30-مارس-2024
تمارين رياضية في الملعب المفتوح (الصورة: الترا جزائر)

تمارين رياضية في الملعب المفتوح (الصورة: الترا جزائر)

إلى سنوات قريبة ظلت السمنة هاجسًا كبيرًا لدى كثير من الجزائريين حتى ظنّ كثير منهم أنها قدر لا يمكن تجاوزه، بيد أن التجربة التي خاضها ويخوضها الكوتش حمزة نزار (33 سنة) الحاصل على عدة شهادات دولية في التحضير البدني والتغذية وكمال الأجسام والحمل بالقوة، بمدينة باتنة شرقي الجزائر أكدت ألاّ مستحيل طالما توافرت الطريقة الصحيحة مع الإرادة القوية.

الكوتش حمزة نزار لـ "الترا جزائر": المشكلة هي في الأساس ذهنية فمتى يقرّر شخص ما فتح صفحة جديدة، عليه أن يتحرّر، أولًا من ديكتاتورية العادات السيئة

في ظرف سنوات وجيزة صارت قاعاته الرياضية التي بدأت في العمل منذ 2010، خاصة بحيّ تامشيط، و لافاردير مقصدًا للأوزان البشرية الثقيلة، و مخبرًا لتذويب الشحوم و حرق الدهون. ونظير للنتائج الباهرة التي حققها، بدا أن تلك القاعات أضحت ورشات تنحيف وتخسيس، حتى صار صاحبها يلقب " عدو السمنة رقم واحد".

تمارين

أما هو فيجيب في حديث إلى "الترا جزائر" ضاحكًا: "إن المشكلة هي في الأساس ذهنية، فمتى ما يقرّر شخص ما فتح صفحة جديدة، عليه أن يتحرّر، أولًا، من ديكتاتورية العادات السيئة، مثل الخمول والكسل والأكل غير المدروس، ففي نهاية المطاف، ما نحن سوى نسخ كاربونية لمّا نأكل. أما النتائج فتحتاج بذل المشقة، فلا ربح دون ألم. هذه هي القاعدة الذهبية للحياة".

وصفة طبيعية

يقترح الكوتش حمزة نزار بشغف كبير طريقته، على المنخرطين في القاعة، عبر حصتين أسبوعيتين، يمارس فيها أولئك البُدناء الذين يخضون حربًا ضد أنفسهم تدوم ساعة ونصف في كل حصة، قسطًا من الجري في الفضاء المغلق، قبل الشروع في تمارين " الكارديو"، في أجواء مرحة للغاية، تتخللها نكات بطلها طباخ فضّل خوض تجربة خفض وزنه الناجم عن طبيعة عمله، مغريًا الجميع بوصفات لذيذة و أطباق شهية، قبل أن يشرع الجميع في تمارين بالكرات الكبيرة و السكوات، ضمن سلاسل مدروسة تقطع بفواصل للراحة تدوم دقيقة أو دقيقتين، وتكرر السلاسل لأربع مرات، لتليها تمارين العمل على البساط مثل المضخات، وحركة الدراجة الهوائية، البيدالو، وهي موجهة لشد البطن والكرش، لتختتم بالقفز بالحبل، أو برفع الأثقال الخفيفة.

  يوضح الكوتش حمزة لـ "الترا جزائر" وصفته السحرية منبها: "التمارين مرنة وغير شاقة، فهي تهدف إلى حرق الدهون عبر تمارين الكارديو. قبل ذلك يتطلب الأمر التحضير السيكولوجي والبدني للمتدربين، ذلك أن التمارين تفرض نوعا من تقوية الجسم وتحسين القدرة على التنفس، لكن كل ما نفعله في القاعة لا يشكل سوى 30% من الوصفة، ذلك أن 70% في المائة مرتبط بالغذاء، أقدم للمتربصين وجبات صحية، تخص الفطور والغذاء والعشاء. الأمر لا يتعلق البتة بحمية مفروضة، تنتهي لتكون مرفوضة، بل بنظام غذائي يومي يضمن للجسم تغذية متوازية، هي كل ما يحتاجها البدن لا ما نشتهيه نحن، مع واجب أن يتوفر على بروتين لبناء العضلات، والكاربو هيدرات كمصدر للطاقة، والأملاح المعدنية والدهون الصحية والماء".

