17-ديسمبر-2019

ويليام سبورتيس (تويتر/الترا جزائر)

خلال اليوم الثالث ممّا يعرف بحرب الأيام الستة، التي اندلعت يوم الخامس من حزيران/جوان سنة 1967، بعد هجوم جيش الاحتلال الإسرائيلي على الجيش المصري، لتشمل هذه الحرب مصر والأردن وسوريا، وتؤدّي إلى احتلال سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربية وهضبة الجولان، كان المناضل الجزائري من أصلٍ يهودي ويليام سبورتيس، يقبع في سجن وادي رهيو (ولاية غيليزان غربي الجزائر)، ويتفاعل مع الأخبار الواردة من أرض المعركة، ثم هَمَّ بكتابة رسالة إلى الرئيس الجزائري هواري بومدين، عبّر فيها عن موقفه الشخصي انطلاقًا من مبادئه التي تعلّمها خلال مشوار نضاله رفقة أخويه، وعن تضامنه المطلق ضدّ هذا العدوان ومناهضته للصهيونية بصفته يهوديًا جزائريًا، عانت عائلته كثيرًا من طغيان النازية والعنصرية خلال فترة الاستعمار.

كتاب "جنان الزيتون" كان نتاجًا للكثير من الأبحاث عن الأقليات اليهودية في الجزائر التي قاومت الاستعمار الفرنسي

 كتب ويليام سبورتيس هذه الرسالة في زنزانته، واحتفظ بمسودّتها بعد خروجه من السجن، حيث كان من بين المعتقلين الشيوعيين الذين عارضوا الانقلاب على الرئيس بن بلة، وقد سُجِن وعُذّب على يد الأمن العسكري وبقي دون أيّة محاكمة، كما عُزل عن بقية أصدقائه وحُرم من الزيارات العائلية. 

اقرأ/ي أيضًا: الشيخ ريمون.. نوبة مفقودة في مالوف قسنطينة

 بقيت هذه الرسالة التي لم يذكرها بومدين حبيسة الأدراج، ولم يُكشف عنها سوى سنة 2012، من خلال الكتاب المعنون بـ "جنان الزيتون"، وهو عبارة عن مقابلات لسبورتيس مع المؤرّخ بيير جون لو فولوسياني، كشف فيها عن العديد من الحقائق التاريخية المتعلّقة بمشوار نضاله وحياته، وصدر الكتاب باللغة الفرنسية عن منشورات الصحافة الجامعية لمدينة رانس بفرنسا بما أنه كان مشروع أطروحة جامعية للمؤرّخ. 

هذا الكتاب كان نتاجًا للكثير من الأبحاث عن الأقليات اليهودية الجزائرية التي ساهمت في المقاومة المناهضة للاستعمار الفرنسي بالجزائر، حيث جمع الكثير من شهادات هذا الرجل الذي لطالما اعتبر نفسه مواطنًا جزائريًا، ليس فقط من خلال الرابط العائلي والثقافي ومكان المولد، ولكن أيضًا من خلال مشوار نضاله السياسي والثوري. 

يهودي جزائري

نشأ المناضل ويليام سبورتيس في عائلة يهودية متوسّطة الحال، ضمت ستة أبناء كان هو أصغرهم، وقد عاشوا بحي جنان الزيتون بمدينة قسنطينة شرقي البلاد، حيث وُلِدَ سنة 1923 في هذه المدينة التي كان معظم يهودها من السكّان المحليّين من أصل بربري. 

ارتبطت عائلة ويليام بالعادات القسنطينية، وتحدّثت اللغة العربية الدارجة، حيث نشأ المناضل رفقة إخوانه على أنغام المالوف والموسيقى الأندلسية، الأمر الذي جعله يشعر بانتمائه الدائم إلى هذه المدينة الموغلة في العراقة. انتماءٌ صنع هويته وشخصيته الثائرة في المستقبل.

