07-أغسطس-2023
الحميز

أحد محلات الجملة بالحميز شرق العاصمة (الصورة: Getty)

رغم الجهود التي تبذلها السلطات الجزائرية لضمان استقرار أسعار المواد والمنتجات واسعة الاستهلاك في السوق، إلّا أن هذه الأخيرة ما فتئت ترتفع يومًا بعد الآخر، لاسيما السلع الموسمية التي يكثر عليها الطلب في أوقات معينة من السنة.

الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف لـ "الترا جزائر": كثرة الوسطاء ألهبت الأسعار وأخلّت بشبكة التوزيع في ظل غياب نصّ تشريعي يسقّف هامش الربح

وشهد سعر زيت المائدة مضاربة كبرى مطلع السنة الجارية، أدى إلى فتح تحقيقات معمّقة حول مخزون الزيت، لتعاود الأسعار الاستقرار بعد نزول أعوان الرقابة وقمع الغش إلى أسواق الجملة والتجزئة وتحرير محاضر قضائية ضدّ متورطين في تخزين كميات كبرى من هذه المادة لرفع سعرها.

وتمت مُقاضاة عدد كبير منهم وتطبيق قانون المضاربة ضدهم ليصطدموا بأحكام قاسية تتجاوز في بعض الأحيان 10 سنوات سجنًا.

كما شهدت رؤوس الغنم هي الأخرى مضاربة شديدة، عشية عيد الأضحى، حرمت آلاف العائلات من كبش العيد هذه السنة، لتلتهب في أعقاب ذلك وتزامنًا مع موجة الحر الكبرى التي عاشتها الجزائر شهر تموز/جويلية المنصرم والتي بلغت بالعاصمة لأول مرة 51 درجة، أسعار المكيفات الهوائية، وترتفع بما يتراوح بين 20 ألف دينار (132 دولار) و60 ألف دينار  (396 دولار)، حسب قدرة المكيف وسعته.

كما ارتفعت أسعار المياه المعدنية بشكل غير مسبوق، رغم تأكيد 70 منتجًا في الجزائر عدم تغيير أسعار المصنع، في حين التهبت بورصة البقوليات.

واتهم وزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، صراحة، وسطاءً بإلهاب الأسعار خلال ندوة صحفية عقدها بتاريخ 2 آب/أوت الجاري، وقال إن مؤامرة تُحاك ضدّ الاقتصاد الوطني، والمواطن الجزائري من طرف هذه الشبكات. 

 أسباب الارتفاع

ويرجع الخبير في مجال الحوكمة الاقتصادية، عبد الرحمن هادف، أسباب ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الأساسية في السوق الجزائرية إلى ما وصفه بـ"اختلال نشاط شبكات التوزيع، التي لم تعُد مواكبة للنمو والطلب المتزايد للسلع في السوق"، فهذه الأخيرة تتأثر، حسبه، بالتذبذبات الناجمة عن العادات الاستهلاكية التي تظهر كل موسم، أي زيادة غير منتظرة في استهلاك مادة معينة يؤدي لندرتها.

مُحدث "الترا جزائر" يؤكد أن طرفًا ثالثًا خفيًا بين التاجر والمستهلك، يستغل هذه الفترة لتحقيق أرباح إضافية على حساب المواطن البسيط، وعادةً ما يكون هذا الطرف هو وسيط يسعى لرفع هامش الربح إلى أقصى درجة مستغلًا الفراغ القانوني، حيث تغيب أي مادة في التشريع الجزائري تُحدّد الأسعار أو تسقّف هامش الربح، ما عدا السلع الخمس المدعمة من طرف الحكومة وهي الحليب والقمح بكافة انواعه والزيت والسكر والخبز.

ومن بين الأسباب أيضًا التي تقف وراء التهاب الأسعار كثرة الوسطاء في السوق، أي أن يكون الطرف الثالث عدّة أشخاص وليس شخصًا واحدًا، حيث يفترض أن تمر السلع من المستورد أو المنتج إلى تاجر الجملة ثم تاجر التجزئة فتصل إلى المستهلك، إلّا أن كثرة الوسطاء في هذه الحلقة يؤدي إلى رفع السعر ويحصل بالمقابل كل شخص ضمن هذه السلسلة على هامش ربحه، فيصل المنتوج إلى المستهلك النهائي وسعره قد تضاعف أحيانا عدة مرات.

ومن  أجل وضع حدّ للوسطاء الجشعين، خاصة منهم الموسميين، فقد بات من الضروري _ يقول هادف _ إعادة النظر في حلقات الشبكات، خاصة على مستوى أسواق الجملة والاقتداء بنماذج الدول الكبرى في هذا المجال، حيث تلعب الحكومة هناك دور الوسيط الرسمي بين المنتجين والمصنعين والمستوردين وكذا تجار الجملة والتجزئة ما سيفضي إلى ضبط السوق.

