07-أكتوبر-2020

تعديل الدستور كان أبرز الوعود الانتخابية للرئيس عبد المجيد تبون (الصورة: رئاسة الجمهورية)

تشهد الساحة السياسية في الجزائر انقسامًا حادًا بين ثلاث كتلٍ من القوى السياسية، بشأن مسودة الدستور المعروض للاستفتاء الشعبي في الفاتح من شهرتشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حيث تؤيّد الكتلة الأولى مسودّة الدستور وتدعو الجزائريين الى التوجّه بقوة إلى صناديق الاقتراع والتصويت لصالح التعديلات، وكتلة ثانية تدعو إلى الذّهاب للتصويت ضدّه، فيما تعتبر كتلة ثالثة نفسها غير معنية به بسبب آلية صياغته دون تشاور مباشر مع القوى السياسية.

 تُعلن كتلة سياسية كثيرة عن رفضها لمسودّة لدستور بسبب مضمونها المخيب لانتظاراتها

تموقع من جديد

مع انطلاق الحملة الانتخابية للاستفتاء الشعبي على الدستور، تُنهي الأحزاب السياسية الموالية للسلطة آخر استعداداتها لتنظيم الحملة وحشد كوادرها للنّزول الى الشارع لإقناع الشعب بالمسودّة الدستورية وبأهمية المشاركة في الاستفتاء الشعبي، اذ أطلق حزب "جبهة التحرير الوطني" حملته مبكّرا، ونظّم قبل ذلك تجمُّعًا لإطارات الحزب في منطقة وهران غربي البلاد، نشّطته القيادة الجديدة للحزب والأمين العام أبو الفضل بعجي، والذي أشاد  بما وصفها "الخصائص الايجابية للدستور، وتوسيعه لهوامش الحقوق والحريات والفصل بين السلطات وتعزيز السلطة القضائية".

اقرأ/ي أيضًا: استفتاء تعديل الدستور في الفاتح من نوفمبر القادم

لكن الحزب الذي طالبت مظاهرات الحراك بحله لدوره في تبرير سياسات السلطة منذ عقود، ولكون التسمية "جبهة التحرير الوطني"، رمزًا تاريخيًا مشتركًا بين كل الجزائريين، يجد في الاستفتاء فرصة كبيرة لردّ سمعته الشعبية، وهو ما وصفه بعجي "بالرد على الأصوات المنادية بإحالة الحزب على المتحف".

 "التجمع الوطني الديمقراطي"، وهو ثاني كبرى الأحزاب الموالية للسّلطة، كان قد أعلن قبل فترة قصيرة عن تنصيب هيئة مديرة لحملة الاستفتاء على الدستور، وانخراطه بقوّة في الحملة الانتخابية لصالح الدستور، وحثّ التجمّع الجزائريين على المشاركة في الاستفتاء والتصويت بنعم على الدستور، ويصف التجمّع الدستور الجديد بأنه "توافقي يعزز مقومات الشعب"، كما  أعلنت رئيسة حزب "تجمع أمل الجزائر" فاطمة الزهراء زرواطي، التي انتخبت قبل أسبوع على رأس الحزب في مؤتمر صحافي أن حزبها سيشارك بكامل كوادره ونوابه في البرلمان ومكاتبه الولائية في حملة التعبئة الشعبية لصالح الاستفتاء، وحثّ الجزائريين على التصويت بنعم على مسودة تعديل الدستور.

وبرأي زرواطي، فإن "مضمون الدستور الجديد يترجم في غالبيته توافقًا كبيرًا يأخذ بعين الاعتبار ظروف الجزائر الحالية، و لبنة أساسية لبناء الجزائر الجديدة تعزّز من صلابة البناء الوطني"، ودعت القوى السياسية الى تجاوز ما وصفتها "بالخلافات الهدّامة"، كما أعلن حزب التحالف الجمهوري الموالي دعمه للدستور ومشاركته في التعبئة لصالحه.

ويدعم الدستور أيضًا حزبان من التيار الإسلامي، "حركة البناء الوطني" التي دعت إلى المشاركة في الاستفتاء، كما صوتت كتلتها النيابية على الدستور خلال جلسة المصادقة عليه في البرلمان في 15 سبتمبر أيلول الماضي، اضافة الى حركة الإصلاح الوطني، والتي قرر مجلسها الوطني دعم المسودة، وقال رئيس الحركة فيلالي غويني في لقاء صحفي ان دعم مسودة الدستور والتصويت بنعم على هو "استجابة للواجب الوطني ولمقتضيات النضال وتلبية لتطلعات المواطنين ولتكريس دولة الحق والقانون والحريات والمؤسسات الشرعية".

