ينصح أطباء وخبراء تغذية بضرورة التعامل بعناية مع أول وجبة إفطار بعد الصيام، وتناول عدد من الأطعمة الصحية واستهلاك السوائل بكميات كافية، وعدم الإفراط في السكريات والمأكولات الدسمة، إضافة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الصحية المتعلقة بأصحاب الأمراض المزمنة في شهر رمضان.
يواجه جزائريون خلال هذا الشهر معضلة إصرار كبار السن والمرضى على الصيام، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من داء السكري وضغط الشرايين.
في هذا السياق، نظم، المكتب البلدي للتنسيقية الوطنية للمجتمع المدني، وهو هيئة حكومية غير ربحية، تنشط ببلدية عين ياقوت، ولاية باتنة شرقي الجزائر، ندوة طبية وصحية بمطعم فيتاميلز، بصفته مطبخًا تخصّص في تقديم وجبات إفطار رمضانية مثل البوراك و طاجين الجبن الطبيعي و البيتزا وخبز الشوفان، معدّة بطريقة تستجيب لمواصفات الغذاء الصحّي.
وأدلى أطباء وأعضاء جمعية السواعد الخيرية وخبراء تغذية، بنصائح قيمة بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، وما يفرضه من طوارئ كبيرة في عادات الأكل التي تلي الساعات الطويلة من الانقطاع التام عن الطعام والشراب.
حفظ الحياة
يواجه جزائريون خلال هذا الشهر معضلة إصرار كبار السن والمرضى على الصيام، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من داء السكري وضغط الشرايين، وفي هذا الصدد نبّه، قايد مسعود، رئيس جمعية التكفل بالمصابين بالأمراض المزمنة بعين ياقوت ولاية باتنة، لخطورة الأمر قائلًا: " كلما يحل رمضان نواجه هذا الجدل حيث يرفض المصابون بداء السكري تنفيذ النصائح الطبية التي تحثهم على الامتناع عن الصيام، حرصًا على سلامتهم".
يضيف المتحدث: "أن المشكلة تبدو ذهنية واجتماعية أكثر من كونها مشكلة دينية. نعلم التقديس الفردي والاجتماعي لرمضان وحجم الانخراط الروحي والجماعي في هذه الشعيرة العظيمة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة الوقوع في التهلكة، رغم ترخيص الإفطار من طرف علماء الدين، وبالتالي يصبح الإفطار في حالات المرض القصوى، حسبهم، خضوعًا للشرع تنفيذًا للواجب الديني، خاصّة بالنسبة للمعالجين بالأنسولين. هذه الفئة لا يمكنها الصيام لحجم الأخطار التي تتهدّد صحتها عاجلًا أو آجلًا، وهذا بإجماع العلماء والأطباء. في رمضان الفارط سقط أمامي شيخ أنقذته بما تعلمته من أبجديات النجدة، لأنه كان مريضًا بداء السكري".
وعطفًا على ذلك أكدت الطبيبة ابتسام بوتمجت في حديث إلى "الترا جزائر" أن "ديننا دين يسر لا عسر، ومع ذلك نواجه مشكلة أخرى مع الشبان الذين يرون أن الإفطار في شهر رمضان أمام الناس عيب كبير وقد واجهت مشكلة مع شقيقي، الذي أصيب بالسكري في عمر 31 سنة. لأول وهلة لم يتقبل أخي أن يفطر فيما جميع أفراد العائلة صيام".
وعندما تمكن من تعديل نسبة السكري لالتزامه الشديد على نظام التغذية، تضيف المتحدثة، تسنى له الصيام في العام المقبل.، مردفة "لقد صار بمقدوره الصيام عندما صار يتناول الأنسولين على فترتين في اليوم. طبعًا يمكن للشبان المعالجين بالأنسولين مرتين في اليوم الصيام برخصة من طبيب مع ضرورة مرافقة العائلة لهم ومراقبتهم على مدار اليوم وقياس النسبة باستمرار مع عدم بذل الجهد. وطبعا تأمر توصية الاحتراز الأخيرة بضرورة القطع الفوري للصيام في حال الخطر".
