27-يونيو-2020

الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

بعد أقل من ستة أشهر من تعيين الحكومة، أجرى الرئيس عبد المجيد تبون تعديلًا وزاريًا جزئيًا، أنهى فيه مهام عدد من الوزراء، في قطاعات وُصفت بـ"التقنية"، وعيّن وزراء جدد، فيما أبقى على الوزير الأوّل عبد العزيز جراد، والوزارات السيادية.

كان أداء بعض الوزراء محلّ انتقادات كبيرة، خاصّة في قطاعي التعليم والعدالة

وفور صدور التعيينات الجديدة،  كان أوّل سؤال تبادر في الساحة السياسية، متعلقًا بجدوى هذا التعديل،  في خضم الأزمة الصحيّة الراهنة التي تعيشها الجزائر، مع تفشي وباء كورونا، علاوة على المعايير التي يستند إليها القاضي الأول في البلاد، لتوزير الأسماء التي ضمّتها الحكومة الثانية منذ اعتلائه كرسي قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يهنّئ ملك المغرب بنجاح عملية جراحية

في هذا السياق، ذهب متابعون للشأن السياسي في الجزائر، إلى القول أن الرئيس تبون، لم يعثر بعد على التوليفة الحكومية التي يمكنها أن تنفّذ كبرى محاور برنامجه السياسي، الذي كثيرًا ما روّج له في خطاباته وتصريحاته الإعلامية، منذ حملته الانتخابية لانتخابات كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، اعتمد فيها على توصيفها ببرنامج "الجزائر الجديدة"، والقيام بالإصلاحات السياسية الكبرى.

وزراءٌ ونصف عام

التعديل الوزاري الأخير كان سريعًا، وهو ما دفع إلى طرح عدة تساؤلات، مرتبطة بالرؤية التي يبديها أي رئيس في عامه الأوّل من الحكم، ومن العهدة الرئاسية الأولى، إذ تكشفت التغييرات المعلنة عن تقييم "غير معلن" لأداء الوزراء في ظرف نصف عام من الحكم، وهو ما دفع إلى تغيير بعض الأسماء، في مقابل أن كثيرين اعتبروا الخطوة "متسرِّعة"، وفي "مسار التشكّل والبحث عن خارطة سياسية لتسيير الدولة"، مثلما شرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية سيد علي بوزار في حديث لـ "الترا جزائر"، معتبرًا أن التعديل "تقنيٌّ أكثر منه سياسي"، خصوصًا مع الظروف التي تعرفها الجزائر، على حدّ تعبيره.

ظاهريًا، وفي قراءة أوّلية لهذا التعديل، يعتقد البروفيسور بوزارد، أن التعديل الذي مسّ حكومة جراد المعينة في الخامس من شهر كانون الثاني/جانفي من العام الجاري، ليس سياسيًا بمعنى التغيير المراد منه دفع عجلة التنمية، وتحريك الشأن السياسي العام، بل هو "عملية نقلة تقنية"، مسّت وزارات ليست بالمحورية، خصوصًا وأنه احتفظ بالأسماء التي تسير مناصب ثقيلة خاصّة في وزارة الخارجية، و وزارة الداخلية، والصحة والاتصال، مشيرًا إلى أن التعديل عبارة عن "تعديل أو تصحيح أو إعادة تحريك" لـقيادات القطاعات الخدمية، على حدّ قوله.

ولم يكن أداء الحكومة الحالية محطّ الأنظار فقط، خصوصًا وأن الرئيس تبون، تعهد بتشبيب مختلف القطاعات، وكان أداء بعض الوزراء محلّ انتقادات كبيرة، خاصّة في قطاع التربية وقطاع العدالة، غير أنه في التعديل الأخير، أبقى على رأس القطاعين الأخيرين، وهو ما فتح الباب على العديد من التأويلات، منها ما هو سلبي، بحسب البعض إذ يرون أن الإبقاء على الوزير محمد جاعوط في قطاع التربية، ليس بالمؤشّر الجيّد، فيما رآى البعض أن الإبقاء عليه مرتبطٌ بمواعيد الامتحانات، التي تأجّلت بسبب الأزمة الصحيّة، وتحتاج إلى قرارات حاسمة وتسيير أزمة قطاع ليس بالهين.

 وزارة العدل والحراك

الأمر نفسه، بالنسبة للوزير بلقاسم زغماتي، الذي يراهن عليه في تفكيك ألغام من تركة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، والصراع الكبير في قطاع العدالة التي باتت اليوم تحت "ميكروسكوب سياسي"، كما قال الأستاذ بوزارد، بالنظر إلى الملفات الثقيلة في المحاكم، ومرحلة المحاسبة التي انطلقت منذ العام الماضي، علاوة على المطالب التي يبديها الشارع الجزائري بسبب القمع وتكميم الأفواه وتقهقر الحرّيات.

