17-سبتمبر-2023
كوارث

(الصورة: Getty)

يبدو أن إعصار دانيال بليبيا الذي تسبّب في خسائر بشرية تجاوزت الـ11000 قتيلًا وزلزال المغرب الذي أودى بحياة 2946 شخصًا وإصابة و6125 آخرين (إلى الآن)، دفع اليوم بحكومات دول المتوسط، بما فيها الجزائر لاتخاذ إجراءات صارمة وخُطَطٍ استباقية لمواجهة الكوارث الطبيعية.

مشروع قانون الوقاية من الكوارث الكبرى يقترح إنشاء منصّة رقمية وطنية تضمّ أنظمة إنذار أكثر دقّة للتحذير

ورغم تجربة زلزال بومرداس في الجزائر سنة 2003، والذي أعقبه اتخاذ إجراءات صارمة في تشييد السكنات وإنجازها بطريقة مقاومة للزلازل، وحتى قبلها فيضانات باب الوادي سنة 2001، إلاّ أن الخبراء يُجمِعون على أنه لا يزال الكثير أمام السلطات، للاستفادة منه حول كيفية التعايش مع الكوارث الطبيعية.

كل هذه الظروف قادت الحكومة مؤخرًا لصياغة نص جديد حول مواجهة الكوارث، يوجد على طاولة البرلمان، فما الذي سيقدمه مشروع القانون الذي سيناقشه النواب قريبًا؟ وهل الجزائر مهددة فعلًا بالكوارث الطبيعية؟

الجزائر ليست بمنآى عن الكوارث

وفي السياق، يؤكد الخبير في علم البيئة والمحيط بمركز البحث وتهيئة الإقليم، مرداس الصيفي، لـ"التر جزائر" أن "الجزائر ليست بمنآى عن المخاطر الكبرى الناجمة عن تغير المناخ بمنطقة شمال أفريقيا والبحر المتوسط".

ليردف: "خطر الحرائق والفيضانات مطروح دائمًا، الأمر الذي يتطلب من السلطات استباق إجراءات الحيطة والحذر."

ويوضح الخبير مرداس أنّ "الأخطار الناجمة عن تغيرات المناخ لها آثار كبيرة على الإقليم والأنظمة البيئية"، والأمر حسبه، "لا يقتصر فقط على دول بعينها بل يمس أغلب مناطق العالم حتى تلك غير المصنفة ضمن المناطق المهددة بالكوراث."

وتنعكس تغيرات المناخ والإقليم على طبيعة المناخ ويظهر ذلك جليًا، يقول الخبير، في "ارتفاع درجات الحرارة فوق معادلتها الطبيعية ونقص تساقط الأمطار وتقلص الموارد المائية وتكرر نشوب الحرائق وفقدان التنوع البيولوجي."

وحسب مرداس فإنّ "الجزائر عُرضة لهذه التغيرات الأمر الذي يحذر منه الخبراء والمختصون لاسيما الفيضانات سواءً في الشمال أو في الجنوب والسهول، إضافة إلى الحرائق وانزلاقات التربة والجفاف"، معلّلًا: "بعد الإعصار الذي ضرب ليبيا، فإنّ منطقة البحر المتوسط ستعرف مستقبلًا تشكُّل بعض أنواع الأعاصير ".

ويقول الصيفي إن "تغيرات المناخ واقع لا مفر منه، لكن وجب مواجهة انعكاساته على الإقليم من خلال تبني برنامج لتسيير المخاطر،  مع منح الأولوية لحياة الانسان التي يفترض حمايتها بكل السبل."

ويضيف المتحدث: "في حال حدوث كارثة طبيعية، فإن الدولة مطالبة  بتسييرها من خلال تحديد النقاط الآمنة على المستوى المحلي وهي المناطق التي يمكن التوجه إليها، مع ضرورة تتبع النصائح والارشادات وتوفير العناية الطبية والإسعافات."

الخبير مرداس الصيفي، لـ"التر جزائر": تغيرات المناخ واقع لا مفر منه لكن وجب مواجهة انعكاساته على الإقليم بتبني برنامج لتسيير المخاطر

ويجب أن يتضمن مخطط الحكومة لتسيير المخاطر، توفير ملاجئ على مستوى كل إقليم وإشراك المواطنين في تسيير الكارثة، بحسب الخبير في علم البيئة والمحيط.

ولا تتوقف عملية تسيير المخاطر عند إسعاف المصابين فقط، بل تتجاوزها إلى مرحلة تقييم الخسائر وإحصاء المتضررين من أجل التكفل بهم والإعداد أيضا لمرحلة التعمير، يكمل محدّث "الترا جزائر".