تمارين

ولادة جديدة

يداوم، ساعد أمغشوش، وهو شاب ثلاثيني، على التدريبات منذ سنوات، لم يتخلف فيها عن قاعة تامشيط سوى نادرا، لأسباب متعلقة بوزنه المفرط. قد لا تصدق أبدًا أن هذا الفتى الذي يزن في الوقت الراهن 98 كيلوغرامًا كان قبل تسعة أشهر بوزن صاف يقدر بـ 170 كيلوغرامًا.

لذا فإنه يقول في حديث إلى "الترا جزائر" في حماسة تؤكد ثقته الجديدة بنفسه وببدنه الجديدين: "بصراحة لم أكن أتصور أن أحقق هذا التحدي، بدا لي أن وزني الزائد بمثابة جبل أحمله فوق ظهري مثل صخرة سيزيف، وما اعتقدت استحالته صار ممكنًا. أدمنت على التمارين مع الحفاظ على رزنامة الغذاء صحي، وطبعًا تطلب الأمر بعضًا من المشقة، فبدأت سلسلة التحضير البدني عبر رياضة المشي التي فقدت خلالها ثمانية كلغ خلال أشهر، قبل أن أدخل القاعة لأفقد في سبعة أشهر، 72 كيلوغرامًا، وهذا ليس بالأمر الهين".

أسأله عن الثمن الذي دفعه على صعيد تغيير نظام الأكل فيجيب باسمًا: يقول مدربنا الشيخ حمزة أنه بالنسبة للشخص الذي يزن قنطارًا يلزمه استهلاك 3000 سعرة حرارية، إذن فالمطلوب التخلي عن 500 سعرة حرارية، ولهذا كان عليّ أن التزم بالأطباق الجديدة.

إلى ذلك يضيف: "صرت أتناول الكروم و الشيفلور و السلطات و شرائح اللحم الأبيض، أو السكالوب، أو البيض المسلوق بدل اللحوم الحمراء كثيفة الدسم. آكل المكسرات مثل الجوز واللوز وغيره، مع جرعات كبيرة من المياه".

وبمزيد من الشرح يواصل: " علاوة على هذا، صرت أراقب مثل الآلة الحاسبة، كل ما يلج بطني، فلا أفرط في تناول التمور، ذلك أن التمرة الواحدة تحتوي زهاء 30 سعرة، ومعنى ذلك أن التهام خمسة تمرات يتطلب حصة تمرين كاملة، أما حبة مرطبة مثل الميلفاي فهي ورطة حقيقية بما أنها تحصي قرابة 300 سعرة حرارية".

 بالمقارنة مع السنوات الماضية يرصد الشاب المنتصر على ذاته حجم التطور الهائل في حياته، فيردف ضاحكا: " الدافع الذي رغبني في الرياضة صحي بحت، ربحت على هذا الصعيد أشياء إيجابية، أصبحت أصعد السلالم دون شهيق أو زفير، ودون تعب وآلام في الظهر. وخلافًا لأعوام سابقة كنت أعاني من خطر تقوس الرجلين بتُّ أشعر اليوم بخفة حركة، وأنام في راحة تامة. كما صارت ثيابي تبديني أنيقًا متصالحًا مع جسمه، في نهاية المطاف ولدت شخصًا آخر لا علاقة له بمن سبقـ ومعلقا بدعابة " لقد تخلصت من شخص آخر كان يلازمني، تركته في الاثنين وسبعين كيلوغرامًا التي ذابت مثل حبة أسبرين في حمام العرق في أشهر قليلة".

