29-يناير-2024
 (الصورة: Getty)

سوق فرحات بوسعد بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أفرزت أزمة تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار بشكلٍ متسارع، إلى ظهور نشاطات وسلوكيات لدى المواطن الجزائري، سعيًا إلى تأمين مصاريف إضافية، نتيجة تآكل الأجرة الشهرية والبحث عن الكسب المادي الإضافي، فالراتب الشهري للموظف والعامل الجزائري، سواءً الذي ينشط سواءً في القطاع العمومي أو القطاع الخاص، لم تَعُد تلبي احتياجات عائلتها، حتى ولو كانت متكونة من أسرة متوسطة العدد.

ساعدت الوسائل التكنولوجية والتقنية المتوفّرة في تأمين نشاط ثانوي مُربح لكثيرين رغم ما يفرضه ذلك من إنهاك جسدي وتعب وتراجع للمردودية

هنا، يجلس سامي، وهو شاب في عقد الثلاثينات من العمر، بالكافيتريا الموجودة على مستوى المركز التجاري الواقع بباب الزوار، منتظرًا وصول إشعار ٍعبر تطبيق “يسير" لتقديم خدمة النقل عبر سيارته الخاصّة.

يعمل الشاب في مؤسسة عمومية بدوامٍ ليليٍ، وقد اختار عمدًا هذا التوقيت، ليجد وقتًا للعمل في الفترة الصباحية، ويتمكن من إيجاد نشاط ثانوي، يكتسب منه المال ويحسّن به مدخوله، رغم أن ذلك ينال كثيرًا من راحته ومجهوده.

يقول سامي في حديث "التر جزائر" إنه يتقضى حوالي 45 ألف دج شهريًا، من الوظيفة، مضيفًا أن معدل استهلاك الأجرة الشهرية لا يتعدى أسبوعين كأقصى تقدير، وهو ما دفعه إلى البحث عن نشاط موازٍ مٌربح ماديًا، يُعينه على تسديد احتياجاته الأساسية.

وتابع أنه خلال فترة العزوبية استطاع ادّخار بعض من المال واقتناء سيارة، ويعد عقد قرانه وزيادة مصاريف البيت، لم يعد هناك أي إمكانية لادخار قسط من المال، فضلًا على تحمله تكاليف إضافية كالبنزين وقطع الغيار وتأمين السيارة غيرها.

إلى هنا يقول سامي: فكّرت في استثمار سيارتي في خدمة النقل عبر التطبيقات المتوفرة، على الأقل أحاول ادخار قسط من المال أو تسديد تكاليف السيارة"ويعترف محدثنا أن الوظيفة الثانية ورغم أنها متعبة نوعًا ما، غير أن أتعاب الحياة أرهق وأشد، على حدّ تعبيره.

السعي وراء الكسب

"الخدمة الواحدة لم تعد تكفي" هكذا علق ممرض يشتغل في الصحة العمومية يدعى ياسين (اسم مستعار)، راتبه الشهري لا يتجاوز 40 ألف دينار، يقول "الترا جزائر" إن الوظيفة الثانية تساهم بشكل حسن في تدعيم مدخوله الشهري.

وأضاف أن نشاطه الثانوي ورغم أنه غير مرخّص، إلا أن الظروف الصعبة التي نعيشها نتيجة التضخّم وارتفاع تكاليف الحياة وتراجع قيمة الدينار. وتابع أن عمله المؤقت في العيادات الخاصّة يسمح له بتأمين دخل إضافي يتراوح ما بين 3000 إلى 3500 دج للدوام اليومي.

وبخصوص التوفيق بين عمله المقنن ونشاطه غير المرخّص، قال المتحدث إن عمله في العيادات الخاصة لا يتجاوز دوامًا واحد طيلة أسبوع، وفي الغالب يختار أيام العطل أو الراحة، وقد الأمر يتجاوز المداومة الواحدة، وهذا خلال فترات تزداد فيها مصاريف العائلة، كالأعياد أو الدخول الاجتماعي والمدرسي أو الرغبة في ادخار بعض من المال، على حدّ تعبيره.

وكشف محدثنا أن الوظيفة الثانية هي خيار أصبح يعتمده الكثير من الموظفين في القطاع العام، مدام هناك دافع وسبب، معتبرًا أن السعي وراء الكسب الحلال أفضل من الكسل والاتكال والعجز حتى ولو كانت وظيفة إضافية.

القطاع العام متعب

وفي سياق متصل، يرى متتبعون أن القطاعات التعليمية والاستشفائية تُشكّل مخزونًا هائلًا لأصحاب الوظائف الثانية، نظرًا إلى حالة التعب المالي والبحث عن تسديد أتعاب الحياة ومواجهة مصاريف الكراء والنقل والإفطار خارج البيت أو توفير بعض الكماليات للعائلة أو الأطفال.

هنا، تقول سيدة تعمل في القطاع التعليمي في منصب أستاذة (رفضت الكشف عن هويتها) إن النشاط الثانوي في القطاع التعليمي الخاص أصبح ضروريًا.

وبخصوص احتمالية تراجع مردوديتها التعليمية في القطاع العام، كشفت مُحدثة "التر جزائر" أن الأمر يتوقف على عامل تجربة، موضّحة أن التجربة التعليمية المكتسبة عبر سنوات، تجعلها تدير طاقاتها ومواردها النفسية والعقلية بشكلٍ أفضلٍ، على حدّ تعبيرها.

وأضافت أنه في السابق "لم تستهوني فكرة تقديم دروس في مؤسسات تعليمية خاصّة، لكنّ الظروف دفعتني إلى خيار الوظيفة الثانية لتسديد كراء البيت والتكفل الأفضل بالأطفال".وعلّقت المتحدثة، أنها تفضل الإنهاك الجسدي والعقلي على عوزها وحاجتها للمال.

يرى متتبعون أن القطاعات التعليمية والاستشفائية تُشكّل مخزونًا هائلًا لأصحاب الوظائف الثانية

يندفع كثير من الشباب الجزائري، إلى البحث عن مدخول الإضافي ويفتشون عن وظيفة ثانية، وقد ساعدت الوسائل التكنولوجية والتقنية المتوفّرة في تأمين نشاط ثانوي مُربح لكثيرين رغم ما يفرضه ذلك من إنهاك جسدي وتعب وتراجع للمردودية، وربّما يكون عدم الاعتماد على الدخل الواحد أو المعاش المحدود، حلًا مؤقتًا لتجاوز الفترات العصيبة، إلا أنه قد يؤخّر التحركات الاقتصادية نحو تحسين القدرة الشرائية، ويؤثر بشكلٍ كبير على سوق العمل ومناب الشغل.