27-أغسطس-2019

كريم يونس رئيس البرلمان الأسبق، أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في هيئة الحوار (بلال كرامدي/ أ.ف.ب)

تُواجه هيئة الحوار والوساطة السياسية في الجزائر، صدًّا سياسيًا وشعبيًا عطّل مسار الحوار السياسي، بسبب جملة من العوامل المرتبطة بظروف تشكّل هذه اللّجنة، والخلاف الحاصل حول الوجوه والشخصيات التي تضمها القائمة، وطريقة تعاطيها مع مطالب الشّارع والأطراف الممثّلة للسلطة.

بعض شخصيات هيئة الحوار كان يزكّي ترشّح الرئيس السابق لعهدة خامسة

في الشارع، تعرّضت هيئة الحوار والوساطة لعدّة انتقادات، واعتبرت بأنها جزءٌ لا يتجزأ من النظام السابق، وأحد أوجه بقايا ما سُمي إعلاميًا وشعبيًا بـ"العصابة".

اقرأ/ي أيضًا: 6 أشهر في شوارع الجزائر.. هذه هي غنائم الحراك الشعبي

هذه الانتقادات، باتت أهم الشعارات في المسيرات الرافضة لبعض الأسماء التي تؤثّث هيئة الحوار ولجنة الوساطة، ونال بعضهم حظّه إمّا بطرده من المسيرات أو حملة السخرية والرفض على مواقع التواصل الاجتماعي.

وجهان لعملة واحدة

يعتقد نشطاء في الحراك الشعبي، أن الشخصيات التي تدير الحوار والوساطة، لا تُرضي الشّارع الجزائري لأسباب عديدة؛ منها ما هو متعلّق بالشخصيات المحسوبة على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، هنا، يقول الناشط في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام إن رفض عدد من شخصيات الوساطة مردّه أنّ "بعضهم كان محسوبًا على النظام السابق، وعدد منهم اشتغل في صفوفه في مرحلة من مراحله، بل وهناك من كان يزكّي قرارات ومخططات الرئيس بوتفليقة، وحتّى ترشّحه لعهدة خامسة".

ولفت بلام في حديثه لـ" الترا جزائر"، أن التاريخ لا يمكن مسحه بجرّة قلم، أو نسيانه من طرف الجزائريين مع اتساع رقعة المظالم واليأس والإحباط الشعبي، مشدّدًا على أن الحراك الشعبي حرّك المياه الراكدة لفترة حكم امتدت لأزيد من عشرين سنة، ولن يقبل بالقفز على بعض المطالب الشعبية، على حدّ تعبيره.

وواصل الناشط السياسي بلام، بأن الحراك الشعبي يعتبر وجود عدد من هذه الشخصيات لا يحقّق المطالب الرئيسية التي أخرجت الشعب في المسيرات منذ ستة أشهر، وهو القطيعة وتغيير النظام السياسي القائم.

أدوات قديمة

"تكريس الوجوه المحسوبة على النظام السابق، من شأنه أن يزعزع ذلك الأمل الذي ارتبط بـ سلمية الحراك الشعبي وزخمه خلال 26 أسبوعًا من جمعات المسيرة الشعبية، وهو طرح ذهب إليه عادل طوبال، الباحث في علم الاجتماع السياسي من جامعة الوادي، مستطردًا "الهيئة ولجنة الوساطة بمكوّناتها من شخصيات سبق لعدد منها أن تصدر المشهد السياسي في فترة الرئيس المستقيل، لن تستطيع كسب ثقة الشّارع، بسبب المخاوف من قلب الحراك الشعبي، إذ تمثّل أدوات إعادة إنتاج النظام السابق".

كما ذكر الباحث طوبال في حديث إلى"الترا جزائر"، إلى أن الشخصيات التي تقود الحوار، لقيت رفضًا من طرف النقابات أيضًا، فضلًا عن أحزاب سياسية محسوبة على المعارضة كحزب "جيل جديد" الذي يقوده جيلالي سفيان، وجبهة العدالة والتنمية التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، على حدّ قوله.

وعودةً إلى ظروف تشكيل الهيئة التي تدير الحوار، يتّضح جليًا أن السلطة القائمة هي التي اختارت هذه الشخصيات، واستمرّت في تعزيز صفوفها بمجموعة من الأسماء، رغم استقالات بعض أعضائها مثل عز الدين بن عيسى، وإسماعيل لالماس، بينما تواصل الهيئة اجتماعاتها غير آبهة بالانتقادات.