كان شقيق ويليام الأكبر لوسيان سبورتيس هو من فتح عينيه على الكفاح من أجل كرامة العيش للشعب الجزائري بمن فيهم اليهود، فقد كانت هذه الفئة في معظمها تعيش تحت خط الفقر، وتحت رحمة استعمار فرنسي ظالم وعنصري، الأمر الذي لمسه ويليام من خلال بعض أفراد عائلته من جهة عمته الذين كانوا يعانون من الفقر الشديد، حسب ما صرح به في حوار سابق له مع جريدة "لوسوار". 

هذه المعاناة بعثت فيه الإرادة للتجنّد والدفاع عن حقوق الفقراء والعمّال والمستضعفين، وكذلك النضال السياسي من أجل حرّية الشعب الجزائري الذي كان ينتمي إليه روحيًا وجسديًا، ضدّ الفاشية والنزعة الاستعمارية الفرنسية. 

مناضل اشتراكي

في حديث لموقع "الترا جزائر"، قال الأستاذ المتقاعد أحمد ملياني الذي كان قريبًا من وسط ويليام سبورتيس خلال فترة النضال في الحزب الاشتراكي الجزائري، إن هذا الرجل ناضل كثيرًا من أجل جزائر مستقلّة تضمن التقدّم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية لكل أبنائها لأكثر من سبعين سنة، وقد عرفه متواضعًا وبالإرادة نفسها في سنة 1989، عند خروج حزب الطليعة الاشتراكي إلى العلن رغم أنه كان يسمع عنه كثيرًا قبل ذلك في جريدة "Alger Républicain".

ويضيف أحمد ملياني أن ويليام سبورتيس قد تفتح صغيرًا على القضايا العادلة، واكتسب صفات الثورة تحت تأثير إخوته وأخواته، حيث كان أصغرهم. 

ولعلّ أخاه الأكبر المناضل الشيوعي لوسيان هو من كان الأكثر تأثيرا حسب ملياني، فقد نشط كثيرًا وطرد من الوظيفة العمومية بسبب نشاطه السياسي والنقابي المكثّف، فاشتغل كبنّاء وواصل نضاله في قسنطينة والجزائر العاصمة، وقد سُمّي في التقارير البوليسية بـ"الحصان الأسود"، وأكمل نشاطه في فرنسا قبل اغتياله من طرف "الجيستابو" في مدينة ليون الفرنسية في شهر آذار/مارس عام 1944.

يذكر أن ويليام سبورتيس كان قد تعاطف كثيرًا مع القضايا العالمية، وتضامن مع الجمهوريين الإسبان ضدّ فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية حسب الأستاذ ملياني، خصوصًا أن مدينة قسنطينة شهدت العديد من المتطوّعين في هذه الحرب كجورج رافيني، سيمون خليفة وموريس لابان.

بين التهميش والعنصرية

يقول الأستاذ أحمد ملياني، إن ويليام سبورتيس عانى كثيرًا من التهميش والتمييز العنصري لسببين، أوّلهما كان المواقف الشيوعية لأخويه لوسيان وبرنارد وثانيهما أصله اليهودي، حيث تعرّض للفصل من ثانوية دومال (رضا حوحو حاليًا) بسبب ذلك، في حين تم سجن أخويه لوسيان وبرنارد بفعل القوانين التمييزية لحكومة فيشي للماريشال بيتان، وقد قربته المواقف الشيوعية ومطالب العدالة الاجتماعية وابتعاده عن المرجعية الدينية من باقي الجزائريين.

 النضال في الحزب الشيوعي 

أضاف ملياني أنه من الطبيعي، أن يجد سبورتيس نفسه في صفوف الحزب الشيوعي الجزائري بعد الحرب العالمية الثانية خصوصًا بعد إعادة محورة خط هذا الحزب حول القضية الجزائرية بتأثير من بشير حاج، علي الذي ساهم في جزأرة هذا الحزب سياسيًا وتنظيميًا. 

في السياق ذاته، أضاف الأستاذ ملياني، أن ويليام سبورتيس لعب دورًا مهمًّا في الجزائر ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث غطى نشاطه النضالي مجالات واسعة بصفته صحافيًا ومناضلًا على مستوى قسنطينة، ووطنيًا وحتى على المستوى الدولي، وقد تقلّد مسؤوليات نضالية في الحزب الشيوعي الجزائري وفي الاتحاد الديمقراطي للشبيبة. 