و تضيف ابتسام قائلة: "طبعًا نحن الأطباء نحث دائمًا المصابين بالسكري على الإفطار خاصّة للذين يعالجون بالأنسولين، لأن هذا هو الأصوب دينًا و شرعًا و عقلا"، وتعميقًا للفكرة يضيف رئيس جمعية التكفل بالمرضى المصابين بالأمراض المزمنة ما يلي: "ما لا يعلمه كثيرون هو أن آثار ذلك لا تظهر حالًا وإنما على المدى الطويل، فالسكري قاتل صامت، وبالتالي فعلى المصابين بالسكري، خاصّة الذين يتناولون الأنسولين، على أربع فترات مثل حالتي، العمل برخصة الإفطار لأن الدين يحفظ النفس أولًا وأخيرًا، و لأنه يستحيل تقسيم الجرعات في الفترة الليلية. وأخيرًا فإن حفظ الحياة هو أول مقاصد الشريعة الإسلامية. الله يحب أن تؤتى رُخصُه كما تؤتى عزائمه".
الكنتيشي أولى من الدقلة
يفرض الانقطاع عن الأكل والسوائل لمدد طويلة تفوق اثنتي عشرة ساعة، ضرورة التعامل الحذر مع أول الطعام الذي يدخل الجوف، وتتطلب لحظة قطع الصيام بعد الآذان عناية خاصة، حيث تقول الطبيبة فلة حمادي في حديث لـ "الترا جزائر": أن "بعض المدخنين من الشبان المتهورين يفطرون على شرب السجائر، قبل أن تبتل عروقهم بالماء أو تستقبل شيئًا من الطعام، وهذا خطر ماحق على الصحة يجب التوقف عنه فورًا وبلا إبطاء".
أما بالنسبة للصائمين الذين يفضّلون كسر الصيام بالتمور مثلما يرد في السنة النبوية فتقول الطبيبة بوتمجت: "يشاع مثلًا أنه يجب تناول سبعة تمرات مثلما يرد عن الرسول، لكن ينبغي التوضيح أن ثلاث تمرات تكفي نظرًا للنسبة العالية للسكر في التمر، خاصّة الرطب من نوع الدقلة التي نتناولها. على الصائم العادي تجنب أكثر من ثلاثة تمرات من نوع الدقلة لأنها عالية نسبة السكريات وغزيرة السعرات الحرارية، بخلاف التمر الجاف".
" الكنتيشي" الذي يحتوي نسبًا قليلة منها وهذا النوع الجاف أكثر صحية من الرطب، وهو الأفضل للاستهلال. كما ينبغي تجنب المزج بين الدقلة واللبن، لأن ذلك يسبب غازت وخمائر من أعراضها انتفاخات غير مريحة والشعور بالخمول والثقل، وطبعًا هذا لا يساعد على أداء العبادات بأريحية، لأن شهر رمضان جعل لملء القلب، لا لحشو المعدة كيفما اتفق".
شوربة الخضار أم الفريك؟
تقدم روفيدة زردومي خبيرة التغذية في حديث إلى "الترا جزائر"، الطريقة المثالية للأفطار قائلة: "أفضل طريقة لكسر الصيام ثلاث حبات تمر مع الماء، هذا أفضل ما يمكن أن نهديه لأجسامنا بعد فترات الانقطاع الطويل، ينبغي أن نعلم أن سنة الرسول في تناول سبعة تمرات هي في الأيام العادية، وليست خلال فترات الصيام، فالعدد الوتري ثلاثة يفي بالغرض ويحافظ على الصحة، فلا إفراط أو تفريط".
يجعل بعض الجزائريين جرّاء التشهي الذي يقترن مع الجوع الطويل من سفرة الإفطار موائد تحفل بجميع أنواع المأكولات ليقترب الموضوع من التبذير المادي ولاحقًا "التبذير" الصحي، وفي هذا الصدد تضيف خبيرة التغذية: "تمرة واحدة مع شربة ماء، أو ثلاثة تمرات، تكفي لكسر الصيام. ويستحسن الاكتفاء بهذا قبل فترة راحة مدتها ربع ساعة لأداء عبادة الصلاة، إذ لا ينغي صعق المعدة بالحشو الفجائي".