وفي سياق متصل، أفاد المتحدث، أن التغييرات المرجوة في حكومة جرّاد، تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تمرّ بها الجزائر، لافتًا إلى أن الرئيس تبون وجد تركة ثقيلة في تسيير ملفات إعادة هيكلة الدولة والقيام بالإصلاحات المرجوة، "إذ لا يمكن أن يقوم بمختلف الإصلاحات التي وعد بها، في بيئة تعج بمخلفات من الصعب تفكيكها، ومثل الأرض التي تستهلك الكثير من الجهد والوقت لاستصلاحها"، وهو ما يشبه الوضعية التي تعرفها البلاد، منذ استقالة الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة في نيسان/أفريل ً2019.

حكومة استقرار؟

لا تأخذ الحكومة الجديدة في الجزائر شكل حكومة وحدة وطنية، لكونها حكومة موسعة بعدد كبير يبدو مبالغ فيه  إلى41 وزيرا، في الغالب تكون حكومات الوحدة الوطنية التي تتشكل بعد أزمات أو كنتيجة لتوافقات سياسية، ذات عدد كبير بهدف ترضية كل الأطراف وضمان مشاركة متوازنة ، ولا يكون الهدف من هذه الحكومات تحقيق انجاز بقدر ما يكون تحقيق استقرار سياسي بالدرجة الأولى.

وفي ضوء ذلك، يبدو أن منظومة الحكم، تبقي دومًا على توسيع الحكومة، وفصل عدد من الوزارات إلى أكثر من وزارة، على غرار قطاع الطاقة، الذي أصبح بثلاث وزارات هي الطاقة والمناجم والانتقال الطاقوي، غير أن هذا الفصل يطرح أكثر من سؤال حول مبرّرات توسيع الحكومة المطلوب منها تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية، وفي ظلّ أزمة مالية تمرّ بها البلاد، نتيجة انخفاض أسعار النفط، وتراجع عائدات البلاد من المحروقات، وهو ما كان يفرض الضغط على الإنفاق الحكومي وتقليص عدد الدوائر الوزارية.

خطّة اقتصادية؟

اقتصاديًا دائمًا، فإن القيام بفصل قطاع الطاقة عن قطاع المناجم، وهو الدافع إلى الذهاب نحو تأسيس لخطة إنعاش في مستوى هذا القطاع، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الدول بسبب جائحة كورونا، والتي أدّت إلى تهاوي أسعار البترول، بعد الحظر العالمي بسبب شلل اقتصادي رهيب بسبب الوباء، مثلما يشير أستاذ العلوم الاقتصادية محمد سياري، معتبرًا أن قطاع الطاقة والمناجم قطاعات حساسة وتسييرها يحتاج إلى "مركزة المجالات"، وتدعيمها بمخططات الإسكتشاف والتنقيب والتصدير، موضحًا لـ "الترا جزائر"، أن المناجم هي رهان حقيقي في المراحل القادمة، غير أنها تحتاج إلى خبرات تضع الطاقة والمناجم أمام مجال "صناعة الثروة المالية، وسلاح لتسريع عجلة التنمية على مستويات أخرى".

 في مقابل هذا، يرى البعض مؤشّرات إيجابية في التعديل الحالي، إذ يعتقد الناشط الحقوقي مراد بلخيري، أن الرئيس تبون يحضّر لتعديلات سياسية كبرى في قادم الأشهر، خاصة بعد تمريره مسودة الدستور للنقاش على مستوى الفاعلين في الساحة السياسية في الجزائر، معتبرًا في تحليله لهذا "التصحيح الوزاري" في حديث إلى "الترا جزائر"، خطوة نحو تنفيذ المخطط الذي سيعقب الأزمة الصحية، والبدء في تنفيذ وعوده السياسية المرتبطة بالإصلاحات والبناء المؤسّساتي على مستوى روح القوانين الدستور، على حدّ تعبيره.

معطىً آخر، تقدّمه التعديلات في القطاعات الوزارية، بالنظر إلى مدّة استوزار المعنيين وهي فترة قصيرة، ولا تدعو للطمأنة، غير أن البعض ذهب إلى اعتبار الخيار الذي قام به الرئيس، مبنيٌّ على منطق تسيير فترة قبل الاستفتاء على الدستور، خاصّة وأن الشخصيات التي تمت إقالتها لم تكن لها جدارًا سياسيًا يسندها، وليس لها قاعدة سياسية من تجارب وخبرات، إذ أغلبها أسماء لم تمارس المسؤوليات العليا من قبل، وهو ما يسهل على رئيس الجمهورية زحزتها وتعويضها بأسماء أخرى. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

قنصل المغرب بوهران يغادر الجزائر

تبون لصحيفة "لوفيغارو": لم يضعني الجيش رئيسًا للبلاد