23-مارس-2024
الفنان الجزائري عبد الباسط بن خليفة (فيسبوك/الترا جزائر)

الفنان الجزائري عبد الباسط بن خليفة (فيسبوك/الترا جزائر)

في ظلّ اهتمام المخرجين والمنتجين الجزائريين بصناعة الأعمال الكوميدية والدراما المستوحاة من الواقع منذ سنوات طويلة.. أسئلة كثيرة تطرح حول غياب الدراما التاريخية والدينية على شاشة القنوات الجزائرية خلال رمضان المبارك بشكل خاصّ وعلى مدار السنة بصورة عامة، ومقابل ذلك يزدهر هذا النوع من الإنتاجات التلفزيونية في بعض الدول العربية.

خالد بن طوبال لـ "الترا جزائر": أغلب المسلسلات التاريخية حاليًا تتطلب المتعة البصرية لذلك تعتمد على جانب الإبهار من خلال ديكورات مكلفة جدًا عكس ما كان يحدث في الماضي

أصبحت صناعة المسلسلات التاريخية والدينية التي تتناول قصص ومحطات مهمة مرتبطة بالتاريخ الإسلامي، أو التي تنبش في تاريخ شخصيات لها أثر في التاريخ في بعض البلدان العربية أو حتى تلك التي ظلّت محل نقاش وجدل إلى اليوم اليوم، صناعة قائمة بذاتها في جانبها الفني والثقافي والاقتصادي والسياحي وحتى السياسي أيضًا.

لكن هذا النوع لا يحظى بالاهتمام المطلوب في بعض البلدان العربية من بينها الجزائر، التي يركز فيها صناع الأعمال التلفزيونية على الدراما والكوميديا فقط.. والأسباب متعددة، حيث حاولت "التراجزائر" البحث في خلفياتها بطرح سؤال أساسي لماذا لا ينتج وينجز المخرجون الجزائريون أعمالًا تاريخية ودينية للجزائريين في رمضان؟

وللتعمق أكثر في ماهية أسباب ذلك ولماذا بقي الإنتاج التلفزيوني مقتصرًا على مسلسلات تستسلهم قصصها من الواقع وفي أخرى يحاول صناعها تقديم جرعة كوميديا للجمهور في شهر الصيام، سألنا مختصين في المجال وكانت تشريحهم لهذا "العجز" من وجهة رؤى مختلفة.

ماذا يحتاج المسلسل التاريخي؟

المخرج التلفزيوني والمختصّ في الأفلام الوثائقية عبد الباقي صلاي، يرى أنّ الإشكالية الكبيرة في عدم إنتاج مسلسلات تاريخية ودينية كما هو معمول به لدى الأشقاء في سوريا ومصر، تتعلق بزاوية ثقافية حضارية وجدية".

ويعتقد صلاي في حديثه لـ"التراجزائر"، أنّ "ذلك أيضًا يندرج ضمن الإطار العام الذي يتحكم في الحقل الدرامي في الجزائر والذي هو مرتبط بالأساس بالممولين لا سيما في الآونة الأخيرة".

ويقول صلاي في الصدد: "من جهة أخرى إنتاج أفلام أو مسلسلات تاريخية يحتاج إلى مستوى فكري رصين، ومستوى عالي من القدرة على الكتابة والتمعن في الأعمال الدرامية، وهذا منعدم لدى أغلبية المنتجين والمخرجين الذين أغلبهم ثقافته في هذا الجانب ضحلة وهشة."

ويضيف المتحدث: "وحتى لا نعمم فإن الدراما التي تهتم بالتاريخ وما شابه ذلك تحتاج لقدرات كبيرة أولها الرؤية الواضحة، وكذلك القدرة على تنفيذ هذه الرؤية من حيث القدرة الإخراجية والفنية، وثالثا القدرة المالية واللوجيستكية التي يجب أن تتوفّر عليها الجهات التي ترى في إنتاج مثل هذه المسلسلات التاريخية ذات الأهمية".

ويبدي صلاي أسفه من هذا الوضع بقوله: "للأسف الجمهور الجزائري ألف نوعًا معينًا من الدراما غير الجدية وهذا بدوره طغى على المشهد الدرامي وأصبح هو العملة الرائجة، فضلًا عن سهولة المواضيع وتناولها من خلال السيناريوهات التي أغلبها تكتب في الوقت بدل الضائع من التصوير".

ويؤكّد المتحدث أنّنا " ما نزال بعيدين عن إنتاج المسلسلات التاريخية بالمفهوم الاحترافي الحقيقي لأننا نفتقد -حسب تعبيره- لثقافة عالية لدى العاملين في الحقل الإبداعي، كما نفتقد لقدرة جماهيرية تستطيع أن تتلقى مثل هذه الأعمال".

ووفقه "هم المشاهد في الوقت الحاضر هو الضحك مع أعمال أغلب منتجيها ليسوا إلا عابري سبيل في هذا المجال جاؤوا من التيك توك."

