25-يوليو-2019

(صورة مركبّة/ نقش رجل الدين زرادشت على باب مزاره بـ تشاك شاك في إيران)

لابأس بقليل من الخيال لفهم الواقع؛ تخيّلت أنّ زرادشت نيتشه جلس في منزله الجبلي، منشغلًا بأخبار الحراك في الجزائر، فقرّر أن يكتب عن هذه التحوّلات.

 يقول زرادشت إنّ ما يُحرّك الدولة هي الرغبة في السلطة

 لقد دافع زرادشت عن الحقيقة، وكثير من تلك الحقيقة تُؤلم هؤلاء الذين ظلّوا لقرون يعتقدون بأنّ الظلال التي تتحرّك على صخور كهوفهم هي الحقيقة.

اقرأ/ي أيضًا: المعركة هي أيضًا معركة أفكار

 سيعلّمنا زرادشت كيف نلتفت إلى مدخل الكهف، وكم هو مؤلم وهج الضوء لمن تعوّدت عيناه على ظلام الكهف.

ما الدولة؟ إنّها غُول مُريع. بل هي أفظع الغيلان. هكذا قال زرادشت. ثمّ أضاف بتحوير منّي بأنّ الدولة هي أكبر جهاز ابتكره الإنسان للكذب. فأقوالها كذب، فإذا حدّثت عن الخير كذبت، وإن حدّثت عن الشرّ كذبت أيضًا. أمّا كذبتها الكبيرة، فهي إذا قالت: " أنا هي الشعب!" وفضلًا عن الكذب، فكل إنجازاتها قائمة على السرقة وعلى النهب (من سيقول العكس؟).

لقد عشنا في الجزائر أكذوبة "الدولة"، في حين لم تكن أكثر من جهاز للقمع، والردع، والهيمنة على الثروات. وقد استحوذ هذا الجهاز على السلطة باختراع عدد من الأكاذيب: كذبة الشرعية التاريخية، كذبة الشرعية الأمنية، كذبة الدولة التي لا تزول بزوال الرجال، كذبة الاستمرارية، كذبة طاب جناننا...إلخ

يتوقّف زرادشت عن الكتابة، يتأمّل سفح الجبل. كان سؤالًا يدور في عقله: لمن وُجدت الدولة إذن؟ في تلك اللحظة هبّ نسيم من الواد، فانتعشت أفكاره، وكلّم نفسه: وُجدت الدولة لأجل هؤلاء الذين خُلقوا بوصفهم فائضًا عن اللزوم.

ثمّ تحدّث عن صنفين من هؤلاء الأشخاص الفائضين عن اللزوم؛ المثقفون الذين ينسبون لأنفسهم أفكار العظماء من مبدعي القيم والحِكم، لأنهم يعانون من عجز على إنتاجها، وهؤلاء يفسدون كلّ ما امتدّت إليه لغتهم (لغوهم).

زرادشت: "جميعهم يريدون الوصول إلى العرش، كما لو أنّ السعادة جالسة عليه"

 والصنف الثاني هم الصحافيون الذين يتقيأون على وجوه القرّاء تلك المرارة الصفراء التي لفظتها أحشاؤهم، وليس هذا فحسب، بل تجدهم يأكلون بعضهم بعضًا كما تفعل الوحوش الضارية التي لا شفقة في قلوبها، ويطلقون على معاركهم المتوحشة اسم "حرية رأي".

 يمثّل الصنفان أداتين في يد الدولة / الغول، فالدولة التي تكذب تحتاج إلى مواهب المثقفين والصحافيين.

ما الذي تبحث عنه الدولة؟ خدمة شعبها؟ لماذا يتصارع الفاعلون السياسيون والاجتماعيون والثقافيون فيما بينهم؟ هل لأجل سعادة الشعب؟

 بل يقول زرادشت إنّ ما يُحرّك الدولة هي الرغبة في السلطة. السلطة هي الغاية القصوى لها، إنّها فوق ذلك تمثّل السعادة القصوى. إنها سعادة قيادة القطيع، سعادة مراكمة الثروات، سعادة التحكّم في النّاس. لكن هل يدري هؤلاء أنّ العرش يقبع وسط بركة من الأوحال؟

"جميعهم يريدون الوصول إلى العرش: ذلك هو حمقهم – كما لو أنّ السعادة جالسة على العرش! بل الأوحال هي التي غالبًا ما تكون متربعة على العرش؛ وغالبًا ما يكون العرش فوق الأوحال" (ص 105).

ماذا عن الشعب؟ ما الذي يرغب فيه؟ وهل يقبل الشعب الحقيقة؟ أم أنّه يريد دائما أن يستمع فقط للحقيقة التي يريدها؟

يقول زرادشت أنّ الشعب يتجنّب هؤلاء الذين يبدعون الأفكار والقيم، وفضلًا عن ذلك، تستهويه شخصيات المستعرضين أو هؤلاء الممثلين الذين يؤدّون أدوار العظمة.

 يحبّ الشعب عبادة الصنم الذي يلقي إليه بالخطب التي تُحرك في داخله اعتزازه بنفسه. يستهوي الشعب هؤلاء الساسة والقادة الذي يتقنون أداء أدوار القادة والساسة الذين يغدقون عليهم بالوعود الكثيرة ( أغلب الوعود لا تتحقّق، هل تساءلنا لماذا؟).

هل معنى هذا أنّ زرادشت يقول في ثنايا أفكاره بأنّ الشعب يصنع مآسيه بنفسه، ويتحمّل جزءًا من الوضع الذي آل إليه؟ إنه يتحدّث هنا بعبارة واضحة عن استبعاد صانعي المستقبل.

"الشعب لا يفهم كثيرًا ما هو عظيم؛ أيّ ما هو مبدع. لكنّه يملك حسًّا لكلّ المستعرضين وكلّ الممثّلين لأدوار الأمور العظيمة". ( ص108 )

الشعب الذي يدور حول الذين يفتقرون إلى هدف يكون قد عبّر عن افتقاره لذاته

أليس العالم يدور حول مبدعي القيم؟ في حين يدور الشعب حول الممثلين في ركح السياسة؟ هؤلاء الممثّلون الذين يتمتّعون بالعقل، لكنهم ينقصهم الوعي بالعقل. إنهم لا يؤمنون إلاّ بما يجعل الناس يؤمنون بهم، أي ينظرون إلى الشعب مثلما ينظرون إلى المرآة التي تنعكس عليها صورهم. فهم لا يؤمنون بشيء آخر، لذا تجدهم يبدّلون إيمانهم بين مرحلة وأخرى، ويتلوّنون بألوان المرحلة، فأمس كانوا مع فخامته، واليوم أصبحوا ضد فخامته. إنهم يفتقرون إلى الهدف، والشعب الذي يدور حول الذين يفتقرون إلى هدف يكون قد عبّر عن افتقاره لذواته.

اقرأ/ي أيضًا:

تطبيق "فيس آب".. ماذا عن مستقبل الجزائر؟

خاطرتان عن الحراك و"الكان"