27-أغسطس-2022
حرائق الغابات

سيدة من ولاية الطارف متأثرة بعد هول الحرائق التي أتت على منزلها (الصورة: GETTY)

رغم أن رجال الأعمال من مختلف منظمات أرباب العمل و"الباترونا" سارعوا بمجرد اندلاع حرائق الشرق الجزائري في الأسبوع الثاني من شهر أوت/ آب 2022 للتضامن مع مواطني الولايات المتضرّرة، عبر منشورات فايسبوكية والإعلان عن مبادرات لنقل الغذاء والدواء والألبسة، وحتى استحداث صناديق مالية لجمع التبرعات في خطوة تشبه "التيليطون"، إلا أن كثيرين يعتبرون أن هذه التحركات مجرد استعراض سطحي لا يحمل أية خطوات ملموسة، فـ"الباترونا" حسبهم في الجزائر "تأخذ ولا تعطي".

يرى مراقبون أن الولايات المتضرّرة بحاجة إلى إعادة إعمار وليس التبرع بشاحنات المياه المعدنية والعصير

ويرى مراقبون أن الولايات المتضرّرة من الحريق والتي شهدت تآكل آلاف الهكتارات من الغطاء النباتي والغابي،وخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة تحتاج اليوم إلى إعادة إعمار وليس مجرد إيفاد شاحنات المياه المعدنية والعصير، وهو الدور الغائب لرجل الأعمال في الجزائر الذي يكتفي بالمطالبة بالاستفادة من إعفاءات جبائية وقروض بنكية وعقارات إلا أنه يغيب عن حملات المواطنة الحقيقية، عندما يتعلق الأمر بتبرعات ذات قيمة.

وعلى خلاف ذلك، يعتقد آخرون أن رجل الأعمال في الجزائر اليوم مكبل بالقيود ومحروم من الامتيازات على خلاف المرحلة التي عاشتها "الأوليغارشيا" في حقبة النظام السابق، فملف العقار الصناعي لا يزال مفرملًا وقيد الدراسة لحد الساعة، والإعفاءات الممنوحة في الماضي دون حسيب أو رقيب لم تعد موجودة، كما أن المستثمر ملزم باثبات شفافيته وممنوع من خوض ملفات السياسة.

ورفض أصحاب هذا التوجه تحميل رجل الأعمال أكثر مما يطيق، خاصّة وأن الكثير من أرباب عمل بادروا بالإشراف على تنقل عشرات القوافل محملة بالغذاء والأدوية والألبسة ومختلف أصناف المساعدات نحو الطارف وسوق أهراس وقالمة وسكيكدة وولايات متضرّرة من الحريق، فهل تغير مفهوم رجل الأعمال اليوم في الجزائر الجديدة؟ وهل تقوم هذه الفئة بدورها المواطناتي على أكمل وجه؟

تبرعات من كل المنظمات
على غرار ما تعودت عليه، بادرت منظمات أرباب العمل في الجزائر من مختلف التشكيلات والتنسيقات، بخطوات تضامنية تتضمن قوافل مساعدات وشاحنات مملوءة بالغذاء وتخصيص مستودعات لتخزين التبرعات موجهة إلى ولاية الطارف وغيرها من مناطق الشرق الجزائري المتضررة من حرائق أوت/ آب 2022.

وأعلن مجلس التجديد الاقتصادي، وهي أكبر نقابة لرجال الأعمال في الجزائر عن خطوات ضخمة تتضمن جمع التبرعات في صناديق مالية وتخزين المساعدات في مستودعات وتوجيه قوافل تضامنية إلى الشرق بالتنسيق مع السلطات المحلية للولايات المتضررة، وهي نفس المبادرة التي أعلنت عنها التنسيقية الوطنية لأرباب العمل التي تضم 5 منظمات رجال أعمال، أبرزها الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، والتي كانت تحمل سابقًا تسمية منتدى رؤساء المؤسسات أو "أفسيو"، وكذلك الكنفيدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية برئاسة سعيدة نغزة، ومنظمات أخرى.

ويصرح رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، وعضو التنسيقية الوطنية لأرباب العمل منير روباعي، لـ"الترا جزائر" أنهم بصفتهم رجال أعمال لن يتخلفوا عن مساعدة الشعب الجزائري كل حسب قدراته"، مضيفًا "نشتغل على مستوى التنسيقية منذ اللحظات الأولى لحريق الطارف، ونعمل وفق خطة منظمة على إنجاح عملية جمع التبرعات والمساعدات وتأطير انتقال قوافل الغذاء والدواء والألبسة للوقوف مع المتضررين بالولايات التي شهدت نشوب الحرائق".

"باترونا" بأهداف سياسية
من جهته يحصي النائب عن حركة البناء الوطني، كمال بن خلوف وجود ما يقارب 25 منظمة لـ "الباترونا" في الجزائر، كل واحدة منها تنشط على انفراد في إطار العمل التضامني الذي ترجو منه بالدرجة الأولى الحصول على بعد سياسي، وهو رضى السلطة، ويضيف بن خلوف في تصريح لـ "الترا جزائر": "ما يمكن أن أقوله أن "الباترونا" لا تتضامن وتتبرع لأغراض إنسانية، وإنما تهدف لتحقيق مردود مادي بشكل أو بآخر، إما بهدف تحسين صورتها أمام السلطة، أو نيل قروض البنوك أو الإشهار والترويج لمنتجاتها في المجتمع".

