11-ديسمبر-2019

السلطة تواجهة أزمة شرعية بسبب مقاطعة الانتخابات (تصوير: ألان بيتون/Getty)

طيلة عُمر النظام، لم أنتخب يومًا، لأنّي وعيتُ منذ زمن بأنّ الذين يحكموننا يعاقبون الشعب. كان يحذوني شعور بأنّ الانتخاب هو اعتراف ضمني بشرعية نظام درج على انتهاك الحقوق، والعبث بمقدّرات الشعب وبثرواته.

لا يُعقل أن أثق في انتخابات يُشرف عليها من درج على تزويرها في العهدات السابقة للرئيس المُقال شعبيًا

اليوم، وبعد حراك 22شباط/فيفري، زادت قناعتي أكثر بأنّ موقفي من الانتخابات المزمع إجراؤها في 12 كانون الأوّل/ديسمبر هو امتداد لقناعات سابقة، ولن أحيد عنها.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الانتخابات تجرّ أربعة متّهمين بالتزوير إلى القضاء

هناك أسباب كثيرة جعلتني أحسم موقفي من الانتخابات الرئاسية، أوّلها: لا يُعقل أن أثق في انتخابات يُشرف عليها من درج على تزويرها في العهدات السابقة للرئيس المُقال شعبيًا. فلا يُعقل، بمنطق العقل، القبول بمثل هذه الانتخابات ضمن الشروط نفسها التي أنتجت التزوير، وها نحن اليوم نشهد الدعاية الإعلامية نفسها لهذه الانتخابات، وتقريبًا الخطاب نفسه المشحون بالوطنية تارة، وبالتهديد تارة أخرى. وفي سياقٍ كهذا، القبول بمنطق المشرفين على الانتخابات هو انتحارٌ جماعي.

ثانيًا: ليست المشكلة في الانتخاب كآلية لاختيار رئيس الجمهورية بل في الشخصيات التي رشّحت نفسها (أو رُشّحت) لتمثيل أدوارها المنوطة بها، فهي نفسها الشخصيات التي تقلّدت مناصبًا هامة في النظام السابق، بل جميعهم كانوا من الذين باركوا عهدات الرئيس السابق، وكانوا من عبدة "الكادر" ومن الذين شرعنوا للفساد أو قاموا برعايته.

ثالثًا: جاء الحراك ضدّ البوتفليقية، والانتخابات جاءت لتبعث روح النظام من الرميم، فالحراك قد فهِم جيدًا رهاناته، فالمعركة لا بدّ أن تكون ضدّ المنظومة وليست ضدّ الأشخاص، والذين يشرفون اليوم على هذه الانتخابات يمثلون هذه المنظومة التي تقاوم زوالها بما تملكه من وسائل وسلطة.

رابعًا، لن انتخب لأنّ كرامتي أغلى من حياة الذلّ. فجميع الأنظمة الاستبدادية تخيّر شعوبها بين الحرية والسعادة، وهناك من اختار السعادة الوهمية التي توفرها العبودية، فمن الشعوب من لا يطالب إلا بتحسين ظروف عبوديتها. أما أنا فلم أغنم من هذا البلد إلا هذا الامتلاء بقيمة الكرامة، كرامتي كمواطن يدافع عن وجوده الحرّ، رافضًا أن تنهب حقوقه باسم الشرعيات المختلفة.

خامسًا، الانتخاب هو فعل ديموقراطي، لكن وكما يبدو، فأمامنا سنوات ضوئية لتعلّم مبادئ وقيم الديموقراطية. وسأعترف بأننا ننتمي إلى مجتمعات انفعالية تعيش تحت رحمة العواطف والانفعالات، يغلب عليها إصدار الأحكام ومصادرة المواقف المختلفة، كما لو أنّ داخل كل واحد منا مجلس قضاء. لن أنتخب لأني أعيش في بيئة لاديموقراطية ما زالت "تتهم" المختلف بـ"الشذوذ الجنسي".

 ما الذي سيتغير بعد انتخاب رئيس من النظام السابق؟ هل ستتحوّل الجزائر إلى قبلة اقتصادية عظيمة؟

سادسًا، ما الذي سيتغير بعد انتخاب رئيس من النظام السابق؟ هل ستتحوّل الجزائر إلى قبلة اقتصادية عظيمة؟ والمنظومة تزجّ بخيرة أبنائها في المعاقل بسبب أنهم قالوا كلمة حقّ. أن تنتخب هو أن تخون ميراث شهداء نوفمبر، الذين ماتوا لأجل دولة الحقوق ودولة العدالة ودولة الحرّيات. فأين كل هذا ممّا فات من نظام عرف كيف يجدّد جلده كلما عصفت به الظروف، فلا هو تبدّد ليترك النزهاء يحكمون، ولا هو تجدد ليعبّر عن حسن نواياه. ما الفائدة من هذه الانتخابات ما لم تكن مجرّد استفزاز للشعب الغاضب، بحثًا عن الدفع به نحو الخيارات القاسية، لا قدّر الله؟ فهناك من يريد الدمار لهذا البلد، ولا أظنّ أنّ الشعب الذي احتل الشوارع منذ 22 شباط/فيفري يريد ذلك، بل إنه صوت الحرّية والخير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد شرفي: تزوير الانتخابات مستحيل.. والمعارضة لا تبدو مقتنعة

"سلطة تنظيم الانتخابات".. مكسب في سلّة الحراك الشعبي