06-مارس-2024
شوربة فريك

(الصورة: فيسبوك)

تتعدّد مظاهر رمضان في الجزائر ومن بينها طبق الشوربة، الذي يرتبط به الجزائريين بشكل خاص طيلة 30 يومًا من الصيام. ورغم اختلاف تسمياتها وطُرق تحضيرها  إلّا أنّها تبقى عروس الشهر بلا منازع.

تتنافس العائلات الجزائرية في تحضير وطرق طهي طبق الشوربة، الذي تختلف تسمياته حسب ذلك، ما يجعله سيّد موائد رمضان في الجزائر

وتغتنم العائلات الجزائرية فرصتها في تحضير الأطباق الرمضانية عن بقية كل الأشهر، فيما تبقى "الشوربة" الطبق الأكثر طلبًا خلال شهر رمضان في الجزائر  على غرار بقية الشعوب العربية والإسلامية.

عروس رمضان في الجزائر.. بلا منازع

تهزُّ خالتي ربيعة (64 سنة)، وهي ربّة بيت من أعالي قرية أولاد قاسم، بسور الغزلان، في ولاية البويرة، المُنْخُل، في عملية تصفية حبّات الشعير المدشوش من بقايا عملية الطحن، قائلة: "هذا الدشيش وهو شوربة فريك (كما تُسمى) من مخزوننا الفلاحي للعام الماضي وله قيمة ونُكهة رمضانية خاصة."

وتتحدّث الخالة ربيعة، وهي تضرب بيدها على "السّيار" الدائري (الغُربال)، لتقول: "شوربة الفريك أو المرمز هي من حبات الشعير أو القمح غير الناضجة كليًا والمجففة. وتمر بمراحل بعد حصادها وأولها "التشواط" (شوائها على الجمر)، ثم تُحلّل وتُجفّف لتمر إلى الطحن والغربلة."

وتُحاط هذه العملية، وفق محدثتنا، بعناية فائقة وتقاليد خاصة. "فلا يُسمح للفتيات اللاتي لا يملكن خبرة بتحضيرها وطحنها. كما أنّهن مَعفِياتٌ حتى من طهي هذا الطبق لأنّه ببساطة عروس رمضان وأساس أطباق الشهر الفضيل."

وتواصل: "وإذا حدث ذلك فمرافقة الفتيات واجب في طبخ طبق الشوربة، من خلال التوجيه والتعليم. لأن الطبق كما قُلت تجتمع عليه كل العائلة بعد الأذان.. فلا مجال للمغامرة بإعداده."

وعن سرّ طهيه، فتعتبر ذلك "موروثًا تناقلته نساء أولاد قاسم عن الجدات. إذ يرتكز أساسًا على قِطعِ لحم الخروف وخُضار مكونة من بصل، جزر، قرعة (كوسا)، طماطم وبعض الحمص المنقوع في الماء."

الرحى
الرحى التقليدية لطحن حبات الفريك والمرمز

وبما أنّ شربة "المرمز" (الشعير) هي سيدة أكلات رمضان في الجزائر فإنّ "إضافة توابل رأس الحانوت المكونة من فلفل أسود وعكري (فلفل أحمر) وزنجيبل وقرفة، تجعل نكهته خاصة ومميزة"، وفق أم علي.

ولقِدْرِ الطين، الذي يُخصّص لهذا الطبق في رمضان حكاية وقصة أخرى بمنازل القرية؛ إذ تعتبر محدثتنا أنّ ذلك من أهم علامات الشهر الفضيل، فتقول: "كل ربات البيوت في أولاد قاسم الجبلية تخرجن مع حلول رمضان قدر الطين. لأن الشربة المطبوخة خارجه، بلا نكهة ولا ذوق."

وتردف: "عملية "تحماس" قطع اللحم مع الخضار الممزوجة بالتوابل وملعقة طماطم مصبّرة في قدر الطين تزيد الطبق بنّة وشهية. ثم يضاف لها الماء ويترك على نار هادئة، إلى أن توضع معها كمية من دشيشة المرمز وتترك لتطبخ لمدة 15 دقيقة."

