19-مايو-2024
(فيسبوك)

ثورة الطلاب الجزائريين (الصورة: التلفزيون الجزائر)

تذكّرنا ثورة الجامعات الأميركية في كولومبيا في نيويوك وهارفارد في بوسطن ضد الاحتلال الإسرائيلي وهجمات الإبادة الجماعية على الفلسطينيين، بالتحاق الطلاب الجامعيين الجزائريين بالثورة التحريرية، فحين اعتصم طلاب جامعات النخبة الأميريكة، اهتزت الإدراة الإسرائيلية لهذه الحدث، ويبدو أنها استشرفت إثر ذلك أن الجيل الأميريكي القادم لن يكون مثل آبائه، وكذلك حدث مع الثورة الجزائرية بالتحاق طلبة الجامعات إلى صفوفها.

حين تبدأ الثورات من الجامعات سيكون لها وقع آخر، وهكذا كان حال الثورة الجزائرية حين قرر طلاب الجامعة ترك مقاعد دراستهم والبحث عن الحرية في الجبال والخطوط الأمامية لجبهات القتال

حين تبدأ الثورات من الجامعات سيكون لها وقع آخر، وهكذا كان حال الثورة الجزائرية حين قرر طلاب الجامعة ترك مقاعد دراستهم والبحث عن الحرية في الجبال والخطوط الأمامية لجبهات القتال مع رفقائهم في السلاح، بدل البحث عن في كتب الفلاسفة وقصائد الشعراء، فعزز التحاق النخبة الجزائرية هذه الثورة، وسقطت كليشهات الاستعمار الفرنسي للرأي العام العالمي، بوصفه للمقاومين ووصفهم بالإرهابيين وقطاع الطرق.

عيد الطالب في الجزائر، المصادف لـ 19 من شهر أيار/ماي من كل سنة، مناسبة تولي لها السلطات في البلاد أهمية كبيرة لارتباطها بالثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي، كما ذكرى أوّل نوفمبر (عيد الثورة) أو الـ5 تموز/جويلية (عيد الاستقلال) أو الخامس من أيار/ ماي (مجازر 8 ماي 1945).. فما القصة بالضبط؟

محطة مفصلية في الثورة الجزائرية

في خمسينيات القرن الماضي، وبعد سنتين على اندلاع الثورة التحريرية (1 نوفمبر 1954)، قرر طلبة الجامعات اتخاذ موقف حاسم ومصيري في حياتهم التعليمية الجامعية وحتى تلاميذ الثانويات آنذاك، من أجل تأدية واجبهم النضالي والمساهمة في تحرير وطنهم المحتل، فأعلنوا التحاقهم بالثورة وتبني ميثاق ثورة نوفمبر 1954 فتركوا مقاعد الدراسة والأقلام والكتب والتحقوا بإخوانهم في الكفاح المسلح. بحسب ما ورد في صفحة متحف المجاهد لولاية قسنطينة.

ووفق ما ورد على صفحة  هذه المؤسسة الرسمية؛ فإنّ انضمام الطلبة إلى جيش التحرير كان إضافة مهمة باعتبارهم طبقة مثقفة ومتعلمة، وكل مختصّ في مجال علمي معين، فتم توزيعهم عبر الوحدات العسكرية التي كانت بدورها مشاتل للوطنية ومدارس لتكوين السواعد الثورية والإطارات المستقبلية للجزائر ما بعد الاحتلال، فساهم الطلبة المنخرطون في الثورة بشكل فعال في رسم ملامح النصر من خلال ما بذلوه من جهود عمل في مجالاتهم، منهم من التحق بالصحة وآخرون في مجال الإعلام وآخرون في الكيمياء وصناعة المتفجرات.. وغيرها، كما لهم دور بارز في المعارك والعمليات الفدائية التي نفذت ضد الجيش الاستعماري الفرنسي.

رعب اتحاد الطلبة الجزائريين

يشير منشور متحف المجاهد في قسنطينة، كما تذكر كذلك مصادر تاريخية أخرى أنّ "القفزة النوعية في مسيرة نضال الطلبة الجزائريين كانت مند تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ( UGEMA ) بباريس، وذلك خلال المؤتمر المنعقد في الفترة الممتدة من 8 إلى 14 جويلية/يوليو/تموز 1955 بمبادرة من جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، وهذا بحضور شخصيات سياسية وثقافية وفعاليات وطنية، وممثلين عن المنظمات الطلابية، بما فيها الاتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين .

