24-ديسمبر-2023
سياسية

(تركيب: الترا جزائر)

أثمرت الترتيبات الداخلية على مستوى الأحزاب السياسية بالجزائر، في عام 2023، تعديلات على واجهاتها ومكوِّناتها، فيما تستعد السلطة لطرح قانون جديد للأحزاب يهدد باختفاء مكونات حزبية عن الساحة السياسية، وفق ما سُرّب منه.

اختلفت الأحزاب السياسية سنة 2023 في عديد الملفات والقضايا لكنها اتفقت حول رفض مواد في مشروع قانون الأحزاب الجديد

وإذا استثنينا تمديد عهدة القيادي الإسلامي المخضرم عبد الله جاب الله على رأس جبهة العدالة والتنمية لولاية جديدة في المؤتمر المنعقد بداية 2023، وتجديد الثقة في عبد القادر بن قرينة على رأس حركة البناء الوطني في المؤتمر الثاني لشهر أيار/ماي، فقد سجلت أحزاب أخرى قدوم زعامات سياسية تولت دفة القيادة؛ حيث انتخب عبد العالي حساني شريف رئيسًا لحركة مجتمع السلم في 28 آذار/مارس خلفًا لعبد الرزاق مقري، الذي هيمن على الحزب في السنوات العشر الماضية، وفي أيار/ماي أيضًا انتخب محمد ذويبي أمينًا عامًا لحركة النهضة.

وأنهى اتحاد القوى الاجتماعية الديمقراطية في المؤتمر المنعقد في شهر آب/أوت حالة شغور منصب الرئيس بانتخاب المحامي عبد الرحمن صالح أمينًا عاما له، بينما تنازل الطيب زيتوني عن منصبه في الأمانة العامة للتجمع الوطني لصالح مصطفى ياحي، شهر تشرين الأول/أكتوبر للتفرغ لمنصبه الحكومي.

 حنين للأحادية

ومن المظاهر الرئيسة للتحول في المشهد الحزبي خلال العام رحيل أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي، الذي خلفه عبد الكريم بن مبارك، في انقلاب علمي هادئ وشفاف بتحكم السلطات في مدخلات ومخرجات المؤتمر، مترجمًا توجهًا منها لمنح الحزب "العتيد" (كما يوصف) أدوارًا أكبر في المرحلة المقبلة، التي ستشهد انتخابات رئاسية، وربما برلمانية مُسبقة.

وأعاد تكفُّل السلطة بمشاكل "الأفلان" ثقة كوادر الحزب في أنفسهم إلى درجة ارتفاع أصوات من داخله تدعو القوى الحزبية المنافسة لـ"ترك شِرْك التعددية، واعتناق الحزب الواحد في الوطن الواحد في إطار لم الشمل الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية"، مثلما صرّح به المحامي مصطفى كحيليش عضو اللجنة المركزية الجديدة للحزب.

عودة الابنة الضالة

وشهد العام 2023 مصالحة السلطة مع الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، العائدة للساحة السياسية، بعد استقبالها لثلاث ساعات من قِبل الرئيس عبد المجيد تبون في كانون الأول/ديسمبر الجاري، الذي كان وجه لها قبل ذلك دعوة لحضور احتفالات عيد الثورة. ودام اللقاء بين تبون وحنون ثلاث ساعات.

ويبدو أن السلطة قرّرت الاستعانة من جديد بخدمات السياسية المخضرمة بعدما كانت مغضوبًا عليها، بل مرشحة للاجتثاث من الساحة السياسية، عقب خروجها من السجن، أُسوةً بأحزاب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي (وريث الحزب الشيوعي سابقًا) والحزب الاشتراكي للعمال، اللذين صدر قرار إداري بمنعهما من النشاط، أيّده القضاء.

وكان الرئيس تبون استقبل أيضًا مرات عدة مسؤولي حركة مجتمع السلم إلى جانب قادة أحزاب الموالاة.

نقد ذاتي

حصل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية على مساحة صغيرة من الحرية، بعد أن كابد صعوبات إدارية جمّة ضمّت تأخير الاعتراف بقيادته الجديدة ومنعه من القيام بنشاطات خارج مقراته.

وقال رئيسه عثمان معزوز لـ "الترا جزائر" إنّه "تصوروا أننا لم نحصل على وثيقة مطابقة مؤتمرنا من السلطات إلى غاية شهر أيار/ماي الماضي بعد حوالي عام من انعقاده، وتم حُرِماننا من التعبير عن مواقفنا وعقد اجتماعاتنا الداخلية وحُرمنا أيضًا من تراخيص إقامة جامعة صيفية."