تمارين

بِدلةُ العريس

في القاعة أنماط كثيرة من الأوزان الثقيلة التي أحالت القاعة لما يشبه روضة للاعبي الريغبي أو الكاتش الأمريكي، أو ورشة حدادة، لكن وراء كل واحد منهم قصة وحلم خاصين، فالحاج مراد، الستيني، سبق له وأن تدرب بهذه القاعة، غير أنه يحرص اليوم على مرافقة ابنه، لدوافع يوجزها لـ "الترا جزائر" في قوله: " كنت على وشك أن أصاب بداء السكري، غير أن هذه القاعة أنقذتني منه، بأن خفضت وزني الزائد ما فوق 110 كلغ، و المستقر راهنا في 84 كيلوغرامًا، لذا سجلت ابني الذي يعاني من بوادر السكري التي بدأت تظهر عنده رغم سنه المبكر الذي لا يتعدى 12 سنة جرّاء السمنة البارزة".

الشاب كريم 35 سنة، صاحب الكرش البارز، يبدي عناء واضحًا في التمارين، غير أنه يقول لي: " جئت إلى هنا وأنا مصمم على أن أصير أنيقًا في ظرف أشهر بما رأيت من نماذج ناجحة مثل ساعد أمغشوش وباكر بوعبدالله المكنى السبع. كان وزني 150 كيلوغرامًا وهو اليوم 120 كيلوغرامًا، وعليّ أن أتخلص من 20 كيلوغرامًا قبل حلول الصيف". أراجعه في سبب ربط تحديه الخاص بشهر العطل، فيجيب ضاحكًا وسط موجة من تنمر رفاقه: "نت مدعو لوليمة عرسي، سأتزوج في الصيف القادم، لذا أحرص على أن أكون أنيقًا رشيقًا في بدلة زفافي أمام عروسي".

الشِبلةُ والسَبُعْ

لم يستدل العريس المنتظر بباكر بوعبدالله، المكنى السبع من فراغ، فقد كان هذا الكهل، 41 سنة، وأب طفلين، يزن يوم ولج "مخبر التخسيس" 145 كيلوغرامًا، ثم صار بعد شروعه في مرحلة التحضير الأولية المقتصرة على رياضة المشي وتطبيق بنود الغذاء الصحي137 كيلوغرامًا.

أما اليوم فهو لا يتعدى وزن 87 كيلوغرامًا، وقد كان من الصعب عليه قبل أعوام أن ينزل البحر عاري الصدر جراء كرشه العظيمة، لكنه اليوم يجلس في أريحية تامة في كرسيه مقابلًا شاطئ البحر بعدما تخلص من التأثير المعنوي السيء للبدانة غير اللائقة، تلك التي تدمر ثقة الإنسان في نفسه.

يعترف لـ"الترا جزائر" بصراحة لا تخلو من دعابة: " ابنتي الصغيرة، نور، كانت أكبر محفز لي على خوض التجربة، يلقبني الرفاق السبع بسبب أني قررت أن أخرج السبع الرابض فيّ ووراء ذلك قصة ملهمة" يصمت ويضيف: "ذات مرة اصطحبت ابنتي الصغيرة لمدرستها بحي تامشيط فسمعت بعض رفيقتها في الفصل الأول يقولون لها إن أباك "بابا عجينة"، وهي كنية تعني السمنة المفرطة. وبمجرد ما روت لي الحادثة، قلت لها بعد أشهر سترين والدك في هيئة سبع جديد".

وفعلًا، صار باكر شخصًا آخر، فقد تخلص مع التمارين والالتزام الصارم بالأكل الصحي ومقاومة شهوات الخبز والعجائن والأطباق الدسمة والسكريات، في ظرف ثمانية أشهر 60 كيلوغرامًا، في ظرف ثمانية أشهر. يضيف ضاحكًا: " تخيل لم أكن قادرًا حتى على ربط خيوط حذائي بمفردي لأني لم أكن أقوى على الانحناء. ويوم حققت التحدي دخلت إلى منزل خالتي التي صاحت في دهشة وغرابة: من هو هذا الشخص؟  ساعتها أدركت أني حققت وعدي لابنتي نور".

