10-أغسطس-2023
مامي

الشاب مامي يعتلي ركح مهرجان تيمقاد الدولي في 2014 (الصورة: فيسبوك)

رغم عودة الحياة إلى الساحة الفنية بالجزائر منذ سنتين بعد الشلل الذي أصابها بسبب جائحة كورونا، إلاّ أنّ ثلة من المهرجانات البارزة لم تخرج من غرفة الإنعاش وفقدت بريقها الذي تلاشى بفعل عدّة عوامل.

بن طوبال: المحسوبية وغياب الضمير المهني أحيانًا مع طغيان الأنانية وسياسة الكيل بمكيالين أدى إلى عزوف الفنانين الجزائريين عن مهرجاناتنا

"الترا جزائر" يحاول في هذا التقرير استعراض أهمّ المهرجانات الفنّية التي تراجعت قيمتها وشهرتها في السنوات الأخيرة بالجزائر، واستطلاع آراء مختصين وفاعلين في المجال لرصد وبحث أسباب ذلك.

"تيمقاد" و"جميلة".. من "الدولي" إلى "المحلية"

اشتهرت الجزائر في السنوات الأخيرة بمهرجانين فنّيين كبيرين هما مهرجان "تيقماد" الدولي ومهرجان "جميلة"، لكن المهرجانين لم يعد لديهما ذبك الصيت "الدولي" و"الطابع العربي" الذي كان يميزهما قبل نحو 4 سنوات، باعتبار توقفهما لفترة بسبب وباء كورونا وحدوث تغييرات على مستوى هرم محافظتيهما.

بالنسبة لمهرجان "تيمقاد" الذي تأسس عام 1967 وتحتضنه المدينة الأثرية "تيمقاد" باتنة، في صيف كل سنة، توقف في زمن كورونا، وعاد في طبعته الـ42 العام الماضي، لكن تم تداول أخبار عن إلغاء طبعة 2023 والأسباب تبقى مجهولة.

"تيمقاد" الدولي كان يستقطب ألمع نجوم الغناء العربي والدولي، ليتحول في السنوات الأخيرة إلى مهرجان "محلي" بعد تقليص ميزانيته وحصر المشاركة على الأسماء الفنية الجزائرية فقط.

وبخصوص مهرجان "جميلة" الذي تحتضنه سطيف، نظمت طبعته الأخيرة الـ15 في شهر أوت/أغسطس/آب 2019، ثم توقف خلال "وباء كورونا" ليعود في 2022 في طبعته الـ16، لكن ألغي بسبب الحرائق التي شهدتها عدّة ولايات جزائرية، كما ألغيت دورة 2023 تضامنا مع ضحايا الحرائق التي عرفتها الجزائر مؤخرا، وأدّت إلى وفاة نحو 35 شخصا.

وقبل سنوات غنّى على مسرح "كويكول" الأثرية بجميلة فنانون معروفون أمثال الشاب خالد، الشاب مامي، كاظم السهر، عاصي الحلاني، نجوى كرم، صابر الرباعي.. وغيرهم.

مهرجان الراي.. بلا نجوم

مهرجان الراي في 2023 مرّ كلا حدث، بالرغم من تزامنه مع الطبعة الخامسة عشر للألعاب العربية التي احتضنها الجزائر من 5 إلى 15 تموز/جويلية  المنصرم، بحيث اكتفت إدارة المهرجان على دعوة أصوات محلية أثثت ليالي التظاهرة في غياب فنانين كبار أمثال الشاب خالد ملك الراي وأمير الراي الشاب مامي وأمير الأغنية العاطفية الشاب نصرو، وهواري الدوفان... وآخرين.

بالمقابل صنعت طبعة 2022 بوهران الاستثناء نسبيًا لتزامنها مع ألعاب البحر الأبيض المتوسط وتنظيمها بعد 15 عامًا من الغياب عن المدينة التي أنجبت حسني وخالد ومامي.

وعمومًا لا يصنع مهرجان "الراي" ذلك الزخم الإعلامي والنجاح الذين كانا يطبعان دوراته السابقة قبل قرار تحويله إلى مدينة سيدي بلعباس، التي يقول مختصون أنّها مهد هذا اللون الم الموسيقي.

