28-أكتوبر-2022
جرائد معروضة أمام كشك بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

جرائد معروضة أمام كشك بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تطرح أسئلة كثيرة، حول الحريات الإعلامية في الجزائر، في كل مناسبة يحتفل في مهنيون في البلاد باليوم الوطني للصحافة الذي يتزامن مع اليوم الـ22 أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ سنة مفادها: هل تؤدي التعدّدية الإعلامية إلى حرية الإعلام؟، ليتأخّر في كل مرة بل يتقهقر إلى الوراء وتبرز عديد الأسئلة: ماهي هوامش الحريات الصحافية في الجزائر؟ وماهو سقف الحرّيات في الممارسة الصحافية في الجزائر؟ وهل الإصلاحات السياسية ومشاريع القوانين كفيلة بضمان حرية الإعلام؟ 

اعتبر مهنيون أن المؤسّسة الحكومية للنّشر والإشهار تحتكر توزيع الإشهار العمومي على الصحف حسب مستوى الولاء السلطة

في الميدان، ما يزال واقع الصحافة في الجزائر يعرف ضبابية، رغم الزخم الإعلامي من بوابة عدد المؤسّسات الإعلامية التي يعرفها الفضاء الإعلامي، خصوصًا تنامي أو بروز لافت لعدد من المؤسّسات الإعلامية الإلكترونية، على غرار وجود عدد من القنوات التلفزيونية الخاصة، غير أن هذا المؤشّر الكمي لا يعدو أن يكون واجهة شكلية بسحب العديد من المختصين في الإعلام أو بالأحرى لا يعبر عن حقيقة ممارسة المهنة التي حلم بها الصحافيون منذ التعددية السياسية والإعلامية.

في هذا المنحى، يقدّر مختصون من أساتذة الإعلام أن الإعلام الجزائري عرف عدة مراحل بعد التعددية في العام 1989، يمكن عدها في الآتي حسب أستاذ الإعلام بجامعة وهران غرب الجزائر عبد الكريم بن احمد إلى: مرحلة ما بعد انتفاضة الخامس تشرين الأول/أكتوبر 1988 وهي مرحلة الخروج من الأحادية الإعلامية إلى التعددية الإعلامية من بوابة الصحافة الخاصة، ثم مرحلة التعددية الإعلامية زمن الفترة الأمنية العصيبة، فمرحلة الانتشار الإعلامي الخاص من صحف ورقية إلى قنوات تلفزيونية، ثم مرحلة ما قبل الحراك الشعبي ومرحلة ما بعده.

ومن خلال هذه المراحل حسب محدّث " الترا جزائر" فإن لـ" كلّ مرحلة إيجابياتها وسلبياتها، رغم تفاوت في كفة الأخذ والعطاء أو ميزان المكاسب والخسائر".

وشرح قائلًا مرحلة ما بعد التعددية كانت "فترة ذهبية" كما يصفها مختلف الباحثون والإعلاميون وأساتذة الإعلام، موضحًا بالقول: "ما بعد الأحادية هو اكتشاف لنور حرية القلم وسط ترسبات أو ميراث الاتجاه الواحد في التناول الإعلامي وهو اتجاه ترتضيه السلطة".

أما بعد تلك الفترة فإن الجزائر عرفت عدة موازين للإعلام محوم بالظرف الأمني العصيب أو ما عرف بـ" العشرية السوداء" إذ كان الإعلام بتوجهاته وخط التحرير يواجه كل يوم العمليات الإرهابية وتكبد القطاع اغتيال عشرات الصحافين، لتدخل –حسبه- الجزائر عهدًا جديدًا مع اعتلاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة السلطة، لتبرز وقتها ثلاثة أوجه للصحافة ما بين خاصّة مناهضة للمنظومة السياسية بكل ما لها وعليها وصحافة خاصّة، ولكنها تغترف من أموال الإشهار العمومي وصحافة عمومية مازالت تضيء سياسيات الدولة.

عرفت الجزائر في العشرية الأخيرة غليانًا إعلاميًا شديدًا ببروز القنوات الخاصة والتي ولدت من رحم بعض المؤسّسات الإعلامية الصحفية، ثم ظهور قنوات لرجال أعمال، إلا أن جميعها كان يشغل حيزًا إعلاميًا تحت مسمّى "الإعلام المحلي بوثائق أجنبية"، وذلك بسبب القوانين التي لم تصدر بعد في تنظيم القطاع الذي انبثقت عن تجربته منذ 2012 أكثر من 42 قناة وأزيد من 176 موقعًا إلكترونيًا.

