27-سبتمبر-2023
 (الصورة: Getty) باعة المفرقعات في أحد شوارع العاصمة

(الصورة: Getty) باعة المفرقعات في أحد شوارع العاصمة

تراجعت مبيعات المفرقعات واختفت طاولات عرضها في الأسواق بشكل ملحوظ في الجزائر، بعدما كانت تملأ الأرصفة  لعقود طويلة، ففي مثل هذا الوقت من كل سنة، تغرق الأسواق والأحياء الشعبية في رائحة البارود والبخور، حيث تتراص طاولات بيع المفرقعات والشماريخ والشموع.

مصطفى زبدي لـ "الترا جزائر": هناك من فقد البصر وهناك من بترت أصابعه أو أطرافه نتيجة الحروق المترتبة عن المفرقعات

إلى هنا، يؤكد الأربعيني ناصر بهال، وهو أب لطفلة واحدة، التقيناه، بساحة الشهداء بالجزائر العاصمة، بالقرب من طاولات بيع المفرقعات، حيث كان موجودًا هناك لاقتناء بعض الألعاب لإبنته بمناسبة المولد النبوي الشريف، حيث يحتفل الجزائريون ليلة الأربعاء بإشعال الشموع وتفجير الألعاب النارية.

يجزم ناصر في إفادة لـ "الترا جزائر" أن كمية عرض هذه الألعاب النارية تراجع بشكل كبير هذه السنة بكافة الأحياء الشعبية، في حين تضاعف سعرها بفارق وصل 50 بالمائة مقارنة مع سنة 2020 على سبيل المثال.

ويبدأ سعر هذه المفرقعات من 100 دينار أي 0.73 دولار للقطعة الواحدة والصغيرة ويصل ثمنها إلى 20 ألف دينار للشماريخ الملونة أو 146 دولارًا، وقد يكون أكثر حسب النوعية والحجم.

شهدت تجارة المفرقعات والألعاب النارية، في الجزائر تراجعًا تدريجيًا خلال السنوات الأخيرة، حيث تتزامن ذروة عرضها مع مناسبة الاحتفال بذكرى المولد في الجزائر، في وقت يجمع مراقبون على أن ذكرى المولد هذه السنة تشهد أقل نسبة لبيع وشراء المفرقعات على الإطلاق منذ أزيد من 20 سنة.
ويرجع الخبراء ذلك إلى تشديد الرقابة على الأسواق السوداء والموازية، والتضييق على مستوردي هذه المواد من جهة، ومن جهة أخرى تركيز الأسر الجزائرية على توفير حاجياتها الأساسية واليومية، في ظلّ غلاء الأسعار، بدل إنفاق مبالغ طائلة على الألعاب النارية.

وسطاء يتحكمون في السوق

إلى هنا يؤكد الأمين العام بالنيابة لاتحاد التجار والحرفيين الجزائريين عصام برديسي في إفادة لـ "الترا جزائر"، أن تجارة المفرقعات في الجزائر تراجعت بنسبة 70 بالمائة، كما قلّت بشكلٍ كبير العائدات والأرباح المحققة من هذا النشاط، حيث حققت في السنوات الماضية مبيعات المفرقعات أزيد من 10 ملايير دينار (73 مليون دولار) كأرباح لأصحابها.

في السياق نفسه، يؤكّد برديسي جاهزية التجار الجزائريين للتنسيق مع الجهات الأمنية من أجل محاربة هذا النوع من التجارة الموسمية على حد تعبيره، قائلًا : "التجار لا يتحمّلون المسؤولية وإنما الباعة الموسميون والمضاربون والوسطاء الذي يستغلون السوق الموازية للمتاجرة بهذا النوع من المنتجات، بعيدًا عن أعين الرقابة".

ويردف المتحدث: "99 بالمائة من المنتجات المتعلقة بالألعاب النارية الخطيرة أو ما يعرف بالمفرقعات مصدرها الصين، التي تشتهر بهذا النوع من الإنتاج وتسوقها لبقية دول العالم بمبالغ منخفضة مقارنة بما تعرضه بعض الدول الآسيوية وحتى الأوربية".

