29-أغسطس-2023

أيمن بن عبد الرحمان، الوزير الأول (الصورة: فيسبوك)

مثلما ينص عليه الدستور الجديد في المادة 111، سيكون الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن ملزمًا بعد افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، بتقديم عرض بيان السياسة العامة رفقة طاقمه الحكومي أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، وذلك في حال عدم إقرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لأي تعديل وزاري.

برلماني لـ "الترا جزائر": هناك وزراء غائبون عن الساحة ولم يثبت لهم خرجات ميدانية ولا قرارات منذ تنصيبهم على رأس القطاع

ويُقصد ببيان السياسة العامة قيام الحكومة بتقديم عرض للبرلمان عن مدى تنفيذ برنامجها أي مخطط عملها بعد مرور سنة من الموافقة عليه، أو تقييمه، ويمكن أن يترتب عن عرض بيان السياسة العامة أمام المجلس الشعبي الوطني، ثلاث قرارات، وهي إما قيام النواب بإصدار لائحة ضدّ الحكومة، أي سحب الثقة منها، أو تحريك ملتمس رقابة، أو التصويت بالثقة لفائدة الحكومة، بمعنى تجديد الثقة فيها. فما الذي سينجر عن عرض بيان السياسة العامة هذه السنة؟ وهل ستنجح الحكومة في إقناع النواب بحسن أدائها؟

السيناريوهات الممكنة

إلى هنا، يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، والنائب عن التجمع الوطني الديمقراطي هشام صفر في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الحكومة ستواجه سينايوهين إثنين عند افتتاح الدورة البرلمانية المقبلة التي يرتقب أن تنطلق يوم الأحد 3 سبتمبر/ أيلول 2023.

ويشدد المتحدث على أن السيناريو الأقرب هو احتفاظ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بنفس الوزير الأول، أي قيادة أيمن بن عبد الرحمن للجهاز التنفيذي، حتى وإن أقر تعديلًا حكوميًا أقال من خلاله بعض الوزراء واستبدل أسماء لم تثبت حسن الأداء خلال الفترة الأخيرة بأخرى يعول عليها لإصلاح بعض القطاعات.
وفي هذه الحالة يشدد صفر: "سيقوم الوزير الأول رفقة الحكومة بالنزول إلى البرلمان وعرض بيان السياسة العامة، وهو تقييم لأداء الوزراء، ورصد لما تحقق وما لم يتحقق، كما سيواجه النواب الوزير الأول بانشغالاتهم وتساؤلاتهم، ليتقرر في النهاية تجديد الثقة في الحكومة أم لا".

ويتمثل السيناريو الثاني، حسب هشام صفر في إحداث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لتعديل وزاري شامل، وتنصيبه لرئيس جديد للجهاز التنفيذي،
وفي هذه الحالة سيكون الوافد الجديد ملزم أيضًا بعرض مخطط عمل الحكومة وبرنامجه أمام النواب ومحاوره الكبرى، بشكلٍ مماثل لما حدث شهر سبتمبر/ أيلول 2021، حينما عرض الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن خطة عمل الحكومة أمام النواب والسيناتورات بالغرفتين.

ويميل صفر إلى فرضية السيناريو الأول ويرى أنه الأقرب للواقع، لاسيما بعد اللقاء الذي جمع الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن برؤساء الكتل البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني قبل شهر، حيث تم التطرق إلى كافة النقاط والانشغالات المرتبطة بأداء الحكومة والتي يطلب النواب توضيحات بخصوصها، قائلًا: "اعتبرنا ذلك اللقاء تمهيدا لعرض بيان السياسة العامة المنتظر قريبا".

وزراء نجحوا وآخرون بلا نتائج

وحسب رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة المستقبل فاتح بوطبيق، فعرض بيان السياسة العامة سيمكن من تقييم أداء الوزراء، حيث نجح بعضهم في تطبيق مخطط عمل الحكومة إلا أن آخرين تأخروا بشكل ملحوظ ولم يحرزوا النتائج المرجوة منهم.

وأقرت السلطات عبر الإصلاحات الجديدة التي تضمنها دستور سنة 2020، تعزيز العمل التشريعي والرقابي لنواب البرلمان، حيث أن الحكومة مجبرة اليوم خلال سنة من العمل على تقديم بيان السياسة العامة بغرفتيه أمام البرلمان، من أجل الاستماع لعرض حول مدى تقدم مخطط عملها الذي تم المصادقة عليه قبل سنتين، إذ يمكن أن يوفق الجهاز التنفيذي في تنفيذ هذا المخطط، كما قد يخفق.

وعليه يقول بوطييق سوف ينتظر النواب افتتاح الدورة البرلمانية الثالثة للاستماع إلى عرض الوزير الأول، وفي حال أجرى الرئيس تعديلا ازاح من خلاله الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن من منصبه، سيواجه النواب مطلع الدورة المقبلة حكومة جديدة، ملزمة بعرض مخطط عمل جديد.