تمارين

بالمقارنة مع الماضي يزأر السبع: "فرق كبير، كنت أجد عنتًا كبيرًا في العثور على مقاسات سراويل وأقمصة تليق بي. فلكي أرتدي ما يناسب ضخامتي، كنت مجبرًا على الاتصال بخياطين لتفصيلها، أو لتوصية زملاء تجار لجلبها من تركيا".

يتنهد ليختتم منتصرًا: " اليوم الحمد لله، أقطع يوميًا مسافة ثمان كيلومترات مشيًا دون عناء أو مشقة. كما صرت أنيقًا مثل نجوم السينما، وطبعا فرضت الغنيمة الثمينة التخلي عن عادات سيئة مكتسبة، عبر تضحيات لست نادما عليها البتة، فقاعدة الشيخ حمزة الذهبية: لا ربح بلا ألم. والأهم أني غدوت في ظرف وجيز، فخرًا لابنتي التي وجهت لي صفعة أيقظتني من بدانتي القنطارية المزمنة".

الجريمة والمنجل

حفزت النتائج الفعالة والسريعة كثيرين على الالتحاق ببرنامج مكافحة البدانة، وهم يرون شبانًا بحجم شاحنات ذلت مقطورة، يتخلصون، وبلا أعراض جانبية، من قوقعاتهم الدهنية الصلبة والمترهلة في آن واحد. يوضح الكوتش حمزة الذي صار نموذجًا يحتذى به في المجال، لـ "الترا جزائر" ما يراه جديرًا بالتذكير: "خلق الله الجسم البشري بعناصر غذائية كاملة، لذا فأنا لا أفرض تجويعًا على المرتادين. أنا ضد الحمية القاسية القريبة من الحرمان الذي يشبه الانتحار والتعذيب الذاتي، يجب أن تُدار التمارين بمرونة، مع نمط غذائي لا يستغنى فيه عن العناصر اللازمة للجسم، طريقتي هي نوع من تعويض ما نأكله بحريرات كثيرة، بما يجب أن نتناوله بسعرات أقل. في رمضان مثلًا حيث يفضل أغلب الملتحقين بدء تحدٍ إنقاص الوزن، أكتفي بحصص خفيفة لا تزيد عن 45 دقيقة تجنبًا للإجهاد وجفاف الجسم".

تمارين

تواكب الطريقة أنماط تسلية تتمثل في فرض عقوبات على الذين يلجون القاعة بوزن زائد عن آخر وزن تلا الحصة التدريبية السابقة، ذلك أن كل متدرب يسجل وزنه قبل الحصة وبعدها، ويقيد ذلك في سجل يسمى " كشاف الجريمة". تتيح هذه الآلية مراقبة دورية تنجم عنها عقوبات بدنية تتماشى مع الغرض الرياضي، تمس المتورطين في انتهاك قواعد الالتزام، وقدر تلك العقوبة خمسون مضخة. يشرح الكوتش مغزى ذلك ضاحكًا: " هي وسيلة لفرض الالتزام في أجواء عائلية مرحة. أما جزاء من يضبطون وهم يشترون الزلابية أو الميلفاي عن طريق صور يرسلها لي أصحاب تلك المحلات، فهي، استعمال المنجل، وفرض مائة مضخة".

الكوتش حمزة نزار لـ "الترا جزائر": في رمضان مثلًا حيث يفضل أغلب الملتحقين بدء تحدٍ إنقاص الوزن، أكتفي بحصص خفيفة لا تزيد عن 45 دقيقة تجنبًا للإجهاد وجفاف الجسم

لتكسير الروتين يمارس المتدربون، بعد كل حصة، كرة قدم الصالة لمدة ربع ساعة، فيما يسفيدون أسبوعيا، من حصة ترويحية، في الهواء الطلق، مساء كل جمعة بملعب"الدبو"، حيث يجري الكوتش مرانًا خفيفًا عبر حصة كارديو قصيرة، قبل خوض مباراة في كرة القدم، تخلصهم من ضغوط القاعة المغلقة، وتجدد طاقاتهم تأهبًا للانغماس في فرن تذويب الشحوم وتطويع الدسوم، وختامًا لتخليص الأجساد من الشوائب الضارة.