10-مايو-2020

دسترة مشاركة الجيش خارج الحدود يثير عدّة مخاوف الأمنية (الصورة: Pinterest)

تركت رئاسة الجمهورية الباب مواربًا خلف مسودّة تعديل الدستور، المُعلن عنها نهاية الأسبوع الماضي، حيث أكّدت أنّ جلّ المقترحات قابلة للتعديل والحذف والزيادة، حتى يتنسى لها الحفاظ على مسافة الأمان للتراجع والتعديل، تحسبًا للانتقادات الموجّهة لها من طرف الأحزاب المعارضة، وفعاليات المجتمع المدني والجبهات الشعبية.

بشير شايب: التدخّل العسكري خارج الحدود لا يعني الدخول في تحالفات وتكتلات عسكرية موجّهة ضد دول بعينها

تقترح مسودّة الدستور عدّة إجراءات جديدة؛ أبرزها المادة 95 الخاصّة بصلاحيات رئيس الجمهورية، حيث جاء فيها: "يقرّر رئيس الجمهورية إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج، بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضائه".

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر سادس مستورد للسلاح في العالم.. إنفاق متواصل بسبب الرهانات الأمنية

وفق مشروع هذا الدستور، تم إدخال تعديل على المادة 29 من الدستور الحالي، إذ تنصّ على أن: "الجزائر تمتنع عن اللجوء إلى الحرب، لعدم المساس  بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحرّيتها، ونبذل جهدها لتسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية".

وكما كان متوقعًا، أثار مقترح التعديل تباينًا في المواقف، بين مرحّب بالفكرة ومتخوّف من تبعاتها وتبعات الانعكاسات السلبية لأيّ تدخل خارجي، بينما يرى طرف آخر أن التدخل الخارجي، لن يتمّ إلا وفق شروط تخضع للشرعية الدولية، وتحمي المصالح الاستراتيجية للجزائر دون المساس بحقّ الشعوب وسيادتها.

المقترح يواكب التطوّرات

في هذا الإطار، يقول الخبير في الشؤون الدولية بشير شايب، إن المقترح يواكب التطوّرات والتحوّلات في مفهوم الأمن القومي، مضيفًا أن السماح بإرسال قوّات عسكرية خارج الحدود يستجيب للتحديات المستقبلية التي تواجه الجزائر، وهو تفعيل لخدمة الأمن القومي الجزائري، الذي يبدأ من باب المندب إلى مضيق جبل طارق، وأنّ أي هزّة في الإقليم، ستنعكس سلبًا على أمننا الداخلي.

وأشار المتحدث في حديث إلى "الترا جزائر"  أنه لا يعقل أن يكون هذا الانكفاء داخل الحدود السياسية، في انتظار الأخطار الخارجية كما هو حاصل في ليبيا والساحل الأفريقي.

وأردف الخبير قائلًا: "عدم تفعيل هكذا مقترح سمح للدول الأجنبية باللعب منفردة في الإقليم، وخاصّة القوات الفرنسية في الساحل، والتي تقوم بدور مريب في استمرار الاستقرار في المنطقة وكذلك تدخلات أطراف دولية عديدة".

 وفي تقدير محدّثنا، يُعتبر وجود قوّات جزائرية مستعدة للتدخّل حيث يجب، أمرًا سيقطع الطريق على الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية التي تتلاعب بالأمن القومي الجزائري.

وأوضح بشير شايب، أن التدخّل خارج الحدود لا يعني الدخول في تحالفات وتكتلات عسكرية موجّهة ضد دول بعينها، أو التحوّل إلى شرطي في الإقليم، وإنّما الاستعداد الدائم للدفاع عن السيادة الوطنية ومصالح الجزائر في كلّ مكان.

 التأقلم مع التطورات الإقليمية والدولية

في السياق ذاته، يعتبر الباحث في العلاقات الدولية رشيد كوار، أن  التدخّل العسكري الخارجي هو واحد من أهم الوسائل الاستباقية لحماية الأمن القومي، وأداةً من أدوات توسيع دائرة النفوذ الدولي وحمايتها.

وفي ظلّ الأوضاع المضطربة على الحدود الجزائرية، حيث تعاني ليبيا ومالي من جميع مظاهر فشل الدولة، وهو ما يشكل عبئًا أمنيًا على المنطقة، ومع تنامي الجماعات المسلحة والجريمة العابرة للحدود، أضاف محدّثنا أن التدخل الخارجي للجيش الجزائري، أضحى أمرًا ضروريًا وحيويًا لحماية الأمن القومي الجزائري.