سقف المهنة

يتحدّث مهنيون عن طغيان الشكل على حساب الحرية والمسؤولية، وفي هذا الإطار لم تهدأ الصحافة عمومًا عن مواكبة تلك التغيرات متحملة أعباء التطور التقني أو العصر الرقمي وانحسار الورقي لفائدة الأوّل، ومصير عشرات المؤسّسات هو الغلق بسبب التمويل والتحول إلى الإعلام الرقمي وإحالة العشرات على البطالة.

في هذا الصدد يقول الرئيس المدير التنفيذي لشبكة "أخبار الوطن"، منسق عام نقابة ناشري الإعلام العام لصحيفة "أخبار الوطن" رياض هويلي لـ"الترا جزائر" أن الإعلام الجزائري يواجه ثلاثة تحديات أولها فوضى التشريع، أي نحن أمام ترسانة قانونية لم تطبق إطلاقًا، مما فتح الباب للقوى غير المهنية من ولوج المهنية النبيلة والعبث فيها.

أما الثاني فيتعلق حسب هويلي بغياب الشفافية في التمويل والتسيير، في ظلّ احتكار الحكومة لسوق الاشهار الذي تحول من عملية تجارية الى آداة سياسية للتحكم في افتتاحيات المؤسّسات الإعلامية، بينما التحدي الثالث فهو متعلق بتكوين الصحافيين في حدّ ذاتهم.

يحكم الإعلام في الجزائر مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي إذ يوصف بأنه "غير مهني"، إذ تداخلت بعض المهمات أو القضايا بين السياسة والأييديولوجيا على حساب الخدمة العمومية وحق المواطن في إعلام حرّ ونزيه.  

بالعودة إلى المنظومة الإعلامية، وجب لفت الانتباه إلى تعهد الرئيس عبد المجيد تبون فور انتخابه رئيسًا للجمهورية في أول خطاب تسليم السلطة في نهاية 2019 بقوله: "أعدكم أن تكون الحرية في الصحافة دون حدود".

هذه العبارة، لم تكن لها أدلة في أرض الواقع خصوصًا أثناء استمرار مسيرات الحراك الشعبي، ومطالب بمزيد من الحرّيات، غير أن الحكومة وقتها تعمل على وتيرة سن القوانين والتشريعات، من أجل تنظيم القطاع الذي أصابته الهشاشة بسبب تحولات مسته بسبب التحولات التي عرفتها الجزائر خلال الثلاث سنوات الأخيرة.

هل تغيرت التشريعات؟

وضعت الحكومة مسودة تمهيدية لقانون جديد يخص الصحافة المكتوبة والمواقع الإلكترونية، "بهدف تبسيط الإجراءات الإدارية عند إنشاء النشريات الدورية أو الصحف الإلكترونية"،وكذا "الاستجابة لتطلعات مهنيي قطاع الإعلام والتكفل بانشغالاتهم واقتراحاتهم المنبثقة عن المشاورات التي أجريت معهم".

ولكن بالنسبة لقانون الإعلام فطالب الرئيس تبون الحكومة بـ"إدخال تعديلات جديدة على القانون، تخص "استحداث مجلس أعلى لأخلاقيات مهنة الصحافة يتولى البت في القضايا ذات الطابع المهني في كل التخصّصات الإعلامية"، إضافة إلى تحديد، دور المجلس الأعلى للصحافة من حيث ضبط المفاهيم في تحديد الفئات المهنية لقطاع الإعلام وكذا التفريق بين الإخلال بالأخلاقيات المهنية وما هو جزائي"، و "ضرورة مراعاة حمل الجنسية الجزائرية والتجربة المهنية عند استحداث مؤسسات خدمات السمعي البصري".

وعلاوة على ذلك طالب الرئيس أيضًا الحكومة بإجراء مراجعة تخص "ضرورة مراعاة حمل الجنسية الجزائرية والتجربة المهنية عند استحداث مؤسّسات خدمات السمعي البصري"، واتخاذ تدابير "توطين القنوات التلفزيونية ذات المضمون الجزائري قبل نهاية السنة الجارية، بالتنسيق مع مؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني"، بحيث تصبح هذه القنوات جزائرية مسجّلة في الجزائر كقنوات جزائرية وخاضعة بالكامل للقانون الجزائري وتبث من الجزائر.

إنقاذ المهنة

لكن، علاوة على التشريعات فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمؤسسات الصحافية في الجزائر بات صعبًا للغاية، وهو ما يطرح الكثير من الأعباء على المهنة من جهة وعلى السلطة التي وجب عليها أن تعيد قراءة المشهد الإعلامي خاصّة وإن عشرات الصحافيين أحيلوا على البطالة بعد غلق عديد المؤسسات أو لا يتلقون أجورهم لأشهر.