وكانت ثمرة هذا المؤتمر، انبثاق لجنة تنفيذية مكوّنة من كل من أحمد طالب الإبراهيمي (رئيسًا) الذي تولى بعد الاستقلال مناصب سياسية، العياشي ياكر (نائب الرئيس)، ملود بلهوان (كاتبًا عامًا)، عبد الرحمان شريط (كاتبًا مساعدًا)، محمد منصور (أمينًا عامًا للمال)، إلى جانب مؤسّسيه الروّاد الآخرين مثل بلعيد عبد السلام (رئيس الوزراء الأسبق)، محمد بن يحيى، عيسى مسعودي (إعلامي ومجاهد)، محمد منور مروش، عبد الحميد مهري (دبلوماسي وأحد موز الثورة)، إلى جانب طلبة استشهدوا في قلب المعارك وهم : بن زرجب، طالب عبد الرحمن، ابن بعطوش، عمارة لونيس محمد ...وغيرهم.

وكان دعم الثورة وصفوف جيش التحرير بالطلبة وبتنظيمهم الطلابي، بمثابة غصة في حلق فرنسا وعقبة أمام الإدارة الفرنسية الاستعمارية التي تيقنت أنّ مشروعها الاستعماري مهدد ولن يتحقق بالنظر إلى درجة الوعي الذي يحملها هؤلاء، فاعتبرتهم خارجون عن القانون وصارت تتحرش بهم في كل وقت وحين وتقف ضد مطالبهم وتعمل على مراقبتهم وملاحقتهم مطاردتهم في كل مكان، بل لم تكتف بذلك فقط، بل نفّذت في حقهم عمليات إعدام وحشية واعتقالات، مارست عليهم أبشع طرق التعذيب، لكن رغم ذلك لم يستسلم هؤلاء وواصلوا الكفاح والنضال حتى تحرر الجزائر.

وبعد الإعلان عن تأسيس هذا التنظيم الطلابي أدركت الإدارة العسكرية للاحتلال الفرنسي أن الطلبة الجزائريين سيكونون غُصّة في حلقها وعقبة كأْداء أمام تحقيق مشروعها الاستعماري، ممثلًا في القضاء على الثورة المسلحة،واعتبرتهم قنبلة موقوتة، مما رفع درجة احتقان هذه الإدارة وتحرّشها ضد هؤلاء الطلبة وضد مطالبهم، مع الاستمرار في الضغط عليهم ومطاردتهم حيث ما كانوا وحيث ما وُجدوا، مع تكثيف عمليات مراقبة تحركاتهم ورصد أنشطتهم المختلفة.. إلخ.

كيف جاءت فكرة إضراب 19 ماي 1956؟

فكرة الإضراب العام والتوقف عن الدراسة (19 ماي 1956) جاءت في اجتماع الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، بنادي الدكتور سعدان (مقر الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري) بالعاصمة، حيث تم خلاله تسطير مجموعة من الأهداف أبرزها إبراز وحدة الجزائريين بكل فئاتهم وأطيافهم وتدعيم النضال الثوري بعناصر جدد من الطلبة وتنظيم حملات الدعاية والإعلام لصالح الثورة الجزائرية وتوحيد الطلبة وربط مصيرهم كمثقفين ومتعلمين بمصير شعبهم المكافح وإزالة كافة الفوارق التي كرّستها التقاليد الجامعية الاستعمارية، إضافة إلى تكذيب مزاعم الاحتلال وادعاءاته بأن الثورة لا وجود لها على الأرض، وأنّ ما يحدث في الجزائر لا يعدو أن يكون مجرّد عمليات إرهابية معزولة يقودها خارجون عن القانون ومجرمون وجبت ملاحقتهم والقضاء على تمردهم.

وبالتالي صاغ المجتمعون في نادي الدكتور سعدان بيانًا بمثابة نداء تضمن مطالب الطلبة التي لا تنفصل عن مطالب الشعب وأهداف الثورة التحريرية، حيث أدانوا وحشية الاستعمار الفرنسي والاغتيالات الجبانة التي قام بها -كما تذكر مصادر تاريخية- في حق طلبة أمثال زدور بلقاسم والطيب بن زرجب، وحرق الطالب الشاب الإبراهيمي التلميذ بالمعهد الثانوي ببجاية حيًّا، وإعدام الأديب أحمد رضا حوحو.. وغيرها من الأساليب الشنيعة والمجازر الفظيعة التي اقترفها الجيش الفرنسي في تلك الحقبة الجزائريين ومن بينهم "النخبة".

البيان التاريخي الذي خرج به الاجتماع، التف حوله الطلبة الجزائريون، فلبّوا النداء، وكان القرار مغادرة مقاعد الدراسة والانضمام إلى صفوف جيش التحرير

البيان التاريخي الذي خرج به الاجتماع، التف حوله الطلبة الجزائريون، فلبّوا النداء، وكان القرار مغادرة مقاعد الدراسة والانضمام إلى صفوف جيش التحرير، فكانت سنوات من النضال بالسلاح، مرفوقة بالمعرفة والعلم وتوظيف خبرات الدراسة الطويلة في تطوير أساليب القتال وتكتيكات المعارك، إلى أن كانت العودة إلى الأقسام والكليات بعد تحقيق الاستقلال وبداية مسيرة البناء.