ويُنتظر أن يتضمن بيان السياسة العامة، ما تم إنجازه خلال سنة كاملة، والإجابة في الوقت نفسه عن الانشغالات المتعلقة بالحياة السياسية والاقتصادية.

وحسب بوطبيق فإن كتلته البرلمانية كانت موجودة طيلة السنة الماضية ضمن الأغلبية الرئاسية، وسايرت إصلاحات رئيس الجمهورية، لكن هذا لا يعني حسبه عدم انتقاد الطاقم الحكومي قائلًا:" هناك دوائر وزارية حققت نتائج محمودة، على غرار قطاع السكن الذي سجل وتيرة سريعة في إنجاز السكنات إضافة الى قطاع العمل والمالية واللذان طبقًا الزيادة في الأجور وترسيم عقود العمل التي تحولت من مؤقتة إلى دائمة والتعليم العالي الذي أقر إجراءات غير مسبوقة بالنسبة للحاصلين على شهادة الدكتوراه، وهي إجراءات في صالح المواطن عكس قطاع الصحة الذي لا يزال يتخبط في مشاكل كبيرة، خاصة في الجانب الاستشفائي، رغم الأغلفة المالية التي رصدتها الحكومة للنهوض بهذا القطاع مثله مثل قطاع الفلاحة".

كما ثمن بوطبيق جملة القوانين التي جاءت بها الحكومة للبرلمان الا أنه وصف التأخر في إصدار المراسيم بالمشكل الذي يطرح العديد من التساؤلات.

صعوبة التقييم

من جهته، يعترف كمال بن خلوف، وهو برلماني في حركة البناء الوطني في حديث إلى "الترا جزائر"، بصعوبة تقييم أداء الحكومة على اعتبار أن هذه الأخيرة، حكومة تضامنية، حيث لا يمكن حسبه محاسبة وزير وسحب الثقة منه في حال قصر هذا الأخير في أداء مهامه، قائلًا: "هذا الأمر يقودنا الى تقييم أداء الحكومة ككل أي ما تم انجازه وما تعطل".

كما أن صلاحية تقييم الوزراء تظل بيد الرئيس، فهذا الأخير يتمتع بسلطة القرار في الاحتفاظ بنفس قائمة الوزراء أو عزلهم، مضيفًا: "تقييم الحكومة اليوم ينطلق من مبدأ الشمول، أي كجهاز واحد، وليس كل وزير على حدة".

وحسب بن خلوف فإن أداء بعض الوزراء اليوم بات واضحًا للعيان ومن السهل يضيف المتحدث التفرقة بين الوزير الذي يجتهد ويسعى للتغيير، وبين الوزير الذي يقبع خلف مكتبه معلقًا:" هناك وزراء أرفض ذكر أسمائهم غائبون عن الساحة، حيث لم يثبت لهم خرجات ميدانية ولا قرارات منذ تنصيبهم على رأس القطاع، الأمر الذي يحدث خللًا ملحوظًا في أداء الطاقم الحكومي".

ويرى بن خلوف أن المفارقة في الأداء تنعكس بالسلب على المجهود الذي تبذله رئاسة الجمهورية، حيث يجب أن يكون هناك تناغم في الأداء بين الرئاسة والحكومة.
ويضرب بن خلوف مثالًا بما وصفه بالملفات الثقيلة التي لا تزال عالقة، خاصة ما يرتبط بالتنمية والقطاع الاقتصادي، إذ يسعى الرئيس للإسراع في وتيرة الإصلاحات، غير أن التأخر في إصدار المراسيم وبعض القوانين ذات الصلة بالقطاع الاقتصادي، أثر على تنفيذ الرؤية الاقتصادية للدولة الجزائرية قائلًا: "قانون الاستثمار صدر قبل سنة إلا أن القوانين المهمة المرافقة له مثل العقار الاقتصادي لا تزال تراوح نفسها".

ويجزم بن خلوف أن الحكومة مطالبة اليوم بضرروة مواكبة الاصلاحات التي أقرها الرئيس خاصة وان الدولة تبذل مجهودا للانضمام الى فضاء مجموعة "بريكس".

يبقى العمل في الميدان والنتائج المحققة، الفاصل الوحيد في بقاء الحكومة أو مغادرتها واستبدالها بجهاز تنفيذي جديد

وفي النهاية يبقى العمل في الميدان والنتائج المحققة، الفاصل الوحيد في بقاء الحكومة أو مغادرتها واستبدالها بجهاز تنفيذي جديد، مثلما سبق وأن صرح به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في العديد من الحوارات الصحفية، حينما قال : "بقاء الوزير في الحكومة أو مغادرته مرتبط بمدى اجتهاده وسعيه لتنفيذ تعليمات مجالس الوزراء".