04-فبراير-2024
 (الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

"هذه جدّتي وهذا جدّي رحمهما الله، أتذكّر أن مناسبة الصورة بالأبيض والأسود بحسب رواية الوالدة، توثّق لحظة عودتهما من الحجّ، لقد كان أبي سعيدًا وهو يتوسط والديه، إذ هي الصورة الوحيدة التي تخلّد الذكرى وتحتفظ بتلك الفرحة عندما توسطهما، بل هو الوحيد الذي فاز بها بين إخوته".

لم تعد فكرة ألبوم الصور العائلي رائجة بكثرة، مع ظهور الهواتف النقالة وآلالات التصوير الحديثة وتوثيق اللحظات على مواقع التواصل الاجتماعي

كان الحفيد محمد رشيد يتحدث إلى صديقه، مع ابتسامات حول شكل ولون الصورة القديمة جدًا، بعدما تمكّن هو الآخر من أخذ صورة من ألبوم والده وأعاد تصوريها بهاتفه الجوّال ووضعها أمامه وهو يضحك، وعلق قائلًا: "كانوا رائعين، والدي يحتفظ بصور قديمة في ألبوم الصور التاريخي" على حدّ تعبيره، يمتلك بين صفحاته البلاستيكية مختلف لحظات أرشيف العائلة كاملًا، صور للأفراح والأعراس وحفلات الطّهور والحنّة وتوزيع المشروبات الغازية على الحي كاملًا بفرحة نجاحه نيل شهادة الباكالوريا في سنة 1987، ولا ينسى أن يكرّر في كل مرة أن كان له شرف حمل اسم جده.

لم تعد فكرة ألبوم الصور العائلي رائجة بكثرة، مع ظهور الهواتف النقالة وآلالات التصوير الحديثة وتوثيق اللحظات على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما شكلت التكنولوجيا الحديثة قطيعة مع كل ما هو ورقي وملموس، حيث يحتفظ كثيرون بألبوم صورهم في هواتفهم النقالة، غير أنها كثيرًا ما تضيع بسبب ضياع الهاتف أو تحطمه أو تعرضه لعطب ما، فيرحل مزق من الذكريات الجميلة في تاريخ العائلة دفعة واحدة.

يشبه ألبوم العائلة القديم كثيرًا "حجر رشيد"، ذلك الذي فكك طلاسم الحضارة المصرية، لاحتوائه على نص مترجم بثلاث لغات هي الهيروغليفية واليونانية والديموطيقية،  وهو ما يفعله ألبوم الصور العائلي اليوم، حيث يقبض على اللحظات المنسية، ويفك أجحية الذكريات المنفلتة، ويفسرها للأجيال المتعاقبة، فكأنه يعمل على إضافة الأحجار المفقودة من تاريخ الأسر المنسي، ويعيد تركيبها في مشهد واحد ليعطي صورة أوضح عن العلاقات العائلية.

ثروة عائلية

كثيرون يحنُّون إلى صور "الزمن الجميل"، ربما كل الصورة القديمة جميلة لارتباطها بذكريات الإنسان وماضيه وشبابه، فهي تسافر به إلى سنوات طويلة ماضية، وربما إلى أكثر من نصف قرن، تُشعرهم بالدفء والطمأنينة، كما يقول رياض سلامي لـ" الترا جزائر"، إذ تعوّد على الرجوع إلى "صور الألبوم العائلي" في مناسبات محددة كالأعياد مثلًا، عندما تلتئم شمل العائلة الواحدة، ويبدأ كل شخص يفتح ذلك الألبوم القديم في فُرجة لا تضمنها أيّة وسيلة إعلامية حديثة.

يضمّ بين صفحاته العشرات من الصّور، إذ غالبًا ما تكون بالأبيض والأسود أو بالألوان الباهتة، مع انتباه البعض إلى كتابة تاريخ التقاط الصور في ظهرها، حتّى لا تضيع منهم ذكراها، كما تظهر أغلب هذه الصور العفوية الظاهرة في أغلبها، لكن هو ألبوم عائلي يوجد واحد منه فقط وغالبًا ما يكون في البيت الكبير أو عند الأخ الأكبر.

إلى هنا، تتذكر سامية بن صالح في حدثيها لـ" الترا جزائر"، أن ألبوم العائلة مخبأ في بيت الوالد رحمه الله، وهو من " يوثق اجتماعات العائلة في المناسبات والأعياد.

مضيفة أنها تعود إليه مرة على مرة، لتفرح وتضحك أو نتذكر ذكريات الصبى والشباب، إذ يشكل بالنّسبة لها "إرثًا عظيمًا" وثروة حقيقية، لأنه يحمل ذكريات العائلة لما كان الأخوة صغارًا، ويشتمل على فترات من حياتهم، وغالبًا ما يؤرخ لمرحلة من مراحل الولادة، الطهارة، الخطبة، الزواج، النجاحات، وغيرها من الصور التي تضم أيضًا، خرجات العائلة للبحر.