ويشير في معرض حديثه إلى أنّ "القنوات التي لا تهتم بالأعمال التاريخية وتراها مضيعة للوقت لأنها لا تملك جمهورًا، ومن يفكر  في ذلك يجد الأبواب مغلقة في وجهه.ّ

ويلفت إلى أنّ "القنوات لا تشجع على إنتاج مثل هذه الأعمال كما أن السبنسور "التمويل" لا يشجع على ذلك عكس الدول مثل سوريا ومصر اللذان لديهما إرث تاريخي في هذا المجال فضلا عن الساحة الخصبة التي يعملون فيها وتشجع على إنتاج مثل هذه المسلسلات التاريخية".

خوف من الدراما التاريخية

من جهته، السيناريست ياسين بوغازي، يعتقد أنّ الأعمال الدرامية التاريخية هي من الدراما الجادة التي تتطلب سيناريست مثقف بالمعنى الثقافي الموسوعي علاوة على تمكنه من حرفة السيناريو، كما تتطلب ميزانيات ضخمة".

ويقول بوغازي:" لهذا اعتقد أنّ المنتجين والمخرجين في الجزائر يتجنبونها لأنّ الأموال التي تصرف على الدراما ليست كبيرة مقارنة مع دراما المصريين والسورين".

ويذكر المتحدث على سبيل المثال مسلسل "الحشاشين" كلّف ميزانية قدرها 20 مليون دولار، بحيث بلغت قيمة ورشة الألبسة والأكسسورات 2 مليون دولار وهذا عامل -بحسب قوله-، إضافة إلى عامل ثقافي جزائري يحول دون تحقيق هذه الإنتاجات، أي وكأنّ الدراما الجزائرية غير معنية بالتاريخ المشترك للعالم الإسلامي والعربي وهذا –يعتبره بوغازي- خطأ الكبيرا.

ويرى المتحدث أنّ "ما يروج عن ضعف اللغة العربية عند الفنان الجزائري  يعدّ من الأكاذيب، لأنّ  الأجيال الجديدة متمكّنة من العربية ثم هنالك المصحح اللغوي ومصحح اللهجة وما إلى ذلك، مرجحًا أنّ هناك خوف من اقتحام هذه الدراما التاريخية، مقابل ذلك تاريخنا عامر بالشخصيات".

ولم يخف بوغازي أنّ "ما يحز في نفسه أنّ مسلسل " طارق بن زياد" الذي عاش على أرض الجزائر قبل 40 عامًا عندما أنتج من الدراما المشرقية، حيث أهملت الجزائر برمتها ولم يذكر؟. "وتساءل في السياق لماذا لا ننتج مسلسلا عنه يحكي فترته التي عاشها بالجزائر قبل فتحه للأندلس وهذا ممكن جدًا".

تكلفة الإنجاز هل هي السبب؟

وفي الصدد، يفسر المهتم بالشأن السينمائي، خالد بن طوبال تأخر القائمين على المسلسلات التلفزيونية في إنجاز أعمال تاريخية ودينية، على أنّ إنتاج مسلسل تاريخي يحتاج إلى وقت طويل، حيث يضطر كاتب السيناريو إلى استهلاك مدة زمنية يمكن أن تصل إلى سنة أو سنتين وهو يبحث في المراجع وفي الكتب ليتمكن من ترتيب أفكاره دون استسهال أو تسرع."

كما يعتبر بن طوبال أنّ "الجهات الإنتاجية مخولة بتوفير المحيط المناسب لكاتب السيناريو، وبالتالي يشير إلى أنّ التكاليف حتما ستكون مرتفعة إلى جانب تكاليف الديكورات التي تستنزف خزينة الإنتاج وهذا ما يؤدي -حسبه- إلى عزوف شركات الإنتاج عن مثل هده الأعمال التي تطلب جهودا إضافية عكس المسلسلات الأخرى التي لا تكلف الكثير من الوقت لكتابة السيناريو الذي يعد إبداعا من صاحبه، لذلك يجد مطلق الحرية وهو يبحر بقلمه".

 ويؤكد أن "أغلب المسلسلات التاريخية حاليًا تتطلب المتعة البصرية لذلك تعتمد على جانب الإبهار من خلال ديكورات مكلفة جدًا عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث كانت القصة هي سيدة الموقف والديكورات أمر ثانوي".

المخرج عبد الباقي صلاي لـ "الترا جزائر": للأسف الجمهور الجزائري ألف نوعًا معينًا من الدراما غير الجدية وهذا بدوره طغى على المشهد الدرامي

ويشير إلى أنّه "في بالجزائر ليست لدينا صناعة حقيقية في الدراما العادية، فما بالك في الدراما التاريخية التي تحتاج إلى ميزانية ضخمة ووقت أطول وهذا -على حدّ تعبيره- لا يتناسب مع الخط الذي يفضله المنتجون، حيث يعشق بعضهم الاستسهال والتسرّع، ما يجعلهم يقدمون أعمالًا سطحية لا تروق للمتتبع".