بالحديث عن المهنة، تتداخل بعض المحدّدات، بين سقف الحريات وممارسة المهنة وأخلاقياتها وتمويل المؤسسات، إذ يعتبر الإشهار حجر الزاوية، حيث تشكو بعض المؤسسات الإعلامية من إجحاف في توزيع الإشهار العمومي، وعليه، وجهت نقابة ناشري الإعلام، "نداء للرئيس تبون، من أجل التدخّل العاجل لإنقاذ مؤسّسات إعلامية من الإفلاس، ودعا بيان النقابة الحكومة على الشروع دون مماطلة في تنظيم القطاع بالتشاور مع الفاعلين المهنيين، من أجل بناء منظومة إعلامية قوية على أسس سليمة. ووفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الحاصلة في مجال الإعلام محليًا ودوليًا، تشريعيًا واقتصاديًا".

واعتبرت النقابة في بيانها دائمًا أن "عشرات المؤسسات الاعلامية وصلت إلى حافة الإفلاس، في ظلّ التوزيع غير العادل للإشهار المؤسساتي العمومي، خارج كل المعايير المهنية والتجارية المتعارف عليها".

وفي هذا المضمار اعتبر مهنيون أن المؤسّسة الحكومية للنّشر والإشهار تحتكر توزيع الإشهار العمومي على الصحف حسب مستوى الولاء السلطة التي تستخدم الإشهار الضغط على الصحف وسائل الاعلام.

ما يعيشه المهنيون وما يشهده الإعلام الجزائري، وصفه  وزير الاتصال محمد بوسليماني في جلسة استجواب في البرلمان أن توزيع الإشهار "لا يتم وفق ما يعرف بمحاصصة مخصّصة لكل يومية، وإنما يستجيب لنظام اقتصادي يقوم على التوزيع اليومي وعلى وفرة المادة، مشيرًا الى أن المؤسسة الوطنية للإشهار تحرص على احترام المعايير الاقتصادية المحضة في عملية منح الإشهار لمختلف الصحف، وفق معايير تشمل الأسعار المطبقة وطلبات الزبائن وكذا وفرة المادة الإشهارية ".

غير أن الوزير عرج أيضًا إلى أهمية تحسين العمل الصحافي من خلال التنسيق بين الوزارة والتعليم العالي والمؤسّسات في حدّ ذاتها، لافتا أيضا إلى أن الإعلام وجب أن المجتمع الإعلامي أن يعيد تنظيم نفسه.

تعهدات

الوضع القائم فرض على الحكومة ونواب البرلمان أن تقدم بمناسبة عرض بيان السياسة العامة على النواب الشهر الحالي، تعهدات سياسية لتحسين وضع الصحافة وتطوير القطاع وحلّ المشكّلات الاجتماعية والاقتصادية للصحافيين.

وفي الخطاب الرسمي، تعتزم الحكومة إجراء مراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بقطاع بمهنة الصحافة، بهدف "انسجامها مع بنود الدستور وتكريس صحافة حرة ومستقلة تحترم قواعد المهنة وأخلاقياتهاوأدبياتها، بما يجعلها وسيلة للممارسة الديمقراطية ومحمية ضد كل أشكال الانحراف".

لكن يبدو أن الفوضى التي يعرفها الإعلام الجزائري، لا يمكن تجاوزها بقوانين وتشريعات، خاصّة أمام مناقضة قوانين حماية الصحافيين وحبسهم على خلفية كتابتهم للمقالات، تعيد مجددا السؤال هل يمكن للقانون أن يحمي حرية الإعلام في الجزائر، إذ اعتبر الإعلامي مروان الوناس بأن عيد الصحافة لا يمكن أن يمرّ والصحافيون مازالوا يسجنون، وهو ما يتعارض حسبه إفادته مع الحريات والممارسة المهنية، بل ونشهد اليوم تراجع رهيب في محدّدات المهنة.

يبدو أن الفوضى التي يعرفها الإعلام الجزائري، لا يمكن تجاوزها بقوانين وتشريعات

 يتمثل واقع الصحافة اليوم في مشهد أبرز أبطاله هم الصحافيون الذين ينتظرون الإفراج عن القوانين، وتقدّم الحكومة من جهتها  وعودًا وبيانات، ولكن عمليًا لا شيء يتغير لإنقاذ ما تم بناؤه منذ بداية فترة ما بعد التعددية الإعلامية إلى يومنا هذا.