25-فبراير-2024
(الصورة: فيسبوك) الأحزاب السياسية في الجزائر تتخوف من تنامي الاهتمام بالمجتمع المدني

(الصورة: فيسبوك) الأحزاب السياسية في الجزائر تتخوف من تنامي الاهتمام بالمجتمع المدني

كان يفترض أن تشهد سنة الانتخابات الرئاسية في الجزائر تحركات حزبية حثيثة استعدادًا لتقديم مرشحين للرئاسيات، حيث دأبت التقاليد السياسية على صناعة جوٍ من المنافسة، انطلاقًا من تقديم برامج ومنافسين محتملين لأكبر موعد انتخابي في البلاد، ورغم أنه لم يتبق إلا عدة أشهر معدودات على موع الانتخابات الرئاسية، إلا أن ما شهدناه حتى الآن، هو تصريحات عمومية لقادة أحزاب لم يفصلوا في ترشّحهم للانتخابات.

عبّرت حركة مجتمع السلم عن رفضها لبعض الممارسات التي تحاول السلطة تكريسها مع اقتراب الانتخابات بتشجيع منظمات المجتمع المدني التي تتكلم باسم الدولة

ومع استمرار العدّ التنازلي لتنظيم الاستحقاقات الرئاسية قبل نهاية السنة الجارية، تتخوّف بعض الأحزاب السياسية في الجزائر من تراجع عملها في الميدان وانحسار  فعاليتها تحسبًا للانتخابات، وذلك بسبب المساندة التي تقدّمها السلطة لمنظمات المجتمع المدني، في مقابل استمرار الغلق السياسي.

طرح قادة بعض الأحزاب مؤخّرًا مسألة استبدالها بمكوّنات المرصد الوطني للمجتمع المدني وإشراك الأخير في القضايا السياسية والاجتماعية، فلماذا برز المرصد في مسائل الشأن العام في البلاد، في مقابل تململ الأحزاب بسبب تضييق الخِناق على الممارسة السياسية في الميدان؟

هذا السؤال هو نتاج الظواهر السلبية التي برزت للسطح منذ الحراك الشعبي 2019، إذ توقّف مهتمون بالشأن السياسي عند تضاؤل ثقة المواطن في المكونات والأحزاب السياسية بمختلف مشاربها وتوجهاتها، نظرا لـ"علاقتها مع السلطة قبل الحراك"، والتي أثرت على مصداقيتها أمام الرأي العام من جهة، وعلى قدرتها عل التجنيد والتعبئة في أي موعد سياسي، من جهة أخرى، وهو ما يؤشر عليه انحسار المشاركة الانتخابية وتراجعها، فضلًا عن العزوف الانتخابي في الاستحقاقات التي أعقبت هيجان الشارع خلال ما يقارب الأربع أعوام الأخيرة.

على ضوء ما سبق، فإن عودة المجتمع المدني للسّاحة، له ما يبرّره، خاصة ما تعلّق بتغير سلوك النخب السياسية التي بدت تتبنى المهادنة ومسايرة الخطاب السياسي الرسمي تارة، وتتفادى انتقاده ومعارضته تارة أخرى.

 تغيير الأدوار

وفي غياب المنافسة السياسية وتراجع كبير لنشر الثّقافة الديمقراطية، تحدّث رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، عن "خطر" انهيار الوساطة بين الطبقة السياسية والسلطة مع الشعب، وهذا بتقوية المجتمع المدني والتضييق على الأحزاب السياسية.

وقال في تصريحات صحفية، إن السلطة تحاول "استبدال" الأحزاب السياسية بالمجتمع المدني، إذ بات الأخير يشارك في العديد من القضايا ومنها السياسية التي هي أصلًا ليست من وظيفته ولا دوره، على عكس الأحزاب السياسية التي لم تعد تشارك في النقاشات الجادة التي تهم الشأن السياسي العام في البلاد، بل و"تم تقييد عملها".

في السياق، عبّرت حركة مجتمع السلم عن رفضها لبعض الممارسات التي تحاول السلطة تكريسها مع اقتراب الانتخابات بتشجيع منظمات المجتمع المدني التي تتكلم باسم الدولة، وهو ما يفرز حسب بيان الحركة ما وصفته بـ" الممارسات التي ستفرز فقاعات من الزبونية والسلوكيات الطفيلية والانتهازية التي تضرّ بالعملية السياسية والمنفّرة من الانتخابات".

وضمن أطر تأسيس منظمات المجتمع المدني بهدف خدمة فئات معينة، أشار المصدر إلى أن من خصائص المجتمع المدني أن يكون متعاونا مع محيطه الرسمي وغير الرسمي ولكن ضمن وظيفته المجتمعية التشاركية وليس الوظيفة السياسية التمثيلية.

ومن خلال هذا المنحى، فإن فرضية الذهاب نحو استبدال الأحزاب السياسية بالمجتمع المدني قائمة، خاصّة وأن الأخير أصبح أحد أطراف مساندة للسلطة وتوجهاتها دون فتح النقاش حولها، هو ما يستهدف -بحسب الفاعلين السياسيين- تمييع الحياة السياسية وإضعاف الأحزاب ودورها في الساحة.

