19-يونيو-2022
عروس البحر (Getty Image)

عروس البحر (Getty Image)

عادت "عروس البحر" إلى المدينة العريقة تيبازة غرب العاصمة الجزائرية، وظهرت من جديد "الملكة الأسطورة" كما كان يطلق عليها في المدينة، بمناسبة الافتتاح الرّسمي لموسم الاصطياف للعام الحالي، غير أن الحدث برز في مواقع التواصل الاجتماعي وأخذ بعدًا وفتح نقاشًا واسعًا بين الجزائريين، فماهي بداية القصة؟

لكلّ قطعة من القطع الأثرية قصة وتاريخ وعمق ضارب في حياة الناس

تروي قصص التاريخ أنّه في القرن الـ 25 للميلاد، تزّوج الملك النّوميدي يوبا الثّاني الذي حكم مدينة تيبازة غرب العاصمة الجزائرية بكليوباترا سيليني وهي ابنة الملكة المصرية المشهورة كليوباترا، وأنها كانت كلّ مساء تقف قبالة البحر تنتظر عودته من الغزو، غير أنّ انتظارها أصابها بخيبة أمل، ففي كلّ مرة يحلّ الظلام تعود الملكة إلى قصرها وحيدة وحزينة.

هكذا كانت الأسطورة تقول ولازالت تتناقلها الألسن، وحسب ما سجّلته بعض الكتابات التاريخية وحتّى الاعترافات الشفاهية من سكان المنطقة والصيادين في حديثهم عن "عروس البحر" كعنوان لذلك التّمثال في ميناء المدينة العريقة، إذ لا يمكن تجاوزه إلا وقد فتح باب الأسئلة لمن التمثال وماذا يعني وماهي فحوى قصته؟

تمثال عروس البحر بولاية تيبازة

ثوب الملكة

يفسّر ذلك التّمثال الذي كان رابضًا في ميناء تيبازة في واجهته البحرية، وتمّ نزعه أثناء إعادة تهيئة الميناء منذ أكثر من سبع سنوات، لامرأة تضع يديها على رأسها كما توضّحه الصور، وكأنّها تنتظر عزيزا أو حبيبًا، ما يتداول في المنطقة عن قصة " عروس البحر"، إذ لكلّ قطعة من القطع الأثرية قصة وتاريخ وعمق ضارب في حياة الناس، إذ لا يمكن أن نختزله في صورة أو رسم، بل هو جزءٌ من التاريخ الذي عرفته الجزائر، في حضارة الفينيقيين الذين عاشوا في عدد من المناطق الجزائرية، فعلى الأقل هناك رابط تاريخي وإنساني بين الماضي السحيق والحاضر.

كثيرون انخرطوا في  التعليق على " عروس البحر" التي مثلتها فتاة شابة لافتتاح الموسم السياسي لولاية تيبازة، بتهكم حينًا وبالاستنكار أحيانًا وبرفض الفكرة جملة وتفصيلًا، وبالعودة لقصة التّمثال الذي يشبه تمثال الملكة كليوباترا الموجود في المتحف القديم لمدينة "بازار"، كما يحلو للبعض بتسميتها، فهي الملكة التي أحبّها يوبا حبًا جنونيًا، ونصّب لها تمثال تخليدًا لذاكرة الوفاء والحبّ، لا غير.

جسر بين التاريخ والسياحة

تمثال عروس البحر بولاية تيبازة

رغم التأويلات الكثيرة المتداولة، إلا أنّ منحوتة التمثال أصدق تعبير، كما أفادت سمية لعريبي القاطنة في المنطقة والطالبة الجامعية بكلية الحقوق بجامعة تيبازة لـ"الترا جزائر"، موضحة أن التمثال هو يشبه شكل "عروس البحر" فحين تضع المرأة يديها بتلك الطريقة معناه أنها تنتظر بشغف وصول قادم من عرض البحر، أو تنتظره بكلّ أمل وصبر.

ورأت لعريبي أن افتتاح الموسم السياحي بشاطئ شنوة بولاية تيبازة غرب العاصمة بتلك الطريقة، كان مميزًا ولافتًا لتخليد صفحة من صفحات التاريخ، لها علاقة بالتمثال أو "الملكة الأسطورة"، ورابطتها مع البحر والصيد أو بالأحرى " الغزو" في تلك الفترة.