ويعاتب بن خلوف هؤلاء "الباترونا"، قائلًا: "من يؤدي دور المساعدة في الأزمات يجب أن يعمل بالتنسيق مع المجتمع المدني الذي يملك الاحصائيات والأرقام، فالمطلوب اليوم من رجال الأعمال ومنظمات الباترونا التي ترغب في تقديم المساعدات أن تؤطر نشاطها، حتى تصب الإعانات في مقصدها وتذهب لمستحقيها وليس مجرد استعراض شعبي، لا يؤدي الغرض الذي وجد من أجله".

ويصف بن خلوف العملية التضامنية الأخيرة التي أعقبت حرائق الشرق، بالفوضى، إذ كان يفترض حسبه، أن تتدخل مصالح الدولة لتوجه رجال الأعمال لا أن تفرض خيارات تضامنية عليهم، وذلك من خلال منح المعطيات وتحديد الجهات التي تظلّ بحاجة للمساعدة لجعل العملية تصب في إطار بعد وطني.

ويجزم  المتحدث "لذلك يمكن القول أن العمل الخيري في العالم ككل، أساسه الوساطة بين متطوع ورجل أعمال الذي يقوم بدور التمويل، في حين أن العمل التضامني في الجزائر يشهد أبعادًا أخرى، ويتميز بانعدام الثقة في هؤلاء الوسطاء، بعد تسجيل تجاوزات عدة على الكثير من المستويات منذ سنة 1962، فالكثير من التبرعات التضامنية في الحرائق والزلازل والفيضانات ذهبت إلى غير محلها، الأمر الذي يفرض اليوم إعادة تنظيم وتأطير هذه الهبات التضامنية قانونيًا".

صورة رجل الأعمال

وبإجماع خبراء الاقتصاد، فرغم حجم المساعدات الكبرى التي يقدمها عدد من رجال الأعمال في مناسبات عدة لمرضى كوفيد ومنكوبي الحرائق وغيرهم من ضحايا الكوارث والأزمات، إلا أنها تبقى تفتقد للترويج والتنسيق مع ممثلي السلطات الرسمية في البلاد وهو ما يؤدي إلى انصهار مثل هذه المبادرات،وجعلها لا تحظى بالنجاح والتشهير الذي يساهم إلى حد بعيد في جعل آخرين يقتدون بها.
ويشدد الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي على أن رجال الأعمال يمكن أن يساهموا في إطار تضامني في تقديم مساعدات خلال الأزمات التي تشهدها البلاد سواء تعلق الأمر بالحرائق أو قبلها الأزمة الصحية لفيروس كوفيد 19، التي سبق وأن عاشتها البلاد.

محدث "الترا جزائر" يؤكد أن هذه "المساعدات والإعانات تختلف حسب قدرات كل مؤسسة ورجل أعمال وتتفاوت بتفاوت الحس التضامني الذي يمتلكه أرباب العمل، إلا أنها تبقى في النهاية غير مفروضة عليهم قانونا، وإنما مجرد تضامن مستحب".

ويقول سلامي أن استفادة هؤلاء رجال الأعمال من دعم الدولة حق، مكفول بقوانين الاستثمار والمالية، فالدولة لا تمنحهم هبات، وإنما امتيازات في إطار القانون، في وقت يظلّ العمل التطوعي أو التضامن خيار يتبناه رجل الأعمال بناء على حس المواطنة داخله.

وبالعودة للحديث عن فترة النظام السابق، يجزم سلامي أن "الأوليغارشيا" حينها عاثت فسادًا في الجزائر، أين كان رجال الأعمال يستفيدون من  الامتيازات والرشاوي والصفقات بطريقة غير مشروعة ويدخرون أموالًا وثروات كبرى، لذلك كان المفروض وقتها طرح التساؤل: "ماذا قدم هؤلاء للدولة والشعب كمساعدات في إطار التضامن الاجتماعي"؟

خبير اقتصادي: لم يكن دور المؤسسات مؤطرًا خلال الحرائق بسبب غياب التنسيق مع السلطات العمومية

ويختلف حجم المساعدات المقدمة ودرجة الهبة التضامنية لرجال الأعمال خلال الحرائق الأخيرة، باختلاف الإمكانيات المادية والحس المواطناتي والضمير الإنساني واللحمة بين المواطنين، ويقول الخبير: "المؤسسات قامت بدور غير مؤطر خلال أزمة الحرائق بسبب غياب التنسيق مع السلطات العمومية وعدم تنظيم برنامج التضامن، وتغافل الجهات الرسمية عن إعطاء العملية بعد وطني، حيث كان يمكن أن يتم جميع التبرعات عن طريق تيليطون مثلًا" يختم حديثه.