أكثر الأسماء المثيرة للجدل في هيئة الحوار، هي كريم يونس رئيس البرلمان الأسبق، وسيّدة الأعمال سعيدة نغزة، التي كانت من داعمي العهدة الخامسة للرئيس السابق، وسعيد مقدم الأمين العام السابق لاتحاد المغرب العربي وهو من مؤيّدي النظام السابق، ويرفض أيضًا طريقة تعاطيها مع مطالب الشّارع والأطراف المشكّلة للأزمة، يضاف إلى كلّ هذا، استقبال هيئة الحوار، لتنظيمات طلابية موالية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

بينما تواصل السلطة فرض عدد من الشخصيات في لجنة الحوار، تدور أسئلة كثيرة في الشارع حول من يقف وراء تعيينها، وماهي المهام السياسية المكلّفة بها من طرف النظام، ولماذا ترفض السلطة الحوار مع عدد من الشخصيات ذات التوجّه التكنوقراطي، والتي تحظى بقبول في الشارع الجزائري مثل رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ووزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي، ورئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش. وهي "شخصيات أفرزها الحراك الشعبي، وتحظى بالمصداقية، وتعبّر عن روح الحراك" كما يقول الباحث عادل طوبال.

أزمة ثقة

يبدو أن الهيئة الحوار ومختلف الشخصيات الممثللة لها، ماضية في عملها ومستمرّة في مساعي حوار لم يحظ بالقبول حتى الآن، إذ رغم الانتقادات الموجهة للهيئة، اعتبر منسق الهيئة رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس، موجة الانتقادات التي تلقّاها هو وعدد من الشخصيات أنها "ضدّ التيّار الذي وجدت فيه الهيئة"، مشدّدًا في تصريحات تناقلتها وسائل إعلامية بأن حملة الانتقادات لن تعيدهم للوراء، نافيًا في الوقت نفسه، بأنّهم موكّلين من طرف أيّة جهة من الجهات، على حدّ قوله.

من جهته، يؤكّد زهير بوعمامة، الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن هناك مشكلة ثقة عميقة بين السلطة والشعب تعود برأيه إلى "تراكمات تاريخية، وممارسات السلطة السابقة، أسقطت ثقة الجزائريين في من يُفترض أنهم يمثلونهم"، موضّحًا في تصريح لـ" الترا جزائر"، بأن هذه الصورة السلبية، أوحت للجزائريين بأن كلّ من يتقدّم للحوار،  راغب في تموقع أو ترقية اجتماعية لقاء أداء مهام لصالح أصحاب القرار على حدّ تعبيره.

يضيف بوعمامة، أن المفاهيم السياسية والسياقات تغيّرت اليوم، ولكن القناعات والتشكيلات الأيديولوجية والأنماط السائدة في مخيال الجزائريين الجمعي، يلزمها الكثير من الوقت حتى تتغير، مشيرًا إلى أن "السلطة الفعلية الحالية، تريد أشخاصًا طيّعين لا يخرجون كثيرًا عن النصّ، ويعملون في إطار المهمّة التي رسمت لهم وتحت الأسقف التي حدّدت لهم".

السلطة الفعلية

تاريخيًا، لازالت السلطة الفعلية في الجزائر وهي المؤسّسة العسكرية بحسب متابعين، تضع يدها على مخارج كلّ الأزمات التي مرّت بها ابلاد، إذ يؤكّد بوعمامة على أن "السلطة في الجزائر عوّدتنا على تحديد خيارات تعمل على تسويقها، وهي بهذا المنطق لا تأتمن أيًا كان للقيام بذلك".

حل الأزمة مرتبط بقدرة الحراك على فرض شروطه مقابل التنازلات التي تقدّمها السلطة

مع دخول الشهر السابع للحراك، تستمرّ التجاذبات بين السلطة وهيئة الحوار من جهة، وبين المعارضة والحراك الشعبي من جهة أخرى، لكن التطوّرات المرتقبة، مرتبطة بقدرة الحراك على فرض شروطه أو قدرة السلطة والهيئة على تقديم تنازلات ترضي الشارع.

 

اقرأ/ي أيضًا:  

الجيش يبعثر أوراق الحوار.. العودة إلى النقطة صفر

الحراك الشعبي.. من الشارع إلى صالونات الحوار