31-أغسطس-2022

(صورة أرشيفية/ فيسبوك/الترا جزائر)

مع التحضير لافتتاح الدورة البرلمانية الجديدة بتاريخ 4 أيلول/ سبتمبر الجاري، انتفض نواب وسيناتورات ضد تمرير القوانين بصيغة الاستعجالي، وأعرب عدد منهم عن قلقه من استمرار سياسة المناقشة المحدودة والجلسة المغلقة للمصادقة على قوانين استراتيجية يفترض أن تؤطر الاقتصاد الوطني وترسم ملامح تسيير ملفات العدالة وقطاعات أخرى خلال المرحلة المقبلة.

رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "الأفلان": النواب سيركزون على رفض المشاريع ذات الطابع الاستعجالي مع الدخول البرلماني الجديد

فالنواب يستعدون للعودة إلى مقاعدهم بعد غياب دام قرابة شهرين، إلا أنهم في نفس الوقت يعربون عن قلقهم من استمرار حرمانهم من مناقشة القوانين وسلطة التعديل والاقتراح مع منحهم الوقت الكافي لذلك.

وفي السياق، يقول المحلل السياسي علي ربيج في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن الحكومة لجأت في ختام الدورة البرلمانية السابقة إلى تمرير قانونيين هامين بصيغة الاستعجالي، بحكم أن الوقت كان ضيقًا جدًا لمناقشة وتمرير نصين بحجم الاستثمار والاحتياط العسكري في ظرف أسبوع فقط.

وأضاف المتحدث "لو تم اعتماد صيغة المناقشة العادية بعيدًا عن الطابع الاستعجالي، لكانت هذه المشاريع ستحظى بمناقشة جدية وأكثر تفصيلًا واقتراحًا على الأقل من طرف رؤساء الكتل البرلمانية".

واجتمع رؤساء الكتل البرلمانية قبل عودة البرلمان لمناقشة هذه النقطة واتفق جميعهم على الوقوف صفًا واحدة ضد "استعجالية القوانين" هذه الدورة.

الدستور وقوانين الاستعجالي

رغم الجدل الذي أحدثه تمرير قوانين هامة على البرلمان بصيغة الاستعجالي، إلا أن الدستور الجزائري يتيح ذلك، ويسمح بلجوء الحكومة إلى لعب هذه الورقة.

إلى هنا، يقول الخبير الدستوري محمد لوراري في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن المادة 119 من الدستور تتيح إمكانية لجوء الحكومة إلى تمرير القوانين في البرلمان بغرفتيه أي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، عبر صيغة الاستعجالي، فيتم عرض القانون عبر جلسة مغلقة مع مناقشة محدودة تقتصر على رؤساء الكتل البرلمانية.

ويضيف لوراري: "تقوم الأمانة العامة للحكومة بإحالة القانون على مكتب المجلس، وبعدها يحال مشروع القانون على اللجنة، لتشرع هذه الأخيرة في إعداد تقريرها، ويناقش على نطاق ضيق".

وأردف الخبير الدستوري قائلًا: "يتسنى وفق المادة 119 للحكومة أن تطلب من البرلمان مناقشة محدودة في حالة استعجالية القوانين، كما أن الهيئة التشريعية سيدة في قرارها، ولها السلطة التقديرية لقبول أو رفض هذا الخيار المتاح دستوريًا".

وختم الخبير الدستوري حديثه: "البرلمان كهيئة تشريعية لها كامل السيادة للفصل في مثل هذه الملفات بكل حرية، انطلاقًا من مبدأ الفصل بين السلطات، أي أنه غير ملزم بطاعة السلطة التنفيذية".

وفي السياق، يرد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني سيد أحمد تمامري في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن أول نقطة سيركز عليها النواب مع الدخول البرلماني الجديد هو رفض المشاريع ذات الطابع الاستعجالي، مشددًا على أنه من حقهم كنواب التريث في المناقشة والدراسة العميقة للمشروع واقتراح التعديلات وممارسة صلاحياتهم بشكل كامل، فكل ذلك - حسبه-  يصب في مصلحة المواطن بالدرجة الأولى ويخدم الوطن قبل كل شيء.

ويضيف تمامري، أن قضية القوانين الاستعجالية التي مرت في نهاية الدورة البرلمانية الماضية خلقت استياء كبيرًا وسط النواب وانزعاجًا من حرمانهم من حقهم في التعديل والاقتراح، لاسيما فيما يتعلق بقانون الاستثمار، إلا أنها تفهموا الوضع بحكم ضرورة تمرير ذلك القانون دون تأجيل، خاصّة وأن السنة الحالية هي سنة اقتصاد بأمر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ما يفرض الشروع في الاستثمار فورًا".