وهران للفيلم العربي.. مؤجل

السينما وصنّاعها والجمهور العاشق للفن السابع في الجزائر، فقدوا "فرصة" مشاهدة الأفلام والحوار مع أبطالها وصنّاعها منذ 2018، بتوقف إثنان من أهمّ مهرجانات البلاد وهما مهرجان وهران للفيلم العربي ومهرجان عنّابة للفيلم المتوسطي، بينما حفظ مهرجان الجزائر الدولي للسينما وجه الفن السابع رغم توقفه خلال جائحة كورونا.

الدورة الـ11 لمهرجان وهران للفيلم العربية جرت في 2018، ترأس محافظتها إبراهيم صديقي، وكانت آخر طبعة لهذه الفعالية الوحيدة المخصصة للسينما العربية، والتي كانت مقصد مخرجين ومنتجين وممثلين من مختلف الدول العربية، ناهيك عن عرض أفلام متنوعة، وبرمجة ورشات ولقاءات فكرية وثقافية حول السينما.

مؤخرًا تمّ تعيين الممثل التلفزيوني والمسرحي عبد القادر جريو محافظًا جديدًا لمهرجان وهران للفيلم العربي، غير أنّ الجديد بخصوص الطبعة القادمة التي كان يفترض أن تجري في خريف السنة الجارية، تقرر تأجيلها إلى 2024، قصد منح الوقت الكافي للمحافظة للتحضير بشكل أفضل لطبعة العودة، وتسوية الوضعية المالية بسبب الديون المتراكمة خلال الدورة الأخيرة، بحسب وزارة الثقافة.

عنابة للفيلم المتوسطي.. عودة بعد عمر قصير

يرتقب أن يكون عشاق السينما والفاعلون في القطاع شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل على موعد مهرجان عنابة للسينما المتوسطية، في دورته الرابعة المقبلة وبرؤية جديدة سطرتها المحافظة التي يرأسها الصحفي والناقد الفني محمد علال، إلى جانب المدير الفني الممثل السينمائي حسان كشاش.

 مهرجان عنابة المتوسطي، الذي رسّمته وزارة الثقافة بتاريخ 9 حزيران/جوان 2015، احتفل بثلاث دورات فقط، آخرها عام 2018، ترأس محافظته لثلاث سنوات المخرج سعيد ولد خليفة، والذي كانت إقالته في 2019، إلى جانب إنهاء مهام محافظين من على رأس المهرجانات آخرين على غرار إبراهيم صديقي المحافظ السابق لمهرجان للفيلم العربي.

حدرباش: لا توجد خارطة تسيير للمهرجانات

وحول أسباب تقهقر مستوى المهرجانات في الجزائر وتوقف بعضها، يرى المغني والعازف إبراهيم حدرباش في حديث مع "التراجزائر" أنّه "لحد الآن لم تظهر نوايا أو برنامج مسطر أو منهج أو خارطة أو طريقة تسيير من قبل الجهة الوصية للثقافة غير مبادرة قانون الفنان التي تنتظر الضوء."

وقال حدرباش: "والواقع إن شاء الله غير ذلك، أنا عن نفسي لا أرى أي برمجة للفنان سوى بعض النشاطات الصفية التي تظهر على أنها مجرد تسجيل للحضور لملء التقارير المالية والأدبية.."

وأضاف المغني حدرباش: "باختصار لا أرى في المهرجانات الجزائرية ذلك الاهتمام في الجزئيات، غير تسجيل الحضور وهذا وإن وجد العدد الذي ينصف الجزائر كمساحة وعدد سكان وتنوع ثقافي أكثر من جارتها وأشقائها.

ووفق المتحدث "لهذا نجد هروب بعض الفنانين إن لم اقل أكثرهم لأن المناخ الثقافي لديهم قام بإرادة سياسية واضحة المعالم اعتقاداً منهم أنّ عجلة الثقافة والتي من مظاهرها المهرجانات الفنية والسينمائية من شأنها أن تجعل أي شارع يعج بالحركة والحياة لجميع القطاعات."

وأشار في ختام تصريحه إلى أنّ "قطاع الثقافة لدينا لم يتعافى بعد رغم كل النوايا التي ننتظرها من شخص الوزيرة."