 وكشف الباحث في الشؤون الدولية، أن صنّاع القرار الجزائري، دائمًا ما يتخوفون من التكلفة المالية والعسكرية والسياسية للتدخّلات العسكرية الخارجية، مستطردًا بالقول أن المعطيات قد تغيرت بعد عملية إعادة البناء التي عرفها الجيش في الألفية الجديدة، والتطور التكنولوجي الكبير الذي أصبحت تعتمد عليه الحروب الحديثة، حيث صار من الممكن التقليل بشكلٍ كبيرٍ من التكلفة المالية والبشرية وحتى السياسية.

يشترط محدثنا هنا، أسلوب التسويق الجيّد للتدخلات العسكرية، حتى لا يكون لها أثرًا معاكسًا على صورة الدولة داخليًا وخارجيًا.

وختم بقوله أن الاعتماد على التدخّل خارج الحدود، سيساعد أكثر في حماية الأمن القومي وتوسيع دائرة النفوذ التي تقلّصت بشكل كبير، وزيادة حضور الجزائر كلاعب إقليمي مؤثّر في تحييد المسارات الجيوسياسية للمنطقة، شرط أن يكون هناك تفعيل لهذا المبدأ ضمن استراتيجية كاملة تراعي المصلحة الوطنية من كلّ جوانبها.

دسترة التدخل العسكري 

في مقابل ذلك، يرى الخبير في الشأن الأمني والعسكري وصاحب موقع "مينا ديفونس"، أكرم خريف، أن مقترح تعديل الدستور ما هو إلا وضع إطار قانوني ورسمي لإرسال وحدات عسكرية خارج الوطن، ويتمثّل هذا عبر ثلاث مقترحات كما جاء في المسودة، أوّلها دسترة مشاركة الجزائر في عمليات حفظ السلام، تحت رعاية الامم المتحدة، وثانيها دسترة مشاركة الجزائر في استعادة السلم في المنطقة، في إطار الاتفاقيات الثنائية مع الدول المعنية، وأخيرًا هي أن المادة 95 من صلاحيات رئيس الجمهورية، التي يقرّر فيها إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان بأغلبية الثلثين من أعضائه.

هنا، يؤكد أكرم خريف، أن هذه التعديلات من شأنها رفع الضبابية واللبس حول التصور القائم بأن عقيدة الجيش الجزائري عقيدة دفاعية فقط، مضيفًا، أن الجزائر عرفت عدّة تداخلات خارج حدودها، "ونأخذ على سبيل المثال، خوض الجنود الجزائريين حربين ضد إسرائيل، كما أرسلت الجزائر وحدات عسكرية في كل من كمبوديا وأنغولا والكونغو في إطار مهام حفظ السلام الأممية، أما في سنة 1976، فقد أرسلت الجزائر، وحدة  مكونة من 400 عسكري إلى جانب القوّات السورية في لبنان لوقف إطلاق النار، على حدّ تعبيره.

في تقدير أكرم خريف، فإنّ الظروف السياسية والأمنية بداية من التسعينات جعلت الجيش الجزائري  منشغلًا في مواجهة الأوضاع الداخلية، مشيرًا إلى أنه بداية من 2011 ومع التطوّرات الإقليمية الحاصلة، تغيرت الأوضاع بشكلٍ جذري سواءً في ليبيا، الساحل والقرن الأفريقي، أو العراق وسوريا واليمن. ولفت المتحدث هنا على أن مقترح التدخل العسكري خارج الحدود الوطنية قد يكون سندًا قويًّا إلى جانب نشاط الديبلوماسية الدولي للجزائر.

المادة 95 في المسودة المقترحة، تشكل تحولًا عميقًا قادمًا في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والتدخّلات الغربية

من المؤكّد أن المادة 95 في المسودّة المقترحة، تشكل تحولًا عميقًا قادمًا في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والتدخّلات الغربية، واحتمال انهيار مؤسّسات دول الجوار، وهذا ما يحتاج إلى دسترة أيّ تدخل عسكري خارج الحدود، وذلك عبر إجماع وطني، لن يتحقّق إلا عبر نظام ديمقراطي شفاف وبرلمان تمثيلي، بحسب خبراء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شنقريحة يتوعد باستئصال الإرهاب من الجزائر

الجيش يُعلن عن استشهاد عسكري والقضاء على إرهابي في عملية تمشيط بسيدي بلعباس