يرى المتحدّث أيضًا، أن سبورتيس كان قد تحمّل سابقًا مسؤولية التنظيم الشباني على مستوى قسنطينة قبل أن يصبح أمينًا وطنيًا له، وتقلّد مسؤولية الحزب الشيوعي على مستوى قسنطينة أيضًا، حيث كان عضو اللجنة المركزية، ثم عضوًا إضافيًا في المكتب السياسي لهذا الحزب، على حدّ قوله.

النشاط الإذاعي

كُلِّف ويليام سبورتيس بتنشيط حصّة "صوت الاستقلال والسلام" في راديو بودابيست الشيوعي، من أواخر سنة 1953 وإلى غاية 1955، حيث قام بالتعريف بالقضية الجزائرية باللغة العربية الدارجة التي تلقّاها عن والدته.

اشتهرت هذه الحصّة بمطالب الوطنيين الجزائريين وقامت ببث بيان أول نوفمبر 1954، وسايرت المعارك إلى غاية منع الحصة من البثّ عام 1955 بعد ضغط السفير الفرنسي في المجرّ.

عاد بعد ذلك ويليام إلى الجزائر، ومارس نشاطه في سرّية تامة لإعادة تنظيم الحزب الشيوعي في قسنطينة، وأشرف على نشر وتوزيع المناشير ثم نشرة "الباتريوت". 

ما بعد الاستقلال

بعد 1962، تخلّى ويليام سبورتيس عن تنكره وحياته السرّية ليتمتّع قليلًا بالنشاط السياسي العلني، وقام بالإجراءات اللازمة للاستفادة من حقّه في الجنسية الجزائرية، لكنه لم يحصل أبدًا على هذه الشهادة.

تقلّد سبورتيس منصب سكرتير تحرير جريدة "آلجي ريبيبليكان"، لكنه سرعان ما اعتقل، وتعرّض للتعذيب بعد انقلاب 19 حزيران/جوان 1965 هو وزوجته جيلبرت ورفاقه، وكلّ من عبّروا عن رفضهم للانقلاب كأسلوب للاستيلاء على الحكم، ثم فُرضت عليه الإقامة الجبرية بتيارت بعد ذلك إلى غاية 1974.

واصل ويليام سبورتيس نضاله السرّي ثم العلني بعد 1989 في صفوف حزب الطليعة الاشتراكية، وأصبح المسؤول الإداري لجريدة "Alger Républicain" بعد عودة صدورها.

بعيدًا عن الوطن

في سنة 1994، كان ويليام سبورتيس الذي تعدّى سنه الستين سنة مرغمًا على مغادرة الجزائر رفقة زوجته المناضلة جيلبرت شمويلي، بعد تهديدات عديدة من طرف الجماعات المتطرّفة خلال العشرية السوداء التي شهدتها الجزائر، واستقرّا في مدينة فيل جويف في فرنسا. 

 بعد عشرين سنة، بدأ الزوجان في تصوير وثائقي يحكيان فيه مذكراتهما كشريكين مناضلين، بالتعاون مع المخرج جون آسلماير وساندرين مليكة شارلومانيي اللذين عرضا مقتطفًا منه عبر موقعهما، وطرحا عبر الإنترنت هذا المشروع للتمويل المالي لإكمال تصويره في الجزائر العاصمة وقسنطينة. المقطع المصوّر أظهر الزوجين وهما يحكيان قصّتهما وكفاحهما بكل شغف وعاطفة وعبّرا عن اشتياقهما الكبير للجزائر.

اضطر وليام سبورتيس إلى مغادرة الجزائر بسبب تهديدات الجماعات المتطرّفة خلال العشرية السوداء 

يزحف ويليام سبورتيس اليوم متعبًا نحو المائة سنة، بعيدًا عن الأرض التي ناضل من أجل حرّية ترابها وكرامة أبنائها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| فوزي سعد الله: الموريسكيون ليسوا عربًا وبربرًا فقط

إلين مختفي.. مناضلة أميركية في ثورة التحرير الجزائرية