07-مارس-2021

الجزائر شهدت حلّ البرلمان للمرّة الثالثة منذ الاستقلال (الصورة: MCD)

أزاح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المؤسّسة التشريعية التي ورثها عن حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ضمن تركة ثقيلة تضم أيضًا عددًا من المؤسّسات الأخرى التي تسير هي الأخرى نحو طريق الحلّ كالمجالس المحلية والمجلس الدستوري.

هذه هي المرة الثّالثة في التاريخ السياسي للجزائر التي يُحلّ فيها البرلمان 

منذ انتخاب هذا الهيئة التشريعية في أيار/ماي 2017، كان واضحًا أنه برلمان غير قادر على تحمّل عبئ المرحلة التي كانت تتميز بتصاعد مظاهر الاحتجاج السياسي والاحتقان الاجتماعي، وتداخل العلاقات الوظيفية بين مؤسسات الدولة، ناهيك عن أن تركيبته على المستوى الفردي والحزبي لم تكن متجانسة وأقلّ تأهيلًا من الناحية السياسية لمسايرة التطورات المتسارعة.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون في الشارع للتنديد بتدخّل البرلمان الأوروبي

ظهر ذلك سريعًا في الانسداد الذي حصل في رئاسة البرلمان بعد عام واحد من انتخابه، أي في نهاية 2018، لدفع رئيس البرلمان سعيد بوحجة إلى الاستقالة، حيث أقدم النواب على غلقه بسلسلة حديدية، في حادثة عرفت باسم "حادثة الكادنة".

قضت هذه الحادثة على كلّ رمزية للمؤسّسة النيابية المرفوضة شعبيًا، ووضعتها في مركز استهداف الشارع والإعلام، خاصّة بعد اندلاع الحراك الشعبي في الـ 22 شباط/ فيفري 2019، الذي طالب فيه المتظاهرون منذ الجمعة الأولى من المسيرات الشعبية بحل البرلمان غير التّمثيلي، وهو ما كان مقرّرًا السنة الماضية 2020، لولا الأزمة الوبائية بسبب جائحة كورونا، وحاجة السلطة للمؤسّسة النيابية من أجل تمرير بعض القوانين.

تعدّدت الأسباب 

هذه هي المرة الثّالثة في التاريخ السياسي للجزائر، التي يتم فيها حلّ البرلمان وقطع العهدة النيابية منذ استقلال البلاد عام 1962، بعد حلّ وتعطيل المجلس التأسيسي من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين ( محمد بوخروبة) في 19 حزيران/ يونيو1965، عقب الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة ، حيث ظلّت البلاد دون مؤسسة تشريعية حتى عام 1976، وكذلك قرار الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد تنظيم انتخابات نيابية مسبقة في حزيران/ يونيو 1991، أجلّت لاحقا إلى 26 كانون الأول/ديسمبر من نفس السنة كدور أول، ثم أعقب ذلك حلّ البرلمان في الرابع كانون الثاني/يناير 1992 ، أي قبل 12 يومًا من إجراء الدور الثاني، الذي كان مبرمجا في الـ 16 جانفي/يناير من السنة نفسها، وهي التشريعيات التعددية الأولى في تاريخ البلاد عقب تعديل الدستور سنة 1989.

وعرفت تلك الفترة أحداثًا سياسية مُتسارعة، أفضت إلى استقالة الرئيس الشاذلي من منصبه في الـ11 جانفي 1992، وأعلنت القيادات العسكرية يوم 12 كانون الثاني/جانفي 1992 وقف العملية الديمقراطية بقرار إلغاء الدور الثاني من الانتخابات، وذلك خوفًا من حصول "الجبهة الاسلامية للإنقاذ" المنحلّة، على الأغلبية البرلمانية في الدور الثاني بعد أن فازت في الدور الأوّل، وأسند بعدها الحكم إلى المجلس الأعلى للدولة، الذي حلّ محلّ الرئيس ويمارس سلطاته، في 14 كانون الثاني/جانفي 1992 وعُيّن في رئاسته محمد بوضياف، وما تبعها من إعلان حالة الطوارئ في 9 شباط/ فيفري 1992، ما أدخل البلاد في أتون أزمة أمنية دامية، استمرت لأكثر من عشرية كاملة.