بعدها، تردف زردومي، يفضل احتساء شربة خضار، تسألها الطبية "والشوربة فريك"؟ فترد "من الأفضل شوربة خضار ولو تعذر ذلك فشوربة فريك خفيفة فهي تفي أيضًا بالغرض، وهي أفضل من شوربة لسان العصفور. مع ملاحظة أن الحريرة التي يعدها سكان الغرب هي أفضل من الجاري فريك لاحتوائها على مكونات غذائية كاملة أبرزها النشويات لأنها تمزج بالدشيشة المستخلصة من الشعير، لكن يجب أن تكون اللحوم خالية من الدسوم والشحوم".
عصائر بالقشور
أما الطبق الثاني الرئيس – تضيف مختصة التغذية "من الأفضل أن يكون كاملًا بمعنى مشكلًا ممّا يحتاجه الجسم، علينا أن نتناول ما يريده الجسم لا ما نشتهيه نحن، بمعنى أن يكون مكونًا من عناصر البروتين والنشويات والخضار، وبالتالي يمكن تقسيم الطبق إلى أربعة أجزاء. جزآن يتكونان من الخضار الغنية بالألياف، وجزء ثالث من النشويات مثل الرز والعجائن الكاملة، والجزء الرابع من البروتينات مثل اللحوم وبدائلها".
أما ما يختص بالسوائل والمشروبات، تستطرد قائلة: "بالنسبة للعصائر فالمفضل أن يتم عصر الفاكهة كاملة بقشورها، مثل البرتقال والتفاح والإجاص، حتى تكون متوازنة من حيث نسبة السكريات وتصير طبيعية، ذلك أن عصر الفاكهة دون قشور يجعلها عالية السكريات، أما فنجان القهوة، فصحيًا، ينبغي أن يُرشف بعد ساعتين من الإفطار لأن تناوله مباشرة بعد الأكل يساهم في امتصاص الحديد من الجسم".
إلى ذلك تضيف الخبيرة رفيدة: "بالنسبة للسحور فمن المستحسن تناول نفس مكونات طبق الإفطار، أي أطباق متوازنة بين النشويات والبروتينات والخضار. هذا يمنح للصائم طاقة في اليوم التالي، تشعره بعدم الإحساس بالتعب والوهن الزائد عن الحد المقبول".
الرياضة: ضوء أخضر
نتيجة الإحساس بفائض الوقت أو برغبة إنقاص الوزن أو استحلاء الإفطار بعد صرف الطاقة، يفضل كثير من الجزائريين ممارسة النشاط الرياضي خلال رمضان في صورة تبدو غير متلائمة مع التعب الناجم عن توقف إمداد الجسم بالطعام الموازي لمنتج الطاقة، لكن الأمر لا يدعو للقلق البتة بل العكس كما تتوافق الطبيبتان وخبيرة التغذية، وكلهن أجمعن بصوت واحد: "الرياضة أمر إيجابي للغاية في رمضان، بعكس ما يقوله بعض الناس. نحن ننصح القادرين والمداومين عليها بممارستها، بشرط ألاّ تكون رياضة منهكة وقاسية. أما الوقت المناسب فقبل المغرب. يمكن فعل ذلك بساعة ونصف قبل الآذان، ليكون للصائم فترة للاسترجاع خاصة ما يتعلق بإعادة تمييه البدن الجاف بالسوائل اللازمة خاصة المياه، أما بعد الإفطار فينصح الشروع فيها بعد ساعتين من تناول الطعام".
الطبيبة فلة حمادي لـ "الترا جزائر": أن بعض المدخنين من الشبان المتهورين يفطرون على شرب السجائر، قبل أن تبتل عروقهم بالماء أو تستقبل شيئًا من الطعام
وبحكم عادة الإكثار من الحلويات التقليدية كالزلابية وقلب اللوز والقطائف وتشكيلات العصائر المتنوعة والمشروبات الغازية في مائدة رمضان، نبهت الطبيبة بوتمجت الأولياء إلى ضرورة تحاشي وضعها في متناول الأطفال الصغار، على خلفية معاينات طبية أكدت تسجيل إصابات مرتفعة لدى الأطفال بداء السكري من النوع الثاني في السنوات الأخيرة على بسبب تعويدهم على التناول المفرط للكعك والحلوى ومنتجات الشيبس والعصائر المصنعة، لافتة النظر إلى أن هذه العادات السيئة: "وضعتنا أمام إصابات بداء السكري من هذا الصنف لدى الأطفال الصغار وهو ما لم يكن ملحوظًا قبل سنوات".