16-فبراير-2024
 (الصورة: Getty) جامعة الجزائر 3

(الصورة: Getty) جامعة الجزائر 3

من أكبر تحديات الباحثين والطلبة الجامعيين في الجزائر، مسألة الإشراف على البحوث وتقييم المخرجات العلمية للكليات، في مقابل تحدّيات الحكومة من وراء الإصلاحات التي باشرتها خلال السنوات الأخيرة، تماشيًا مع التطور التكنولوجي ومتطلبات السوق، والسعي إلى ربط الجامعة بالجوانب العلمية من تكوين كوادر شغيلة، موازاة مع استعانتها بالبحوث الجامعية التي تسهم في تحقيق التطور والنهوض بالنواحي التنموية في البلاد.

الكثير من الطلاب يعتقدون أن الأستاذ هو من يقترح عليهم موضوع البحث الذي يناسبهم ويرسم لهم الخطة ويوفّر لهم المراجع

لكن حلقة الوصل باتت مفقودة أمام الكم الهائل للبحوث المتعثّرة في أحد محطات الإنجاز، على الرغم من أنها أول مصدر من مصادر التنمية، حيث تضطلع الجامعات بتأهيل المجتمع وتطويره، وذلك لما تنتجه من أجيال المتعلمين والدارسين في شتّى التخصصات، بالإضافة إلى ما تُنجزه من بحوث تسهِم في رقي المجتمع وازدهاره.

تحديات

من بين الأسئلة المحورية التي تُطرح اليوم ويتم تداولها بالنقاش بين الطلبة في مختلف الكليات خاصّة في سلك الماستر والدكتوراه، مسألة البحوث والإشراف الجامعي، فبالإضافة إلى تقديم المحاضرات والحصص التطبيقية، وهي من جملة الممارسات اليومية للأساتذة الجامعيين، وتسمى أكاديميا بـ"بيداغوجية المجهود"، فإن مسألة الإشراف على مذكرات التخرج والبحوث العلمية، تشكّل أحد التحديات بغية إتمام الدراسات العليا والوصول إلى تحصيل المخرجات الجامعية.

وفيما يتعلق بمسألة الإشراف الأكاديمي، فإن هناك مسألتين يجب فتح النقاش حولهما: من هو المشرِف؟ أو ماهي مهمة المشرف؟ ومن هو الطالب الباحث؟ من النقاط المهمة في المسار الأكاديمي التي تشكل عتبة من عتبات الجامعة ومهمة كبرى يضطلع بها الأستاذ المحاضر، غير أنها أخذت عدة أبعاد كبرى، فأحيانًا يعتبر المشرف مجرد مرشد لطلبته، فيما يراه البعض المسيّر لمسار البحث من بدايته للنهاية، بينما يرى طرف ثالث أن المشرف هو من يكشف النقاط المظلمة التي يطرحها الطلاب في إشكاليات بحوثهم وتساؤلاتهم اليومية وتقديم افتراضات يمكن تجربتها أو التحري حولها.

يشير البعض إلى أن الإشراف هو من واجبات الأساتذة المحاضرين، غير أن المسار العلمي الذي يسلكه الطالب الباحث وخاصّة في أطروحات الدكتوراه لن يرسُمُه المشرف، أو أكثر من مُشرِف، يقول الأستاذ محمد حميتي من جامعة الجزائر، فقد يخطو معهم الخطوات الأولى مع طلبته ويضعهم في سكة البحث، ويراجع معهم التقدم كل مرة، ولكنه في المقابل من ذلك لن ينجز بحثهم.

ووصف الأستاذ حميتي المشرِف في تصريح لـ" الترا جزائر" بأنه "يشبه المصباح الذي يضيء العتمة التي تحدثها الأسئلة، بل وأكثر من ذلك هو مرشِد أو موجِّه بعدما تتوافر لدى طلبته الكثير من المواصفات منها الاجتهاد في القراءات ووضع خطة أولية".

من يقدم الفكرة؟

الكثير من الطلاب يعتقدون أن الأستاذ هو من يقترح عليهم موضوع البحث الذي يناسبهم، ويرسم لهم الخطة ويوفّر لهم المراجع، إذ تحدث بعض الأساتذة  وبـ" أسف شديد" عن قدوم بعض الطلاب دون أدنى فكرة عن بحوثهم وينتظرون من الأساتذة تقديم لهم قائمة من المواضيع التي يمكنهم البحث فيها، إلى حدّ هذه النقطة الأمر يمكنه تفهمه حسب البعض، غير أنه في المقابل من ذلك هناك الكثير من الطلبة يصابون بـ "الاتكالية".

لكن ينظر البعض إلى أن الأفكار هي عملية توليدية بين الأستاذ وطلابه، فأحيانًا النقاش يتحول إلى فكرة مبدعة يمكن البحث فيها، فأغلب الإنجازات الموجودة في رفوف المكتبات هي خطّة أشرف عليها أستاذ وطالب باحث، كانت في الأصل فِكرة اتفق عليها طرفان، نسجها الجانبان وليس بالضرورة أن ينفرد بها الأستاذ فقط أو الطالب فقط، وبذلك يمكن تحويلها إلى منجز ميداني يستحقّ الإخراج النهائي.

