01-سبتمبر-2023

(تصوير: بلال بن سالم/ Getty)

وسط توترات إقليمية تعيشها الجزائر، تتجه أنظار الجزائرين إلى الدخول الاجتماعي، حيث بدأ العد التنازلي للدوائر الحكومية والمؤسّسات العمومية، وقطاعات التربية والتعليم، التحضير والاستعداد لتهيئة الظروف المناسبة لدخول اجتماعي ومدرسي هادئ ومستقرّ، بعيدًا عن ضغوطات تعيشها الأسر الجزائرية نتيجة سلسلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوات واللوازم المدرسية.

يرى خبراء في الشأن الاقتصادي أن الاقتصاد الجزائري ما يزال قائمًا حول التبعية المفرطة لإيرادات المحرقات

وعلى الصعيد السياسي، ما تزال الأحزاب السياسية تراوح حالة من بالصمت إزاء مضمون قانون الأحزاب السياسية، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والمنتظر الإفراج عنه بشكلٍ رسمي.

من جانبه، ينتظر الفريق الحكومي تحدّيات اقتصادية ومالية، وعودة النشاط الاقتصادي والصناعي، وبعد مرور سنة تقريبًا على صدور قانون الاستثمار ما يزال الوضع التنموي بحاجة إلى وتيرة سريعة وناجعة، تعكس تفاؤل الخطاب الرسمي.

الدخول المدرسي

في سياق الموضوع، يُكثف  الطيب زيتوني، وزير التجارة، من الخرجات الإعلامية معلنًا عن جملة من التدابير التي اتخذتها الحكومة تحضيرً لدخول مدرسي يُبعد الضغط على العائلات من انعكاسات التدهور القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة.

وعكس تصريحات الوزير السابق كمال رزيق، فإن الإنتاج الوطني يغطي حاجيات السوق من الأدوات المدرسية، حيث استبقت وزارة التجارة تحضير عمليات الاستيراد من الخارج للمواد المدرسية، بعدما تبيّن أن الإنتاج الوطني لا يغطي إلا 10 % من حاجيات السوق الوطنية.

هذا العجز دفع بالسلطات إلى تقديم تسهيلات للمستوردين وتخصيص غلاف مالي يقدر بـ 88 مليون دولار من أجل استيراد الأدوات المدرسية من الصين، تفاديًا للندرة واستجابة للطلب، مع تنظيم معارض محلية من أجل توفير الأدوات المدرسية والتحكم في الأسعار التي تشهد ارتفاعًا محليًا ودوليًا.

الدخول الاقتصادي

في السياق ذاته، تعرف عدّة قطاعات اقتصادية وصناعية، في ظلّ رسم توقعات نسبة نمو في نهاية السنة، تتراوح ما بين 3 إلى 4 في المائة لسنة 2023، والرهان ما يزال قائمًا حول إنعاش القطاعات غير النفطية والوصول إلى 13 مليار دولار نهاية السنة الجارية، حيث السلطات الجزائرية أن الصادرات خارج المحروقات قد بلغت 7 مليارات دولار سنة 2022.

في المقابل يرى خبراء في الشأن الاقتصادي أن الاقتصاد الجزائري ما يزال قائمًا حول التبعية المفرطة لإيرادات المحرقات، التي تعرف استقرار في الأسواق العالمية.

من جانبهم، دعا مختصون في الشأن الاقتصادي من توخي الحيطة والحذر من مستويات الإنفاق الحكومي المرتفع، الناجمة عن تدابير الدعم الاجتماعي وزيادة في رواتب القطاعات العمومية واستحداث جهاز دعم البطالة والتوظيف في القطاعات العمومية.

قانون مالية تكميلي؟

إلى هنا، لم تتضح إلى غاية الساعة معالم اصدار قانون المالية التكميلي لسنة 2023، كما جرّت عليه تقاليد الحكومات السابقة، وهذا قصد تغطية ارتفاع مصاريف ميزانية التسيير وميزانية التجهيز، والتحكّم في التوازنات المالية وتعزيز دعم الأسعار المتأثرة بشظايا الحرب الروسية- الأوكرانية.