وهنا دعا الخبير الاقتصادي هادف إلى "استحداث مركزيات تجارية، يمكن انشاؤها بالشراكة بين القطاع العام والخاص، لضمان تموين السوق بصفة منتظمة واحترافية وتنافسية بالسلع الأساسية، وغلق الأبواب في وجه الوسطاء، معتبرا أن غياب هذه المركزيات أحد أسباب ارتفاع الأسعار."

من هو الطرف الثالث؟

وأعلن وزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، خلال ندوة صحفية عقدها بتاريخ 2 آب/أوت الجاري عن إجراءات صارمة لمحاربة أولئك الذين يتلاعبون بالأسعار ويخلقون الندرة في السوق، عبر تطبيق قانون المضاربة ضدّهم دون رحمة.

وفي السياق، يثمن رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، الخطوة التي أقدمت عليها وزارة التجارة مؤخرًا بإعلان الحرب على من وصفهم بالتجار الموسميين والوسطاء المضاربين بالسلع، مشيرًا إلى أن "هذا المخطط، خطوة هامة من الحكومة للحفاظ على استقرار الأسعار ومحاربة ارتفاعها، سواء المنتجات الغذائية على غرار البقوليات، أو في المجال الصناعي مثل المكيفات الهوائية."

وفي هذا الإطار، تلقت المنظمة، يقول زبدي لـ"الترا جزائر" شكاوي بأعداد هائلة، مضيفًا: "حاولنا رفع أعلى قدر من هذه الشكاوى إلى السلطات المعنية".

وحسب المتحدث فإنّ "المتهم في اختلال السوق هم التجار الرسميين المضاربين وأيضًا الوسطاء"، قائلا أنّ "الوسيط هو شخص ثالث يتدخل في سلسلة التوزيع دون أي فائدة ترجى منه لتنظيم السوق أو ضمان استقرار الأسعار."

ويغيب الوسطاء، حسبه، عن شبعة الدواجن التي ينتقل فيها المنتوج من مربي الدواجن إلى أصحاب المذابح، في حين يكثر الوسطاء في قطاعات أخرى، كالمكيفات الهوائية التي تنتقل من المصنع إلى الوسطاء ثم تجار الجملة والتجزئة.

وبالعودة إلى تعريف الوسيط، يقول زبدي أنهم "أشخاص يستغلون المناسبات التي يتضاعف فيها الطلب لاحتكار منتوج معين وبيعه بأسعار مرتفعة."

ومعروف عن هؤلاء، وفقه، تمتعهم بشبكة علاقات قويّة مع المنتجين أو المصنعين وحتى الفلاحين كما يمتلكون نفوذًا كبيرًا في السوق.

ومن حيث الرقابة يصعب التحكم في الوسطاء، خاصة وأنّ أغلبهم لا يملكون سجلات تجارية، وإن وجدت تكون مخالفة للنشاط، كما أنهم لا يتوفرون على مقر عمل مستقر، يضيف رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك.

ويرى زبدي أن الحل الفعلي للقضاء على ظاهرة المضاربة وارتفاع الاسعار وتدخل الوسطاء هو خلق سلسلة توزيع نظامية واضحة وشفافة، إضافة الى ضرورة فرض التعامل بالفوترة، قائلا: "في حال تبنت الحكومة هذه الرؤية سيكون الوسيط في خبر كان".

الحلول

وفي سياق الحلول التي من شأنها المساهمة في القضاء على الاحتكار ومشكل ندرة السلع وارتفاع الأسعار، يرى الخبير الاقتصادي مراد كواشي في إفادة لـ"الترا جزائر" أن وزارة التجارة مطالبة اليوم بالضرب بيد من حديد في حال تسجيل أي تجاوزات، سواء على مستوى أسواق الجملة أو التجزئة.

وأكّد على  أنّها "مطالبة بالعمل على تنظيم العملية التجارية وفق الأطر القانونية، مع تطبيق القانون بصرامة كبيرة وفرض عقوبات ضد كل من يحاول استغلال مناسبة معينة لرفع الأسعار."

ويضيف كواشي: "الحكومة ملزمة بتقليل عدد الوسطاء فكلما زاد عددهم كلما كان التأثير سلبيا على الأسعار".

ويشدد الخبير على ضرورة استحداث نظام معلوماتي خاص بالفوترة، يسمح بالاطلاع على كل ما يحدث في السوق، ومحاربة أشباه التجار، وتنسيق العمل على مستوى جمعيات حماية المستهلك والمجتمع المدني لمرافقة هذه الإصلاحات، مع إلزام المصنعين وتجار الجملة بالانخراط ضمن هذا المسعى.

ويختم كواشي حديثه بالقول: "بالمفهوم التجاري يفترض أن يتمتع الوسيط  بدور إيجابي في العملية التجارية، من خلال العمل على تقريب الصلة بين البائع والمشتري، وليس إلهاب الأسعار، حيث يعرف الوسيط النظامي في الدول التي يحترم تجارها القانون على أنه "فرد أو هيئة ترتب المعاملات أو الصفقات بين المشترى والبائع مقابل عمولة متفق عليها مسبقًا".