وجهان مختلفان

اللافت أن المجتمع المدني يكتسي أهمية كبرى في المنظومة السياسية الديمقراطية، إذ أخذ مساحة واضحة من اهتمامات المعنيين بالحقل السياسي لدوره الجلي في الدولة.

ونبّه الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد الكريم والي من جامعة الجزائر إلى أن "المجتمع المدني في الجزائر بات اليوم حاضرًا في الخطاب السياسي أولًا، وجزءًا لا يتجزأ من النقاشات الدائرة حول الديمقراطية في الجزائر، وأحد أسس البناء، ثانيًا".

انطلاقًا من ذلك، فإن المجتمع المدني ظل "مفهومًا زئبقيًا" بحسب الأستاذ والي، لارتباطه بالبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، غير أن الدولة تلعب دورًا مهمًا في تشكيل منظماته المستقلة عن الحكومة، إذ هو "مجموعة التفاعلات والمنظمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تربط الأفراد بالدولة وتعمل في مجالاتها المختلفة، ومن أغراضها الإسهام في المجال الثقافي والاجتماعي وتحقيق التنمية.

لكن من خصائص مؤسّسات المجتمع المدني؛ الاستقلالية عن الدولة من الناحية التنظيمية والتمويل، والتطوع وعدم السعي للوصول إلى السلطة، رغم أن من أدواره نشر الوعي والثقافة السياسية. ومن مكوناته النقابات المهنية والعمالية والحركات الاجتماعية والجمعيات التعاونية ونوادي هيئات التدريس بالجامعات والحركات الطلابية والنوادي الرياضية والمنظمات غير الحكومية التنموية.

كما يوفر الأطر المنظمة لمشاركة المواطنين في رسم السياسة العامة وفي إدارة شؤونهم والتأثير في القرارات وتحقيق المصالح وحتى مناهضة السياسات الحكومية غير المنسجمة مع المصالح العامة.

خطابات متعددة

 نظريًا، يسعى المجتمع المدني والأحزاب السياسية، إلى التأثير على القرار السياسي والتعبئة وتوعية المجتمع من أجل نصرة القضايا العامة التي تهمّ الأفراد، كما يهتمان بـ"الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان ويحاربان تغول المال الفاسد".

أما واقعيًا، فإن ما نلاحظه وجود مرصد وطني للمجتمع المدني في الجزائر مسنودًا من الدولة، إذ يقتصر دوره على أن يكون في موقع الوسيط بين المجتمع والسلطة، على خلاف الأحزاب السياسية التي يتعدى طموحها إلى السلطة، ومن أغراضها التعبئة الشعبية والتنافس السياسي، في حين المجتمع المدني تنتهي مهمته في التعبئة لأجل قضية محددة ثم المرور إلى قضية أخرى. 

يفترض مهتمون بالشأن العام في الجزائر، علاقة تكاملية بين المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وفي هذا الصدد أفادت الباحثة في العلوم السياسية حياة عمور بأن المكونات السياسية تستمد قوتها من منظمات المجتمع المدني والعكس صحيح.

وأشارت في تصريح لـ "الترا جزائر"، بأن العمل الثنائي بينهما يستهدف الإصلاح السياسي والديمقراطي، ولا يمكن الاهتمام بأحدهما وإلغاء الآخر.

ولكن في الميدان يختلف الخطاب السياسي عن خطاب المجتمع المدني وذلك بسبب البناء الهيكلي والتنظيمي للحزب السياسي، فمحور خطابه هو المجال السياسي، بينما محور خطاب المجتمع المدني هو المجتمع بمكوناته المتعددة.

لكن الواقع أن تجربة الجزائر مع مكونات المجتمع المدني تبقى شكلية، بحسب إفادة المختص في العلوم السياسية والإعلامي، محمود بلحيمر، إذ تعتبر "قاعدة اجتماعية تبرّر بها السلطة شرعيتها وتساعدها في عملية الضبط وتأطير الفئات الاجتماعية الواسعة التي تمثلها بما يضمن تحقيق حد من الاستقرار الاجتماعي".

وبذلك، يضيف بلحيمر، أن منظمات المجتمع المدني في الجزائر تعتبر وسيط بين السلطة وعدة فئات في المجتمع، إلا أنها لم تتمكن من فك الارتباط مع السلطة بل وأظهر تبعيته الكاملة لها ويتمتع بالدعم منها.

يشير كثيرون في تصريحات متفرقة لـ"الترا جزائر" إلى أن بعض المنظمات أسهمت في خلق دور المحاور الاجتماعي للمؤسسات الحكومية ومعالجة كثير من القضايا

وبعيدًا عن هذه الصورة السلبية، يشير كثيرون في تصريحات متفرقة لـ"الترا جزائر" إلى أن بعض المنظمات أسهمت في خلق دور المحاور الاجتماعي للمؤسسات الحكومية ومعالجة كثير من القضايا واحتواء غضب الفئات الشغيلة في أكبر القطاعات، وهو دور تراه الأحزاب السياسية، يرمي إلى تكريس نظام المحاصصة في السلطة وتضخيم نتائج الانتخابات، وتشكيل حزام سياسي داعم للسلطة، يكون بديلًا عن الأحزاب.