كتجربة شخصية، تقول السيدة بن صالح (57 سنة) لـ" الترا جزائر" إنّها تحتفظ بالكثير من الصور لأخوتها ووالديها في ألبومها الخاص، ثم ضمنته أيضًا صور ًا لأولادها الصغار، تضيف كم كانت رحلة البحر من قريتي إلى جيجل مثلا تشبه "سفرية الأحلام"، لأننا "نحضر للرحلة الجميلة بالأسابيع، وتكون مليئة بالغناء والصخب واللعب، لذلك كانت هي ورفاقها من أخوتها ينتظرونها بفارغ الصبر ويقومون بتوثيق لحظاتها الجميلة بالصور التي يلتقطها أحد المصورين المتجوّلين على شواطئ جيجل وقتها، و"نفرح عندما نستلمها مباشرة أو ننتظره حتى يجهزها لنا".

القديم -الجديد

تحت شعار "الجديد حبُّو والقديم لا تْفرِّط فيه"، يخوض كثيرون في موضوع "الألبوم" لأنه حسبهم فرصة أتيحت لهم للحديث عن الدفء الذي يفتقده الكثيرون اليوم رغم تطور وسائل التقاط الصور وتوثيق الأحداث وسهولتها أيضا.

وحول ذلك، يقول محمد الطاهر فراجي لـ" الترا جزائر"، إنه الفرحة والوجع في الوقت نفسه، إذ يقدم الألبوم العائلي مختلف تفاصيل الحياة الغائبة اليوم، بل وتعني له الكثير، خاصّة كونه قد فقد والديه حين كان صغيرًا، ويُحاول أن يسترجع ذكرياته دومًا بالاحتفاظ بصورتهما رغم أنه كبر واستطاع أن يؤسّس بيتًا وأسرة من ثلاثة أولاد، إلا أن "ذاكرة الوالدين يبقى الألبوم هو الوحيد الذي يسترجعها". 

صفحة من تاريخ

الألبوم الورقي، ثقافة وجزءٌ من صفحات تاريخ الأسر وسنوات تقدم أبنائها في العمر، وذكرياتهم الجميلة ولحظات نجاحاتهم وأفراحهم، إلا أن كثيرون يحنون إليه ويفتقدونه اليوم، كما يغيب في البيوت مع حضور الهواتف وشبكة الإنترنت، بل يعتبره كثيرون بأنه مجموعة من الخيوط الرفيعة التي تحافظ على تماسك العائلة وتلمّ شملها، بعدما بدأ النسيج الاجتماعي يتمزّق بسبب وسائط التكنولوجيا الحديثة.

وفي هذا المضمار، تقول أستاذة علم الاجتماع كريمة سلماني لـ" الترا جزائر"، إن ألبوم الصور الورقية يشبه "عنوان البيوت" لا تتغير مع تغير الزمن، إذ يحاول كثيرون العودة إليه كلما شعروا بالوحدة، أو كلما حدث أمر سلبي، أو محاولة دغدغة الذاكرة وإيقاظها".

الصور القديمة التي يحفظها ذلك الألبوم تغيب اليوم من أجندة بيوت الجزائريين، رغم أنها طريقة جميلة في تعويد الأبناء على الحفاظ على تماسكهم من خلال أرشيف حياتهم العائلي، وعلاقاتهم المقربة والصداقات والأحداث أيضًا، فالهاتف كثيرًا ما يعطي الانطباع بالسجن، بسبب ضرورة الشاحن والذاكرة الخلوية للحفاظ بعدد أكبر من الصور.

رغم أن الهاتف الجوال أسهل وأسرع في التقاط الصور وتعديلها أيضًا، إلا أنه لا يضمن للأفراد ميزات متعددة على رأسها خاصية تربط بين الحنين والألفة التي يضمنها في المقابل من ذلك ألبوم الصور، إذ تعتبره الأستاذة سلماني جزء من أجزاء حياة الأفراد ويظهر حقيقتهم دون زيف أو تجميل.

غالبًا ما تكون صور الألبوم الورقية التقطت بالصدفة ولم تكن مبرمجة ولا تُضاف إليها التعديلات

في لمة العائلة، تعود بعض الذكريات ويجذبنا الألبوم المخبأ في ركن من أركان البيت، فصور الألبوم الورقية، التقطت غالبًا بالصدفة ولم تكن مبرمجة ولا تُضاف إليها التعديلات من ألوان وخطوط وخصائص مسح الخدوش التي صنعها الزمن واستطاعت التكنولوجيا تلافيها بالكثير من الخيال، فتكون بعيدة واقع الزمن الجميل، ولا تحمل في تفاصيلها الكثير من الذكريات.