حاليا، يمنح الدستور الجديد الذي عرض للاستفتاء في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، من خلال المادة 150 الحق لرئيس الجمهورية صلاحية حلّ البرلمان، أو إجراء انتخابات نيابية قبل أوانها، بعد استشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول (أو رئيس الحكومة حسب الحالة) ورئيس المحكمة الدستورية، على أن تنظّم الانتخابات المسبقة في غضون 90 يومٍ كحدّ أقصى من تاريخ حلّ البرلمان، وإذا تعذّر تنظِيمها في هذا الأجل لأيّ سبب كان، يمكن تمديد هذا الأجل لمدة أقصاها ثلاثة أشهر أخرى بعد أخذ رأي المحكمة الدستورية.

قانون الانتخابات الجديد

الملفت للنظر، أن الرئيس تبون لم يحدّد أثناء خطابه للأمة، أي تاريخ لموعد الانتخابات كما كان متوقّعًا، لكن الدستور كما هو واضح يفرِض عليه تنظيمها في حدود ثلاثة أشهر على الأقصى، ما يعني احتمال تنظيمها قبل تاريخ 18 أيار/ماي المقبل، ويطرح هذا التاريخ مشكلًا كبيرًا على اعتبار أنه في حال اعتمد، فإن الحملة الانتخابية ستكون في شهر رمضان، وهو أمرٌ غير ممكن للنّشاط السياسي، ناهيك عن أن الترتيبات القانونية لم تُستكمَل بعد من حيث صدور قانون الانتخابات الجديد، ما يعني وجود خيارين بالنسبة للرئيس تبون، وهو إجراء الانتخابات قبل بداية شهر رمضان، أي قبل منتصف شهر نيسان/أفريل المقبل، أو تأجيلها إلى ما بعد عيد الفطر في غضون شهر حزيران/جوان المقبل، بعد استشارة المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية في حال تم إنشاؤها قريبًا.

سياسيًا، تعتبر الفعاليات السياسية في الجزائر أن قرار حل المؤسسة التشريعية جاء متأخّرًا، خاصّة وأن مطالب الحراك الشعبي كانت تنظر إلى هذه المؤسسة بعين الغضب والحنق باعتبارها تصدح بأنها صوت الشعب قانونا، ولكنّها فعليًا من صنيعة "العصابة"، على حدّ تعبيرهم خلال المسيرات الشعبية قبل سنتين، تقريبًا. 

وفي هذا الصدد يرى النّاشط الحقوقي المحامي فريد بودهان، أن انتخاب برلمان جديد يساير المرحلة الجديدة يعتبر "حلًّا من الحلول للتهدئة السياسية للشارع"، على حدّ قوله، مشيرًا إلى أن طبيعة المرحلة تتطلّب برلمان تمثيلي، خاصة وأن الأحزاب وغيرها من المكوّنات السياسية في البلاد تتشارك في نظرتها للبرلمان الحالي بأنه "الأسوأ من حيث التّمثيل الشعبي، والذي كان ورقة بيضاء في يد المنظومة السياسية السابقة وصوت أحادي للمنظومة السابقة". 

تتوجّه الجزائر نحو ثاني انتخابات مسبقة في تاريخ البلاد المستقلة، أو بالأحرى أوّل انتخابات مسبقة ستجري، لكون انتخابات المسبقة في سنة 1991 لم تُستكمل كما ذكرنا سابقًا بسبب رفض نتائج الدور الأوّل وإلغاء الدور الثاني.

تأتي أهمية الانتخابات النيابية المنتظرة من معطيين اثنين: الأول أنها ستمكّن الجزائريين من انتخاب برلمان شرعي وتجديد مؤسّسات الدولة، والثاني أنها ستسمح للمرة الأولى بمعرفة الحجم الحقيقي لكلّ حزب وتيار سياسي، خاصّة وأنها أول انتخابات تشريعية في تاريخ الجزائر تجري تحت إشراف كامل للهيئة المستقلة للانتخابات، بعدما تمّ سحب تنظيم الاستحقاقات من وزارة الدّاخلية والسّلط الإدارية. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بلعيد: تبون يعتزم حل البرلمان هذا الأسبوع

حلّ البرلمان الجزائري.. نحو التخلص من إرث بوتفليقة