ولا يعني ذلك حسب المتحدث تكرر السيناريو نفسه هذه السنة، مردفًا :"الوضع مختلف اليوم، وكل قانون ينزل إلى البرلمان سيتم التدقيق فيه بمجهر النواب سواء على مستوى اللجان أو في الجلسات العامة".

4 أسباب فرضت الاستعجالي في الدورة الماضية

ويعدد ربيج أربعة أسباب دفعت الحكومة في الدورة الماضية إلى تمرير القوانين بصيغة "الاستعجالي"، يحصرها في كثرة القوانين المطروحة على الغرفة السفلى خلال الأيام الأخيرة، وهو ما وصفه بالأمر الإيجابي، لاسيما وأن الحكومة باشرت إصلاحات سياسية واقتصادية وفتحت ورشات كبرى خلال الأشهر الأخيرة،  مست قطاعات مهمة وعددًا كبيرًا من القوانين، جلها مر خلال الدورة الماضية وأزيد من 7 قوانين أخرى تنتظر اليوم، فرغم تمديد آجال العمل بالبرلمان لأسبوعين إضافيين، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لمعالجة كافة القوانين الأمر الذي فرض تمريرها بصيغة الاستعجالي للمصلحة العامة.

كما يتحدث المحلل السياسي عن الغلق الذي طال الهيئة التشريعية، نتيجة الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي وباء كورونا نهاية السنة الماضية، والذي انعكس سلبًا على سير هذه الإصلاحات والرزنامة الطبيعية للمناقشة بالبرلمان.

ويقول ربيج: "التريث في عرض بعض القوانين على المجلس الشعبي الوطني، على رأسها الاستثمار الجديد، الذي مر بثلاث قراءات، عطلت نزوله إلى البرلمان، فالرئيس في كل مرة كان يطلب التريث في هذا القانون حتى يحظى بتمحيص يليق بمستوى هذه الوثيقة، ذلك استهلك الكثير من الوقت وفرض تمريره لاحقا بصيغة الاستعجالي".

ومن بين أسباب اللجوء إلى هذه الصيغة أيضًا، انتخابات تجديد الهياكل، التي تأخرت هي الأخرى، وتسببت أيضًا في تعطيل بعض المشاريع، ما دفع بالضرورة إلى تمديد الدورة وفقًا لما ينص عليه الدستور، وطي المشاريع بشكل استعجالي قبل الاختتام.

هل الاستعجالية تضعف أداء النائب؟

يعتقد رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق في إفادة لـ"الترا جزائر"، أن قرار النظر بشكل استعجالي في بعض القوانين، من شأنه التأثير سلبًا على طبيعة مناقشة هذه المشاريع، حيث أن ضيق الوقت الذي عرضت فيه سيجعل النواب ملزمين بالتغاضي عن العديد من التفاصيل التي قد تحتويها هذه الأخيرة.

ويؤكد صادوق أنه بطلب من الوزير الأول وبعد مشاورة مجلس الأمة، تم تمديد الدورة البرلمانية الماضية الى غاية 14 تموز/جويلية، وذلك لاعتبارات منطقية، منها عدم استكمال مجلس الأمة مناقشة مجموعة قوانين تم المصادقة عليها في الغرفة السفلى  إضافة إلى نزول قوانين استعجالية لمكتب المجلس من قصر الدكتور سعدان، منها قانون الاستثمار وقانون الاحتياط العسكري.

ويضيف رئيس الكتلة البرلمانية "أكيد أن نمط المناقشة أثر على إثراء مشروع قانون الاستثمار"، مردفًا: "الطريقة التي تم عبرها تمرير هذا القانون، وهي الجلسة المحدودة والمغلقة، أثارت استياءنا، وقد سبق وأن أبدينا موقفنا بذلك، وقلنا صراحة أن هذا الأسلوب يؤثر على إثراء القوانين، حيث أنه لو تم منحنا وقتًا أطول، لتفاجأتم بالعديد من المقترحات التي تثري المشروع".

وذلك على خلاف قانون الاحتياط العسكري، الذي يبقى، وفق المتحدث، مجرد ملف تقني وبالتالي فمناقشته بطريقة استعجالية لا تؤثر سلبا على أداء النائب.

يفضل النواب تمرير القوانين بطريقة استعجالية تفاديًا لتمرير القوانين بأمرية رئاسية

وفي النهاية، يظل تمرير القوانين بطريقة استعجالية، حتمية فرضتها الظروف، وقرار إلزامي، يفضله النواب تفاديًا لتمرير القوانين بأمرية رئاسية، وهو السيناريو الذي كان مطروحًا من قبل بخصوص قانون الاستثمار الجديد، وتم تفاديه.