لكن الوضع تحسّن بعض الشيء بالنسبة للحزب، فيما يبدو أنّه توجهٌ جديد للسلطات تُترجم في الانفتاح على الطبقة السياسية وإنهاء القطيعة مع المعارضة في مرحلة تواجه فيها البلاد تحديات إقليمية صعبة.

رئيس حزب "الأرسيدي" لـ"الترا جزائر": السلطة تتحمّل مسؤولية الوضع السياسي في البلاد برفضها الانخراط في عملية بناء ديمقراطية حقيقة

ودافع معزوز عن سِجِل حزبه قائلًا إنّه عمل على التواجد بالقرب من نبض الشعب مدافعًا عن حقوقه، وأقرّ بالمقابل بوجود "خيبة عميقة لدى الشارع من النخب السياسية والحزبية، التي فشلت في تحويل الطاقة الإيجابية للشعب الجزائري وتوقانه إلى الانتقال إلى دولة قانون وحريات وتنمية فعلية"، وفق تعبيره.

وهنا تابع رئيس "الأرسيدي": ''علينا كطبقة سياسية أن نُمارس النقد الذاتي لأنّنا لم نكن عادلين في مواقفنا ومبادرتنا"، محملًا السلطة جانبًا من المسؤولية عن هذا الوضع لأنها "رفضت الانخراط في عملية بناء ديمقراطية حقيقة في البلاد ونقل بلادنا إلى مصاف دولة قوية وحاضرة على المستوى الدولي."

جلسات تصوير

وقال عضو قيادة حركة البناء الوطني، عبد القادر بريش، لـ "الترا جزائر" إن العام 2023 كان حافلًا بالإحداث والنشاطات على مستوى الحركة، إذ شهدنا تنظيم مؤتمر ناجح أعطى نفسًا جديدًا لنا بحضور قياسي للمندوبين، وأُتبع بإطلاق مبادرة التلاحم الوطني، التي عقدت مؤتمرا لها في 19 آب/أوت بحضور قادة أحزاب ومنظمات حزبية فاعلة.

لكن سرعان ما وجد صاحب المبادرة، عبد القادر بن قرينة، نفسه حاملًا عبء الترويج لها بعد أن فقد شركاؤه شغف العمل عليها، مترجمًا صعوبات العمل البيني للأحزاب. ولم تحصل المبادرة التي أطلقها حزب جبهة القوى الاشتراكية لأجل عقد ندوة وطنية تكون السلطة طرفًا فيها، أي نجاح يذكر فيما يشتبه خصوم الحزب بأنها موجهة للاستهلاك الداخلي.

ولم تنبثق عن اللقاءات العديدة والجلسات التي جمعت القيادات الحزبية أيّ نتائج وسط تساؤلات إن لم يكن الغرض منها سوى إحداث الأثر الإعلامي والسياسي سريع الذوبان، لكن تسريبات أشارت إلى أن القاسم المشترك في هذه الاجتماعات حول حالة القلق من خطط الحكومة لإصلاح قانون الأحزاب والذي يتضمّن في مسودته تحديد عهدة المؤسسات القيادية واشتراط بيانات بقائمة المناضلين في الفروع المحلية.

تساؤلات عدّة طرحت بشأن المبادرات السياسية التي شهدها عام 2023، خاصة وأنّ كثيرين اعتبروها "استعراضًا إعلاميًا"

وأقر الطاهر بن بعيبش رئيس حزب فجر جديد لـ"الترا جزائر" أن حزبه" لا زال يُراوِح مكانه"، واستطرد: "لكننا لسنا وحدنا في ذلك في ظل الركود الذي تشهده الساحة وغياب المبادرات ولكن لن نتحدث عن اخفاقات، لأننا لم نطلق وعودًا والتزامات لم نستطع الوفاء بها."

وصرّح فاتح بوطبيق، الرجل الثاني في جبهة المستقبل ورئيس مجموعته النيابية بالمجلس الشعبي الوطني، أن الحزب مُقبِلٌ على تحدي جديد وهو الإصلاح الداخلي للحزب والانتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الالتزام.

واكتفى بوطبيق بابتسامة ردًا على سؤال متعلق بوضع الحزب ووجود صراعات داخلية، وقال: "لم نواجه صدامات داخلية ولكن فيه تطلعات للذهاب إلى تنظيم أكثر صلابة"؛ وأخد وقته في التفكير بخصوص غياب مؤسس الحزب عبد العزيز بلعيد، ليردّ: "رئيس الحزب قلّص فعلًا ظهوره ولكن الحزب حاضر في كل الساحات".