ومن أجل التقليل من حجم الأضرار، يقترح الخبير، وضع تطبيقات ذكية على الهواتف للتحذير من وقوع الكارثة، حيث يمكن رصد على سبيل المثال الفيضانات الناجمة عن الأودية لتنبيه الساكنة والمواطنين بمغادرة المكان فور حدوث الكارثة.

ومن بين الإجراءات الواجب اتخاذها تحديد مسارات إجلاء السكان وتطبيق نظام الإنذار المسبق وتشييد بنايات مضادة للزلازل.

مخطط حكومي

إلى هنا، أقرّت الحكومة عبر مشروع قانون جديد يعدل القانون 24-0 المؤرخ في 25 كانون الأول/ديسمبر 2004 والمتعلق بالوقاية من المخاطر الكبرى وتسييرها المتواجد على طاولة البرلمان، إجراءات جديدة لمواجهة المخاطر الكبرى.

ويتضمن المشروع الذي اطلع "الترا جزائر" على مواده إشراك القطاعات الوزارية المعنية بالمخاطر على غرار الداخلية والصحة والفلاحة في تبني مخطط سريع لمواجهة الخطر، والذي تم توزيعه على 3 مراحل.

وتتمثل المرحلة الأولى في التركيز على التدابير الوقائية للإنذار المُبكّر قبل حدوث الكارثة من خلال اعتماد نشريات خاصة وواضحة تظهر حجم الخطر وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية، وهي الأرصاد الجوية والمراكز المختصة في تحديد الأخطار.

وتعنى المرحلة الثانية بتعبئة الوسائل البشرية والمادية للحد من حجم الكارثة وتوفير وسائل ومعدات وتكوين عناصر بشرية مختصة في الإنقاذ والتدخل السريع.

أما المرحلة الثالثة، فيُطلق عليها مرحلة التعافي والتقليل من حجم الأضرار، كما تشمل إحصاء المتضررين وإعداد مخطط وطني للتعمير.

وأقر المشروع أيضا ضرورة إعداد برنامج سنوي موجه للمجتمع المدني، يضمن التحسيس والتكوين والرفع من مستوى قدرات المجتمع المدني الذي يعد حسب المشرع الجزائري عنصر فاعل في احتواء الأزمة، كما ينص المشروع على أهمية إعلام المواطنين بالأخطار القادمة.

وتضمّن المشروع إنشاء منصة رقمية عبر كافة ولايات الوطن تضم أنظمة إنذار، تعتمد على نشرات جوية أكثر دقّة للتحذير، خاصة من وقوع فيضانات أو حتى أعاصير.

ترحيل سكان الأودية

من جانبه يطالب النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، ربحي أحمد، الحكومة بإعادة النظر في البنايات التي تُشيّد على ضفاف الأودية الناشطة لما تشكله من خطر على حياة المواطنين.

وقال ربحي إن "خطر الفيضانات قائم في الجزائر نظرًا لما تعيشه المنطقة المغاربية من تغييرات مناخية تتطلب من الحكومة أخذ احتياطات استباقية خاصة ما تعلق بالفيضانات فالكثير من السكنات حسبه مشيدة تحت الأودية الناشطة."

ونفس الشئ فيما يخص الزلازل، فالمطلوب من السلطات "الأخذ بعين الاعتبار نوعية السكنات التي تبني في المناطق المعروفة بالنشاط الزلازلي"، مشيرا إلى أنّ "العالم تغيّر بفعل الاحتباس الحراري الأمر الذي أدى إلى تغيّرٍ كبير في المناخ لاسيما وأن هذه التغييرات تؤدي إلى حدوث كوراث طبيعية على غرار الزلازل والفيضانات"، ومؤخرًا، يقول ربحي، "شهدنا الإعصار الأول من نوعه في حوض المتوسط."

برلماني عن "الأفلان": الحكومة مطالبة بإعادة النظر في البنايات التي تُشيّد على ضفاف الأودية الناشطة لما تشكله من خطر على حياة المواطنين

وفي السياق، دعا المتحدث  الحكومة إلى "تحسين فَهْمِ الخطر الزلزالي من خلال تعزيز أنظمة المراقبة والإنذار المُبكر وتعميم الدراسات وإدراجها في المناهج العلمية والدراسية وإشراك المجتمع المدني وكل الأطراف المعنية، الى جانب تفعيل التكنولوجيا الحديثة."

وختم ربحي حديثه بأن أخطار الكوارث تكلّف الخزينة العمومية ما يقارب 35 مليار دينار سنويًا أي 255 مليون دولار، وهو ما يستوجب، حسبه، مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية للمخاطر الكبرى.