أصل التسمية الجزائرية

ولأنّها أشهى أطباق رمضان في الجزائر، فقد اختلف المؤرخون على أصل تسمية "الشوربة"، فمنهم من يقول إن اسمها يعود إلى العثمانيين وهناك من يرجعه إلى الفارسيين. وثمة من يعتقد أنه طبق موريسكيٌ (أندلسي).

وفي معاجم اللغة العربية تعني كلمة "الشوربة". شُربَة أو جُرعَة أي مقدار ما يروي من الماء، وفي قاموس المعاني، "الشوربة" هو طعام مائع من الرز والعدس والخضروات.

وفي الفارسية الشوربة أصلها شوربا وهي مكونة من كلمتين "شور" ويعني مملح و"با" يعني الطعام الذي يؤكل بملعقة.

بينما تُشير دراسات إلى أن "الحريرة" وصلت الجزائر (وهران) عام 902 ميلادي، على يد البحارة الأندلسيين محمد بن محمد بن عون وآخرين بدعم من أمراء قرطبة.

شوربة
شوربة المقطفة التي تشتهر بها منطقة الجزائر العاصمة وما جاورها

ومن جانبه، يقول المؤرخ في التاريخ الشفهي، رشيد شلابي، المعروف بـ"رشيد أور"، إنّ "الشوربة هي حساء ساخن فيه شعيرات ورقائق السميد، وفي القِدم كانت الشوربة هي كويرات السميد المغمّسة في الماء."

وتابع "رشيد أور"، في إحدى مداخلاته التلفزيونية، شارحًا، معنى كلمة "الشوربة"، أنّها من الفعل شرب يشربُ. وفي الجزائر، كلمة "الشُربة" تعود إلى الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، أين كانت هنالك معركة فردان (غرب فرنسا)، التي شارك فيها جزائريون لمدة عام، وفقه.

وفي تلك الفترة، يكمل المهتم بالتاريخ، "كان يُقدّم لهؤلاء الجنود حساء وخليط مائي في برميل كبير"؛ ويخاطبونهم بجملة: "الآن ستسخّنون أجسادكم بهذا الطبق".

ومنها، حافظ الجزائريون على الكلمة الفرنسية "Chaud Repas" والمكونة من كلمتين "شو" (ساخن) و "روبا" (طعام) والتي بجمعها تصبح "شوربة"، كما ينطقها الجزائريون، بحسب المتحدّث.

وإن كان لها اسم مُوحّد يجعلها، بحق، في شهر رمضان بالجزائر، وهو "الشوربة". لكنها في الحقيقة مختلفة الألقاب والأذواق وطرق التحضير من منطقة لأخرى. ففي شرق البلاد تُسمّى "الجاري" المصنوع من "الفريك".

وبوسط البلاد تُسمى "الشوربة" وتختلف طرق تحضيرها عن "جاري" الشرق؛ أما بغرب الجزائر، فيطلق عليها اسم "الحريرة". وهي الطبق الرئيسي الذي تجتمع عليه العائلات الجزائري في رمضان.

رفيق دائم..

يفضل الجزائريون تناول طبق "الشوربة" الشهير مع حبات "البوراك". وهو من المقبلات المصنوع من أوراق "الديول" (رقائق عجينة السميد)، ويُحشى باللحم المفروم أو الدجاج.

وتقول عن تحضيره، السيدة ربيعة، أنّها "ترجع لقدرة كل أسرة. فمنها من تضع فيه بصل وبطاطا وجبت؛ ثم يُقلى في الزيت بأشكال مربعة أو طويلة مختلفة."

وتعتبر هذا المقبّل "شريكًا ورفيقًا دائمًا لطبق الشوربة خلال شهر رمضان في الجزائر". كما أنّ محدّثة "الترا جزائر"، تصرّ، على تحضيره في البيت، متفاخرة: "شربتي وبوراكي من تعب يدي وهما سر مائدتي ولذّة أطباقها التي تجمع العائلة."

