11-يونيو-2023
صورة تعبيرية (فيسبوك/الترا جزائر)

صورة تعبيرية (صورة: سلام وكلام)

شَهدت الفترة الأخيرة عودة الحراك السياسي الحزبي، حيث باشرت عديد من الأحزاب السياسية على إعادة تجديد في قيادتها الحزبية، على غرار تزكية عبد القادر بن ڨرينة رئيسًا لحركة البناء الوطني، كما زكى أعضاء مجلس الشورى لحركة مجتمع السلم، عبد القادر حساني رئيسًا للحركة.

يؤكّد متابعون على وجود فئات واسعة من المجتمع  الجزائري من شريحة الشباب لم تعد تؤمن بالرصيد التاريخي الماضوي

ومن جانب آخر تَلقى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مراسلة من وزارة الداخلية تفيد بحصوله على مطابقة نتائج المؤتمر مع القانون الأساسي المتعلق بالأحزاب والجمعيات ذات الطابع السياسي، وعَرفت قيادة حزب جبهة القوى الاشتراكية استقرارًا على مستور القيادة، بعد هزات متكرّرة منذ رحيل مؤسس الحزب، حسين آيت أحمد سنة 2015.

في مقابل ذلك، توجت الأنظار إلى حزب جبهة التحرير الوطني، حيث تحجج أمينه العام، أبو الفضل البعجي بتأجيل المؤتمر، بسبب عدم توفر الهياكل الفندقية التي تستقبل المندبين والمدعوين من داخل وخارج الوطن، حسب أقواله.

الجمود السياسي

رغم عودة النشاط التنظيمي والهيكلي لبعض الأحزاب، ولو بشكلٍ محتشم، وكذا ثقل الملفات الاقتصادية وأعباء الجبهة الاجتماعية، لم تنعكس فعاليات الأحزاب السياسية ولا الرهانات الاجتماعية على تنشيط الحياة السياسية والإعلام السياسي، ماعدا بيانات مُقتضبة، في مجملها بيانات التنديد، وتصريحات تُحذر من مخاطر تمس بالوحدة الوطنية.

 الخلل في المكون السياسي؟

 في سياق متصل، وفي محاولة استيعاب أسباب ومآلات هذا الجمود السياسي، يتوقّع متابعون للشأن السياسي أن هذا الوضع يُعطي صورة مُظلمة عن مستقبل العمل السياسي والمؤسسة الحزبية بالجزائر بأكملها، وفي تقدير متتبعين أن من بين الأسباب، قد تتعلق بطبيعة المكون السياسي والحزبي، وبعد طفرة 22 شباط/فبراير 2019.

ما تزال تسيطر على المسرح السياسي، طبقة سياسية تنتمي إلى فترة تسعينيات، ظهرت وفق سياق سياسي واجتماعي وتاريخي، باتت تختلف تمامًا عن الرهانات الحالية، ونمط التفكير الجديد الذي تَولد بعض بُروز المجتمع الرقمي والشبكي في المشهد السياسي، وبحسب مُختصين في الشأن السياسي، فهناك قطيعة بين المكون السياسي في صِيغَتِه وحُلَتِهِ الحالية، وبين القواعد المجتمعية الجديدة، والتي تَشهد تحولات سريعة فكريًا وسياسيًا، وتَشَكُّل ذهنيات جديدة، من سِمَتها أنها لا تخضع إلى قبول التأطير، أو الانضواء في أي تنظيم، و ترفض التحكيم، فضلًا عن عدم الاقتناع بالتراتبية في سلم القيم.

المعادلات الجديدة

وفي ظلّ تراجع الأيديولوجيات السياسية والفكرية لدى فئات عريضة من المجتمع، علاوة على استقالة الطبقة الوسطى سياسيًا وتنظيميًا، وغياب الكلي للطبقة البروليتارية في النقاشات المطلبية والنقابية، ترك كل ذلك الإقبال والتوجه إلى الأحزاب السياسية كبدائل وأطر لممارسة النشاط المطلبي والضغط على الجهاز التنفيذي، وزاد من وطأة عزلة العمل الحزبي "شيطنة" العمل السياسي، وتداول فكرة  أن العمل السياسي مرادف لتحقيق المغانم، ومطية الترقية الاجتماعية ماديًا.  