لكن هذا لا ينفي أن هناك مآخذ تتعلق أساسًا بطرق تعامل الأساتذة مع الطلاب في إطار البحث الأكاديمي، فأول ما تم تسجيله من أفواه البعض أنه لا يتمّ تخصيص الوقت الكافي للإشراف الذي من شأنه أن يوفر الجهد ويذلل الصعاب، رغم أن البعض من الأساتذة تمكنوا من إيجاد طريقة لمواجهة صعوبات ذلك عمليًا.

وفي هذا المضمار، تحدّثت أستاذة الإعلام بجامعة البليدة غرب العاصمة الجزائرية، شهرزاد لمجد عن تخصيصها شخصيًا يومًا واحدًا في الأسبوع لطلبتها الباحثين في سلك الماستر، وغالبا ما تضع برنامج خاص للطلبة في مكتبة الجامعة حتى تتفرغ كليا لمتابعة أعمالهم وتقديم ملاحظاتها والاستماع إلى انشغالاتهم، ثم توجيههم.

وترى الأستاذة لمجد في تصريح لـ"الترا جزائر" أن ذلك ليس كافيًا بالمقارنة مع أعداد الطلبة التي يشرف عليه الأساتذة، وهو ما لا يكفي لتلبية احتياجات الجامعة نظرًا للعدد الهائل للطلبة، وعدم مقدرة الأساتذة في استيعاب هذا الكمّ.

ورغم ذلك إلا أن بعض الأساتذة يبذلون جهدهم في التوصل إلى حل وسط كالتعامل عن بعد مع طلبتهم حتى يتسنّى متابعتهم حتى خارج أوقات العمل وخارج أيام التدريس.

حيرة ما بعدها حيرة

على عكس ما سبق ذكره، بعض الأساتذة لا يخصصون لقاءات دورية مع الطلبة، ما يجعل الطالب في حالة تيهان، تقول الطالبة اسمهان زروقي من جامعة المدية وسط الجزائر لـ"الترا جزائر" لافتة إلى أن هناك حالات كثيرة لطلبة معطلين في بحوثهم الجامعية خاصة في سلك الدكتوراه بسبب تعثّر الإنجاز وقلة اللقاءات مع المشرفين أو قلة الملاحظات حول العمل المنجز،  ما يضطر بعض الطلبة إلى حلول إجرائية: إما إلى الإنهاء الإداري في التعامل مع المشرف الذي يبلغ المجلس العلمي بعدم قدرته على مواصلة الإشراف، أو اختيار مشرف ثانوي شكليا فقط أو الاتصال بعدة أساتذة ليمضي الطالب في التقدم في إنجاز بحثه، أو الإبقاء على العلاقة مع المشرف بشكل إداري فقط؛ أي أنهم يتقيدون فقط به أمام إدارة الكلية والجامعة وتوقيع وثيقة التسجيل وتقدم البحث كل سنة، والانهماك في العمل بمفردهم.

الانطلاقة هي أمر في غاية الأهمية في أول لقاء بين المشرف والطالب الباحث، إذ من المفترض أن يضع الطرفان تصورا كاملا وموثّقا حول موضوع البحث وعدم الغرق في وضع "المعالم الأساسية للبحث" أو "الخطوات الكبرى للانطلاق في البحث"، لأن غالبية الطلبة يعيشون حالة من التيه في بدايات البحث، أو ما يُطلق عليها بـ"فوضى الانطلاق"، لأن الطالب "غير قادر على تقديم تصور واضح عن موضوعه دون أن يكون لديه خلفية عنه، أو على الأقل لديه الخطوط الكبرى للبدء.

ومن بين السلبيات هي عدم التحقق من الأمانة العلمية في الاستناد إلى المصادر والمراجع المعنية بإشكالية البحوث، فضلا عن تكديس المعارف والمعلومات دون أدوات تركيب وتسلسل وتحليل وتمتين واستنتاجات.

ومن الأمور التي برزت خلال السنوات الأخيرة، اعتماد الطلاب على مبدأ السهولة في الإنجاز وإنهاء العمل وكأنه "عبء وجب التخلّص منه"، وذلك عن طريق جمع مادة علمية وإلصاقها في شكل فصول وتقديمها كمذكّرة تخرج، وذلك ما يعني غياب المجهود الشخصي في تقديم الأفكار ونقدهم لها أيضًا.

من الأمور التي برزت خلال السنوات الأخيرة، اعتماد الطلاب على مبدأ السهولة في الإنجاز وإنهاء العمل

هذه العقبات تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم، إذ أقبلت وزارة التعليم العالي على توظيف كوادر من الأساتذة خصيصا للإشراف فقط على البحوث العلمية في إطار إعادة هيكلة المخرجات الجامعية وإلحاقهم بالمراكز البحثية، فهل يمكن تذليل صعاب البحوث العلمية مع العدد الهائل للطلبة وتكون منسجمة مع عدد الأساتذة المشرفين؟