تصنيف عالمي.. ليست سيدة رمضان في الجزائر فقط

في كانون الثاني/جانفي 2022، صُنّف حساء الشوربة، ضمن قائمة تضم 20 نوعًا من الحساء في العالم، وفق ما أعلنته شبكة "سي. إن. إن".

واحتل طبق الشوربة الجزائرية المرتبة السادسة، حيث ذكرت جانيت كلاركسون، مؤلفة الكتاب المرجعي "حساء: تاريخ عالمي"، بالتفصيل لماذا تعتبر هذه الأنواع من الحساء بالذات الأفضل في العالم.

وقالت إنّ "كل ثقافة لها حساء خاص بها وهذا هو السبب في أن هذا الطبق يعتبر من أكثر الأطباق استهلاكًا في العالم".

وفي تصنيف آخر لـ"تايست أطلس"، جاء المطبخ الجزائري في المركز 26 عالميًا، والأول عربيًا والثاني أفريقيًا، ضمن 50 بلدًا من مختلف قارات العالم.

وكانت  "عروس المائدة الجزائرية"، (كما تُلقّب خلال شهر رمضان في الجزائر) الشوربة مع خمسة أطباق جزائرية "الأعلى تنقيطًا" وهي الرشتة، الشخشوخة، الكسرة والمحاجب.

شوربة
طبق شوربة الفريك احتل مراتب عالمية في السنوات الأخيرة وفق تصنيفات عديدة

وفي تفصيله لمكونات "شوربة فريك"، قال، الموقع العالمي، إنّها: "حساء متكون من القمح القاسي الذي يتم يحصد أخضرًا، يسمى فريك ويتم طبخه مع مرق الطماطم والتوابل العطرية. وتمتزج نكهتها بالحمص في مرق الدجاج أو اللحم البقري لحم الضأن. يتم تقديمه مع الليمون وقطعة من كسرة."

ومعلومٌ أنّ تصنيف  "تايست أطلس"  يستند على نوعية الأطعمة الرائجة في البلدان المعنية، مع الأخذ بعين الاعتبار تنوعها ودورها في عكس ثقافة البلاد و، كذلك  ما تتمتع به من شعبية.

مكونات الشوربة فريك

نصف كيلو من لحم مقطّع

بصل مفروم (حبتين)

طماطم مفرومة (3/4 حبات)

ثوم (1/2 حبتين)

رأس فلفل حار

حمص منقوع (كوب)

أوراق كرافس

ربطة كسبر مفرومة

3 ملاعق كبيرة زيت

200 غرام من الفريك

ملعقة كبيرة طماطم مصبّرة

ملعقة كبيرة فلفل أحمر حلو

نصف ملعقة صغيرة ملح

فلفل أسود

نعناع يابس

1 لتر ماء

طريقة تحضير الشوربة فريك

1 – يُوضع في إناء متوسط/قدر طين قطع اللحم والبصل والثوم وتُحمّس بشكل جيد، ليضاف لها قليل من زيت المائدة.

2 – بعد التحماس الجيّد نضع الحمص وورق الكرافس والكسبر (معدنوس) والتوابل (راس الحانوت) وتحرّك جيدًا.

3 –نضيف الطماطم المفرومة ونتركهم على نار هادئة مدة 5 دقائق.

4 –يضاف الماء ومعه طماطم مصبرة ونحرّك جيدًا إلى أن يصير اللون أحمرًا.

5 – يُترك القدر على نار هادئة مدة 10 دقائق ومن ثم نضيف الفريك فوقها.

6– تترك فوق النار (هادئة) لمدة 15 دقيقة لتصبح الشوربة بعد ذلك جاهزة للأكل.

6 – تُزيّن بحبات الفلفل الحار والنعناع اليابس وحشيش الشربة.