في السابع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، انطلقت الحملة الانتخابية للاستفتاء على الدستور وتستمرّ حتى الـ 28 من الشهر الجاري، ووضعت سلطة الانتخابات شروطًا خاصة للأطراف التي يمكنها تنشيط الحملة الانتخابية، وهم الوزراء والأحزاب السياسية فقط التي تحوز على كتلة برلمانية والجمعيات الوطنية والتنظيمات المدنية ذات تمثيل فعلي على مستوى 25 ولاية على الأقل، والشخصيات السياسية.

خيبة أمل

في مقابل هذه الكتلة، تُعلن كتلة سياسية أخرى عن رفضها لمسودّة لدستور بسبب مضمونها المخيب لانتظاراتها، ودعت الجزائريين إلى التصويت ضد المسودة بـ "لا"، وآخر حزب سياسي أعلن رفضه للدستور هي "جبهة العدالة والتنمية" الإسلامي الذي عقد الجمعة الماضي مجلسه الوطني، أعلن خلاله رئيس الحزب عبد الله جاب الله، أن الدستور الجديد هو "أكبر فتنة يسجل في تاريخ الجزائر، وهو دستور سيؤسس لما يعمق الأزمات وليس لحلول لمشكلات البلاد، وهذه يفرض على كل من يدافع عن الهوية الوطنية الى اتخاذ موقف تاريخي من الدستور".

من جهتها، كانت "حركة مجتمع السلم"،  قد دعت الجزائريين إلى التصويت بـ "لا" على مسودة الدستور، وأصدر مجلس شورى الحزب الإسلامي بيانًا حثّ فيه الناخبين على التصويت ضدّ مسودة الدستور لكونه "مشروعًا غير توافقي واللجنة التي أعدته غير تمثيلية، وبسبب عدم الأخذ بالمقترحات التي قدمتها (حمس) ومنها تحديد طبيعة النظام السياسي وتعيين رئيس حكومة من الأغلبية، ولوجود فقرات مسمومة تهدّد الهوية منها حيادية المدرسة".

كما دعت قيادات في الجبهة الاسلامية للإنقاذ المحظورة، إلى التصويت ضدّ الدستور وإسقاطه عبر الصناديق، بسبب ما تعتبره ضمانا لاستمرار النظام وتأجيل التغيير، وفي السياق نفسه، دعت مجموعة أحزاب قيد التأسيس انبثقت من الحراك إلى رفض  الدستور، كحركة "عزم" المحافظة، والتي أعلنت في بيان سابق "رفضها النهج المفضي إلى المشروع التمهيدي للدستور، واعتبرته نهجًا خاطئًا غداة طرحه"، كما أعلن حزب "حركة المجتمع الديمقراطي" بقيادة المرشح الرئاسي السابق خرشي النوي، أن مسودة الدستور الجديد خطير لتضمنه بنودًا ومواد تناقض القيم المجتمعية، ودعا إلى رفض شعبي له في الاستفتاء، وعارض حزب السيادة الشعبية بقيادة العقيد السابق في الجيش أحمد شوشان المسودة ودعا إلى إسقاط الدستور والتصويت ضدّه.

رفض كلي للمشروع

بين الكتلة الرافضة والمؤيّدة، تقع كتلة ثالثة لم توافق على الية صياغة الدستور، ورفضت المشاركة في المشاورات غير مباشرة حوله، وهي تدعو الجزائريين إلى مقاطعة هذا الاستفتاء، إذ أعلنت "جبهة القوى الإشتراكية" بشكلٍ واضح رفضها المبدئي لمسار صياغة هذا الدستور، وقال السكرتير الأوّل للحزب يوسف أوشيش بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب أن "جبهة القوى الاشتراكية غير معنية لا من قريب ولا من بعيد بهذا الاستفتاء الذي يرمي لإعطاء شرعية جديدة للسلطة، والسلطة عازمة على تمرير دستور جديد أعدّته مجموعة خبراء بطريقة غير ديمقراطية، وحرمت الشعب مرة أخرى من ممارسة حقه في تقرير مصيره بكل حرية".

أعلن "حزب العمال" رفضه لاستفتاء الدستور، بسبب ما يصفه انفرادًا للسلطة بصياغته

من جهته، أعلن "حزب العمال" رفضه لاستفتاء الدستور، بسبب ما يصفه الحزب بانفراد السلطة بصياغته، وحذّر الحزب في اجتماعه الأخير من أن الاستمرار في خيار السلطة على هذا المنحى "سينتج مزيدًا من التفسخ وسينتج الفوضى والفساد، لأن السلطة الحالية هي استمرار للسلطة السابقة؛ لأنها لم تحدث القطيعة مع الممارسات السابقة"، وأبدى "التجمّع من اجل الثقافة والديمقراطية" موقفًا متشددًا من هذا الدستور، ودعا إلى مقاطعة الاستفتاء لأنّه يوفر شرعية سياسية جديدة للسلطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون: الشعب الجزائري هو من يقرّر تبنّي أو رفض الدستور

مشروع تعديل الدستور ..هل يتنازل الرئيس عن صلاحياته؟