وعلى الصعيد التنموي ورغم الخرجات القطاعية والوزارية، ما يزال الوضع التنموي والصناعي بحاجة إلى مردودية ونجاعة وفعالية، ماعدا قطاع المحروقات الذي بات يسجل تحسنًا في الأداء نظر إلى السياق الدولي والتدافع حول مصادر الطاقة، علاوة على بعض نوايا الاستثمارات العمومية رفقة الشركاء الأجانب والتي لن تثمر فعليًا إلا بعد سنوات، إذ تم تجاوزات العقبات البيروقراطية والإدارية.

بينما ما تزال بعض الملفات تشهد ضبابية وجمودا، على غرار ملف فتح رأس المال البنوك العمومية، استحداث جهاز توجيه الدعم الاجتماعي، كيفية التعامل مع الشركات العمومية المفلسة، فتج المجال الجوي للقطاع الخاص، دعم القطاع الخاص في خوض المشاريع الاقتصادية الكبرى وغيره.

الموسم الفلاحي

من جانبه، يعرف قطاع الفلاحة صعوبات وتذبذبًا، نتيجة حالة الجفاف التي باتت تهدد السنة الفلاحية، كما عمقت سلسلة الحرائق من خسائر الموسم الزراعي، حيث تزامن مع موسم الحصاد خلال الصيف،  بنى عليها الفلاحون توقّعات بتراجع الإنتاج الفلاحي لهذا السنة.

في هذا السياق، انعكست مردودية الموسم الفلاحي لهذا الصائفة على أسعار الخضر والفواكه، فقد سُجلت خلال موسم الصيف ندرة في بعض المواد الفلاحية بسبب الحرارة المرتفعة والحرائق التي مست مساحات زراعية واسعة وانقطاع سلسلة التوزيع، ما أثر على ارتفاع بعض المواد الزراعية فقد بلغت أسعار الطماطم 150 دج والفلفل الأخضر 200 دج، أما شعبة اللحوم البيضاء فقد شهدت أسعار الدجاج أرقامًا قياسيًا تجاوزت 540 كلغ أما اللحوم الحمراء فما تزال أسعارها في حدود 2200 إلى 2500 دج، للكيلوغرام الواحد.

الدخول السياسي

في الصدد، يتجدد الموعد السياسي مع مبادرة السلطة واقتراح مسودةٍ قانون الأحزاب لم تتضح معالمه بشكلٍ كافي إلى غاية اليوم، ولا يعُرف بعد هل تبادر الرئاسة إلى فتح سلسلة من الحوارات واللقاءات مع الأحزاب السياسية قصد إثراء قانون الجمعيات ذات الطابع السياسي، أم يتم مراجعة قانون الأحزاب وفق رؤية وتصور السلطة، على أن يعرض على غرفتي البرلمان ومجلس الأمة وبالتالي يصادق عليه دون تغيير أو تعديل في حال ما اعترضت الأحزاب على بعض ما ورد في القانون.

في المقابل، تتخوف الأحزاب السياسية من اصدار قانون الجمعيات ذات الطابع السياسي يأطر العمل الحزبي والسياسي وفق حسابات السلطة، ويضيق على مساحات النشاط النضالي والعمل الميداني، فضلًا عن إفراز خريطة سياسية جديدة مصطفة سياسيًا وإيديولوجيًا.

من جانبها، تتهيأ أحزاب سياسية على غرار جبهة القوى الاشتراكية عزمها عن طرح مبادرة "الحوار الوطني" تطرح فيها عقدًا سياسيًا مشتركًا، ورؤية موازية لمبادرة "التلاحم الوطني". وفي المقابل تبادر أيضًا حركة المجتمع السلم إلى عرض مبادرة سياسية لم تتضح أبعادها بعد، لكنها تصب في رهانات وتحديات سياسية واقتصادية وإقليمية تعيشها الجزائر.

يشهد الدخول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الجزائر  لسنة 2023 ملفات ثقيلة

في النهاية، يشهد الدخول السياسي والاجتماعي والاقتصادي لسنة 2023 ملفات ثقيلة، ما يجعل الحكومة الجزائر تركّز على الجبهة الداخلية وتعزيز الأمن القومي ولعب دور إقليمي في الجهة الغربية والساحل الأفريقي، والعمل على تنويع الاقتصاد الوطني ومصادر الدخل القومي، حيث ويرى خبراء أن فرصة الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج مواتية نظرًا إلى استقرار أسعار النفط، إذ قط يتعين المراهنة على توظيف الكفاءة وتوضيح الرؤية الاقتصادية والبراغماتية في مجال الدبلوماسية والحوكمة الرشيدة.