وحسب برديسي فإن المتاجرة بهذه المنتجات عرف تراجعًا في المدة الأخيرة نتيجة الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة للحد منها، مضيفًا أن أغلب هذه السلع المتواجدة في السوق وصلت إلى الجزائر بطريقة غير نظامية من خلال استعمال تصريح جمركي خاطئ باستغلال المنتجات المققنة.
كما شدد الأمين العام بالنيابة لاتحاد التجار على ضرورة تشديد الإجراءات المانعة لهذا النشاط قائلًا: "امصالح الأمنية مطالبة بتكثيف التحريات مع الباعة لمعرفة المصدر والجهات المتورطة في التهريب"، ليضيف في هذا الشأن :"نتوقع خلال السنوات المقبلة زوال هذا النشاط المصنف ضمن خانة التعاملات خارج القانون، في حال تم تشديد الرقابة بشكل أكبر".

أسباب التراجع

من جهته، يقول رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك مصطفى زبدي، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن ظاهرة انتشار المفرقعات في المولد النبوي الشريف تراجعت بشكل محسوس هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية، سواءً من حيث العرض أو الطلب وذلك راجع لسببين رئيسيين، الأول يتعلق بقلة عرض الألعاب النارية والمفرقعات في السوق نتيجة تشديد الحكومة إجراءات الجمركة والأمن لمنع دخول هذه السلع، باعتبار أن المتاجرة بالمفرقعات  مجرّم في القانون الجزائري، على حدّ قوله.
ويضيف المتحدث :"تقرر قبل حوالي خمس سنوات تشديد الرقابة على نشاط الحاويات والموانئ وفرضيات تمرير هذه المواد عبرها، الأمر الذي أدى إلى قلة العرض، والذي قابله ارتفاع أسعار هذه السلع الممنوعة".
وعلى سبيل المثال يقول المتحدث: "بلغ سعر كيس صغير من المفرقعات أزيد من 3 آلاف دينار جزائري".
أما السبب الثاني، يستطرد رئيس منظمة حماية المستهلك فيرجع إلى ارتفاع نسبة الوعي بمخاطر هذه الألعاب لدى الأسر الجزائرية، التي أدركت الخسائر المالية أيضًا التي تتكبدها نتيجة اقتناء هذه المفرقعات.

في مقابل ذلك، حمل زبدي الأولياء المسؤولية الكاملة عن الحوادث التي يتعرض لها الأطفال نتيجة استعمال المفرقعات في احتفالات المولد في الجزائر، وضرب مثالًا عن ذلك بالحوادث الخطيرة التي تسجل ليلة الاحتفال بالمولد النبوي وارتفاع عدد الإصابات بالحروق لدى الأطفال وحتى كبار السن قائلًا: "هناك من فقد البصر والبعض الآخر بترت أحد أصابعه أو أطرافه نتيجة الحروق المترتبة عن المفرقعات" .

تشديد العقوبات
إلى هنا، يقترح رئيس منظمة حماية المستهلك، تشديد العقوبات على المستوردين والمتاجرين بهذه السلع، قائلًا: "هؤلاء المستوردون يتحملون جزءًا كبيرًا من المسؤولية لذلك وجب تشديد العقوبات لتفادي تحول ليلة الاحتفال بذكرى مولد خير خلق الله الى حالة استنفار كبرى من رجال المطافئ وكذا الأطباء في المستشفيات، حيث ستكون في هذه الحالة خسائر احتفالات المولد جمة".

يقترح رئيس منظمة حماية المستهلك، تشديد العقوبات على المستوردين والمتاجرين بهذه السلع

وفي النهاية يبقى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عبر إحياء سنن خير خلق الله أسمى من المظاهر الدخيلة التي شهدتها الأسر الجزائرية طيلة سنوات من الزمن، حيث كانت تشير التقارير في الماضي إلى حرق ما يزيد عن 10 مليار دينار كمفرقعات وألعاب نارية في ليلة واحدة، وهو ما يوازي 73 مليون دولار، حيث يصف خبراء وأخصائيون ذلك بالخسائر الكبرى التي لا تتناسب ووضع الأسر الجزائرية التي تشتكي من غلاء أسعار المواد الأساسية وانخفاض القدرة المعيشية من جهة، لتناقض ذلك من جهة أخرى بحرق مبالغ جزافية في ليلة واحدة.