مهرجانات بل روح ولا هيكل

من جهته، خالد بن طوبال المهتم بالشأن الفني الجزائري، والمشرف على مجموعة "السينما الجزائرية" على فايسبوك، يعتقد أنّ من أهمّ أسباب فقدان المهرجانات الجزائرية لبريقها هو غياب الإرادة السياسية وكذلك الارتجال وانعدام رؤية واضحة حالا دون تطويرها."

وأوضح بن طوبال في السياق أنّ "الجزائر تعاني دائما من غياب الرجل المناسب في المكان المناسب، فتأتي المهرجانات باردة وشاحبة بلا هيكل ولا روح، وما زاد الطين بلّة -حسبه- سياسة التقشف التي عصفت بأهم "مهرجان دولي وهو وهران للفيلم العربي الذي بدأ عملاقا ليفقد بريقه تدريجيا."

وأشار بن طوبال إلى أنّ "الاختيار العشوائي للمسيرين وإبعاد أهل الاختصاص، وسياسة الكيل بمكيالين جعل من مهرجاناتنا في ذيل الترتيب مقارنة بدول الجوار، كما أنّ الترشيد غير السليم لميزانية المهرجانات أوقع تلك التظاهرات في ورطة حقيقية بدليل الديون الكثيرة التي قدرت بـ350 ألف دولار والمترتبة عن الطبعة الأخيرة لمهرجان وهران للفيلم العربي."

ولفت المتحدث إلى أنّه على الصعيد التقني والفني هناك انعدام لسوق عرض الأفلام وغياب الموزعين كما هو معمول به في الدول الأخرى وهذا راجع لانعدام الثقة بين هؤلاء والمسيرين، وبالتالي الجزائر -حسبه- مازالت تعتمد على تقاليد بالية أكل عليها الدهر وشرب."

وأوضح أنّ "مهرجانات اليوم تحتاج إلى ورشات تكوينية وتأطيرية وماستر كلاس.. وهو ما أكدّه العديد من المخرجين الجزائريين ومنهم المخرجة الجزائرية صوفيا جاما."

وبخصوص المهرجانات الغنائية، أرجع بن طوبال أسباب تقهقرها إلى "تحويلها إلى الطابع المحلي بعد سياسة ترشيد النفقات التي استمرت حتى بعد انتعاش الاقتصاد الجزائري نسبيا ."

وذكر المتحدث أنّ "مهرجاني تيمقاد وجميلة مثلًا غابا وفقدا الطابع الدولي، وتم تقليص مدتهما مما تسبب في تدهورهما، فضلا على أنّ طريقة إدارة هذه المهرجانات ماديًا التي أسالت الكثير من الحبر."

ووفقه "المهرجانات الجزائرية تفتقر إلى محافظ متمكن والذي يجب أن يكون من أبناء القطاع ومن أهل الاختصاص."

ومن جهة أخرى، يرى المتحدث أنّ "المحسوبية وغياب الضمير المهني أحيانًا مع طغيان الأنانية وسياسة الكيل بمكيالين أدى إلى عزوف الفنانين الجزائريين عن مهرجاناتنا، بحيث فضّل العديد منهم المشاركة في مهرجانات دول الجوار."

ولفت في السياق إلى أنّ "مهرجان بوقرنين التونسي أصبح قبلة للعديد من الأصوات الجزائرية، وأصبح ينافس مهرجان تيمقاد الدولي."

ومقابل التراجع المخيف الذي سجلته هذه المهرجانات التي كانت قبلة للمبدعين والفنانين سواء جزائريين أو عرب أو أجانب، شهدت الساحة الفنية والثقافية منذ 2022 تنظيم عدد من الفعاليات والتظاهرات وأبرزها المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية الذي بقي ثابتا ومحافظا على موعده وجمهوره ومحافظته وعلى قيمته الفنية وكذلك مهرجان الجزائر الدولي للسينما (أيام الفيلم الملتزم)، الذي أعاد الحياة للسينما في الجزائر على مدار 11 طبعة شهدت عرض عشرات الأفلام وحضور مخرجين من كل البلدان... إلخ.

وتحصي وزارة الثقافة والفنون 176 مهرجانًا منها 33 مهرجانًا وطنيًا و29 مهرجانًا دوليًا و114 مهرجان محلي، وتعنى هذه المهرجانات بمجالات مختلفة من بينها المسرح، السينما، الفنون التشكيلية، الموسيقى، الأدب.