من جانب آخر، وأمام عجز المجتمع السياسي "المعارضاتي" في خلق المبادرات، باتت السلطة السياسية تَحتَكِرُ المبادرات في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتدير المَشهد وتُؤثّر فيه، على غرار المسارعة في زيادة في الأجور والمعاشات، وإجراءات تحسين القدرة الشرائية، وإدارة ملف التشغيل والتوظيف وتوفير السكن بمختلف صيغه.

وعلى ضوء ذاك، أصبح المواطن أكثر ما يَلتفت إليه هو إجراءات السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى بروز المكون التكنوقراطي والإداري الذي بات يتصدر المشهد الإعلامي بشكلٍ أقوى، كل ذلك على حساب الفاعل السياسي، وبالتالي أصبح من السهل أن يقتنع المواطن بعدم جدوى الانضمام إلى المجتمع السياسي، الذي يفرز عبر العملية الانتخابية ممثلين له، يرافعون مطالبه، ويُؤثرون على السلطات من أجل تجسيد انشغالاته والاستجابة إلى اهتماماته. 

المجتمع الرقمي

في سياق متصل، ورغم الرصيد السياسي والنضالي الذي لعبته الأحزاب السياسية التقليدية منذ الاستقلال إلى اليوم، فهي لم تعد قادرة على المحافظة على الكاريزما السياسية، نظرًا  لعدة أسباب، يشير إليها متابعون في وجود فئات واسعة من المجتمع من شريحة الشباب لم تعد تؤمن بالرصيد التاريخي الماضوي، كونها لم تعد تُفكر بالنمط والشكل الكلاسيكي نفسه.

إلى هنا، برز مجتمع شبابي ذو تكوين جامعي أو متوسط التعليم أو ينتمي إلى المجتمع الهامشي، تشكّلت معالم شخصيته الثقافية والسياسية والمجتمعية وفق تأثير الثقافة الرقمية، وتتحكّم في علاقاته التواصلية منصات التواصل الاجتماعي والسوشيل ميديا أكثر من الميدان والفضاء الواقعي، بينما ما يزال الإطار الحزبي المؤسساتي يَسير وفق النمط التقليدي، سواءً في التواصل أو التعامل مع القواعد النضالية أو في النشاطات السياسية، والشاهد على ذلك، ما تزال مطالب الأحزاب السياسية التقليدية محصورة في فتح وسائل الإعلام العمومية، بينما الفضاء الرقمي مجالاته أوسع وأرحب، والسرعة في التواصل أكبر وأكثر، وفعالية التأثير في الرأي العام بشكل أفضل، فضلًا عن تحرره من الرقابة والمقص.

جوانب سلبية

في مقابل ذلك، يَحمل المجتمع الرقمي جوانب سلبية على صعيد الانتماء السياسي، حيث تمتاز الشخصية الرقمية بالاستهلاك الأكبر للمعلومة دون تمييز، والاستجابة بحسب قوة الانفعال والعاطفة، والانتقال بسرعة من مادة إعلامية إلى أخرى، وتُشكل المتعة الدافع الفضولي في المتابعة والإعجاب، وعدم الاستقرار على فكرة واحدة، وقد لا تكون الفكرة الجادة محل اهتمام وإعجاب، بقدر ما تكون الصورة أكثر فعالية.

إلى هنا، لا ينفي كل ما سبق أهمية المجتمع الشبكي ودوره كأداة ضغط ومغالبة، فما هو واقع الرقمنة في ثقافة المؤسسات الحزبية عندنا، سواءً الإطار التنظيمي العام أو على الصعيد الشخصي، وتطرح في السياق، عدة أسئلة منها: ما هو رصيد تقنيات التواصل الاجتماعي والرقمي لدى الساسة؟ وكم من سياسي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مثل تيك توك أو انستغرام أو فيسبوك أو تويتر، في التواصل اليومي مع الفئات الشبابية؟

برز مجتمع شبابي ذو تكوين جامعي أو متوسط التعليم أو ينتمي إلى الهامش، تشكّلت معالم شخصيته الثقافية والسياسية والمجتمعية وفق تأثير الثقافة الرقمية

إن معالجة أي خلل بحاجة إلى رؤية عميقة من الداخل، ونقدًا ذاتيًا يقودنا إلى ضرورة التفكير بنمط جديد، وأي فشل سياسي لابدّ أن يدفع إلى صناعة وجوه سياسية جديدة تمتلك أدوات التواصل الحديثة والعصرية، لغوية وتقنية، وإلا فالزوال هو مصير من لا يدرك قوانين التطور.