البعض قرأ الصورة بأنها لا تمثّل المنطقة، وطريقة فاشلة في الترويج للمنطقة السياحية، فيما رأى البعض أنها طريقة ممتعة للترويج السياحي ولكن بابتسامة، كما ذكرت الأستاذة حسينة بن الشيخ في تدوينة فيسبوكية، وقالت: "تبين أن الموطن الأصلي لعروس البحر عندنا.."

أسود وأبيض

هذه التدوينة الفيسبوكية جَلبت بعض المؤيّدين للفِكرة إذ رآها البعض بأنّها "خلاّقة" فيما خلقت تنافسًا بين مختلف متصفحي وسائل التواصل الاجتماعي من مختلف الولايات وخاصة منها السياحية في أفكار الافتتاح لموسم الاصطياف، إذ كل متصفح يحاول إيضاح إمكانيات ولايته السياحية، ما يعطي الانطباع عن ذلك التنوّع الثقافي والاجتماعي لكل مدينة ساحلية في الجزائر.

ففيما دافع البعض عن الفكرة وامتعض البعض الآخر منها، هناك من رفضها رفضًا قاطعًا بل ربطها بالعامل الأخلاقي، واعتبرها غير لائقة في المجتمع الجزائري".

 

إفتتاح موسم الاصطياف من إحدى شواطئ ولاية تيبازة "عروس" البحر في صندوق 🤔

إفتتاح موسم الاصطياف من إحدى شواطئ ولاية تيبازة "عروس" البحر في صندوق 🤔

Posted by Les Palmiers City on Friday, June 17, 2022

بين الأسطورة والحاضر

 الكثير من الأساطير بقيت في شكل حكايات خيالية، جسدته الفتاة اليوم في افتتاح الموسم السياحي، لتتشبه بعروس البحر وتخرج من الصندوق في رمزية البحر وما تجود به الأعماق، لتصنع الفرجة والانتباه لذلك الزيّ الذي ارتدته والذي يشبه إلى حدّ بعيد السمك.

في السابق كانت "امرأة البحر" أو "الملكة الأسطورة" تمثالًا يرمز للوفاء في شكل عروس البحر التي تمثل الحيوانات البحرية الأسطورية، إذ هي حسب الباحثة في التاريخ سلمية بوبنيدر من جامعة الشلف غرب العاصمة الجزائرية من نسج الخيال المتوارث شعبيًا وشفاهيا، مشيرة لـ" الترا جزائر" أن أساسه الخيال وعماده المظاهر الخارقة للعادة.

تمثال عروس البحر بولاية تيبازة

وأضافت بأن " عروس البحر" تعتبر أحد الخيالات التي هرب إليها الانسان لتجاوز صعوبات الحياة ومحن المعيشة في السابق، وأغلب الأساطير تجلب له الفرحة والسعادة وأصبحت متداولة بين الناس والجماعات بل ووظفت في الكثير من المناسبات التاريخية على مرّ الأزمنة.

وحتى تسمية "عروس البحر" ظلّت لصيقة حسب اعتقاد بعض الصيادين بوجود حيوان يشبه الانسان مثلما يذكره علماء البحار، إلا أنها تبقى رمز من رموز السواحل تتقاطع بين الخيال والحقيقة.

الساحل الجزائري يحتوي على الآلاف من القصص والحكايات التي طمستها التكنولوجيا

بعيدًا عن هذا الجدل الذي فرضته تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنّ المجال السياحي جزء مهم من الاقتصاد الوطني، والترويج للمناطق السياحية بات صِناعة يمكن لحرفاء حقيقيين الاهتمام بها، كما يمكن أن تجعل من الوِجهة الجزائرية محطّ أنظار العالم أجمع، خصوصًا وأنّ الساحل الجزائري يحتوي على الآلاف من القصص والحكايات التي طمستها التكنولوجيا،وتحتاج إلى من يفتح صندوق أسرارها التي لم تكشف علنا ولم تكتشف بعد.