزائريين بالوقاية، وحالة التشبّع التي تعرفها عديد المؤسّسات الاستشفائية في الجزائر.

وأوضحت المتحدّثة، أن العامل الاقتصادي للأسر الجزائرية التي فقدت قوت يومها، أسهم في تأجيج "حالة الغضب للمواطن دونما حل في الأفق"، إذ تتخوّف من آثار ذلك في قادم الأيام.

القرارات المستجدة من الحكومة أثار صدمة في الشارع وزادت مخاوفه من استمرارية الوباء

بصيص الأمل من عودة الحياة التدريجية، والقرارات المستجدة من الحكومة، أثار صدمة في الشارع وزادت مخاوفه من استمرارية الوباء، إذ تأكّد أن نهايته ليست غدًا، وهو ما يسميه المتخصّصون في علم الأزمات بـ"مرحلة نضج الأزمة"، وهي أصعب المراحل التي تمرّ بها بعدما اتسعت في كل البلاد،  مقابل إخفاقٍ كبير في إيجاد حلول ناجعة لتقليصها، في الفترة الحالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حظر تجوال شامل بولاية سطيف بداية من الأسبوع المقبل  

استئناف العمل بعد عطلة كورونا.. موظفون غاضبون بسبب خصم الأجور

 

الكلمات المفتاحية

المنتجات الغذائية في الجزائر

"كامل" أم لا؟ جدل في الجزائر حول محتوى المنتجات الغذائية

في الوهلة الأولى؛ قد يبدو الغلاف الخارجي لأي منتج غذائي بمثابة بطاقة تعريف مُطمئنة: ألوان جذابة، شعارات صحية، وعبارات مثل "طبيعي 100%" أو "كامل الغذاء". لكن خلف هذا الغلاف، قد تختبئ مكونات لا تمتّ بصلة إلى ما يُروَّج له، ما يطرح سؤالاً جديًا: هل نشتري فعلاً ما نعتقده؟


ضرب الأطفال

"الضرب يربي"… مقولة شعبية يُكذّبها الطب النفسي ويُجرّمها القانون

أثار الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، والذي يُظهر أبًا يعنّف ابنه الصغير بطريقة صادمة، موجة واسعة من الغضب والانقسام. وبين من رأى في الفعل جريمة لا مبرر لها، ومن اعتبره "تأديبًا مشروعًا"، أعاد المشهد فتح النقاش حول أساليب التربية السائدة في المجتمع الجزائري، وحدود ما يمكن قبوله تحت مسمى "التقويم".


ضريح سيدي عبد الرحمن بالعاصمة

عاشوراء في الجزائر.. عاداتٌ وطقوس تتجاوز البعد الديني

هناك مثل جزائري للتعبير عن عدم قدرة شخص الهروب من مصير محتوم يقول: "مذبوح في العيد وإلا في عاشوراء". مثل يبيّن أن عاشوراء لدى الجزائريين عيد في مقام عيد الأضحى يحتفل به بل وينحر لإحيائه.


 الزواج في الجزائر

ليلة العُمر.. ماذا تُخفي مواسم الأعراس في الجزائر؟

في الجزائر كانت الأعراس مجرّد مُناسبة للاحتفال وبداية لحياة جديدة، لكنّها اليوم تحوّلت لدى كثيرين إلى سباق محموم خلف مظاهر مكلفة جدا ، و"ترندات" مُتجدّدة يفرضها ضغط المجتمع ووهج المنصّات الاجتماعية.

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

لونيس سعيدي
أخبار

سجن نقيب فيدرالية السكك الحديدية.. حزب العمال يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط

دعا حزب العمال إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأمين العام لفيدرالية عمال السكك الحديدية، سعيدي لونيس، الذي تم توقيفه يوم 5 تموز/جويلية الجاري، بالتزامن مع عيد الاستقلال الوطني، وأُودع الحبس الاحتياطي، في خطوة وصفها الحزب بانتهاك صارخ للحصانة النقابية واعتداء على حق الإضراب


رحابي.jpg
سياسة

الحبس المؤقت، شلل الأحزاب، ضعف الإعلام.. رحابي يرسم صورة سوداء عن واقع الحريات في الجزائر

انتقد الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي واقع الحريات السياسية في البلاد، معبّرًا عن قلقه العميق إزاء ما وصفه بانحسار غير مسبوق للفضاء العام، وتنامي مظاهر التقييد التي مست جوهر الممارسة السياسية وحرية التعبير.

شركة الخطوط الجوية الجزائرية
أخبار

نقابة تقنيي صيانة الطائرات تندد بتهميشها في اتفاقيات الخطوط الجوية الجزائرية

نددت النقابة الوطنية لتقنيي صيانة الطائرات (SNMTA) بما وصفته بـ"تجاوزات" إدارة شركة الخطوط الجوية الجزائرية، على خلفية توقيع الاتفاقية الجماعية دون إشراكها، رغم أن اتفاقًا كان مرتقبًا يخص ميكانيكيي ومهندسي الصيانة بالتوازي مع هذه الوثيقة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

مسار استثنائي في هياكل الدولة .. ليلى عسلاوي أول امرأة على رأس المحكمة الدستورية


2
أخبار

في ظل شكاوي لا تنتهي.. اعتمادات جديدة لشركات نقل المسافرين البحرية وعودة قريبة لطارق بن زياد


3
أخبار

قضية وفاة عامل مغربي في منزله.. تأييد الحكم ب 6 أشهر حبسا نافذا لمحسن بلعباس


4
أخبار

في مداخلة مثيرة.. ريما حسن تهاجم أحفاد الكولون الفرنسي في الجزائر وتتحدث عن بوعلام صنصال


5
أخبار

بعد أيام من توقيعه إشعارا بالإضراب.. حبس لونيس سعيدي الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية