28-أغسطس-2023
أحزاب

(تركيب: الترا جزائر)

تجهّز الحكومة قانونًا جديدًا للأحزاب، يُرتقب أن تكون له آثارًا عميقة على المشهد السياسي في البلاد، وخصوصًا أنه يضع قواعد آمرة جديدة لم يسبق وأن نصت عليها تشريعات خلت.

مشروع القانون يحظر نشاط الأحزاب التي تتخلف عن المشاركة في موعدين انتخابيين متواليين لوضع حدٍّ لظاهرة المقاطعة 

وبحسب ما رشح من أحزاب سياسية، يقرُّ المشروع من حيث المبدأ تعميم نظام تحديد العهدات للقيادات الحزبية بعهدتين متتاليتين أو منفصلتين، وهي قاعدة أقرّها الدستور الجزائري في مادته 88 بالنسبة لرؤساء الجمهورية، وفي مادته 122 لأعضاء البرلمان بغرفتيه، ورسخته في القانون المنظم  لممارسة الحق النقابي المادة 56 منه.

ويعني نظام تحديد العهدات أيضًا القيادية المحلية من مسؤولي مكاتب ولائية بلدية حسب الحالة، وفق المعلومات التي توصلت بها أحزاب سياسية بمن فيها الأحزاب الشريكة في الحكومة.

وأدرِج هذا التوجه في ظاهره تحت غطاء تعزيز الديمقراطية الداخلية في الأحزاب والمساعدة على بروز قيادات ووجوه جديدة في الساحة السياسية، أما في باطنه فهو يدفع ببعض النُخب الحزبية المخضرمة إلـى التقاعد الإجباري والرحيل الهادئ.

كما يجد هذا التوجه جذوره في أدبيات وممارسات الحركة الوطنية وبالأخص فترة حرب الاستقلال، التي فضلت قاعدة القيادة الجماعية عوض "الزعيم الملهم".

وباشرت السلطات، فعليًا، العمل بهذه الآلية، أي تحديد العهدات، في انتخابات الغرفة السفلى للبرلمان شهر حزيران/جوان 2021 بإقصاء كل برلماني سبق له أن شغل كرسيًا لعهدتين، مما حرم عشرات المرشحين من خوض غمار سباق الانتخابات، بمن فيهم رموز حزبية من مؤيدي الحكومة والمعارضة بعد فرض تطبيقه بأثر رجعي.

وتقترح خطة الإصلاح أيضًا حظر نشاط الأحزاب التي تتخلف عن المشاركة في موعدين انتخابيين متواليين، لوضع حدٍّ لظاهرة المقاطعة التي استفحلت في الأعوام الأخيرة وخصوصًا بين قوى المعارضة الراديكالية، التي لم تسجّل مشاركتها في المواعيد الانتخابية الأخيرة والتي شملت الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية وانتخاب أعضاء المجالس المحلية.

كما سيُعاد النظر في مقياس المعامل الانتخابي، الذي يشترط حصول الأحزاب على نسبة معتبرة من الأصوات للمشاركة الآلية في الانتخابات ثم تقاسم المقاعد. وفي مبدأ التمثيل عبر الولايات، تبعا للتقسيم الإداري.

وتحرص السلطات فـي المشروع الجديد على إلزام الأحزاب السياسية على إدخال تغييرات في برامجها وتسمياتها، على شاكلة الأحزاب التي تضع المطلب الهوياتي في برامجها.

ولم تتردد في السابق على إجبار أحزاب سياسية وخصوصًا ذات المرجعية الدينية على تغيير تسمياتها عقب إصدار قانون الأحزاب لعام 1997 تحت مبرّر منع استغلال الدين في الفضاء السياسي، وهو الأمر الذي أوجب على حركة المجتمع الإسلامي "حمس"، مثلا، على اعتماد تسمية جديدة هي حركة مجتمع السلم، وهو الأمر ذاته لحركة النهضة الإسلامية.

وأدرج السياسي لخضر بن خلاف الإصلاح  الجديد  في سياق تحيين التشريعات الجزائرية ومطابقتها مع أحكام الدستور وقانون الانتخابات، وتابع في تصريح لـ"الترا جزائر"، أنّه سيتوجب على الأحزاب السياسية وفق ما جرى عليه العرف تحيين قوانينها الداخلية مع أحكام التشريع الجديد بصفة آلية.

وتوقع البرلماني الأسبق أن "يشكل هذا التشريع صدمة لقيادات حزبية مخضرمة تحتكر مناصب الزعامة في أحزابها منذ عقود".

ويلقى مقترح تحديد العهدات القيادية، وتطبيقها بأثر رجعي، معارضة الطبقة السياسية، ترجم ذلك حسب مصادرنا في تجميد العديد من هذه القيادات المشاركة في العمل السياسي والمساهمة في النقاش حول القضايا الوطنية والدولية لأدنى حد، إذ يرون أنها مناقضة لقاعدة استقلالية الأحزاب.

ووفق سياسيين فإنّ "قضية الإبقاء على القادة أو إزاحتهم شأن داخلي يخص الحزب ومناضليه دون سواهم، وأن الجزائر تدفع حاليًا ثمن القائمة الانتخابية المفتوحة وتحديد العهدات البرلمانية والذي حرم البلاد من كفاءات سياسية وخبرات في مجال التشريع، والنتيجة برلمان خارج عن حركية المجتمع ينحصر وجوده على أوراق الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي."

السياسي بن خلاف لـ"الترا جزائر": تحديد العهدات القيادية سيشكّل صدمة لقيادات حزبية مخضرمة تحتكر مناصب الزعامة في أحزابها منذ عقود

لكن بالنسبة لأحزاب أخرى فإن تحديد العهدات بحدّ ذاته لا يطرح إشكالات، فهو مدرج في قوانينها الداخلية مثل حركة "حمس" أو النهضة، أو يعمل بها مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.

وفي هذا السياق قال بلقاسم ساحلي، رئيس التحالف الوطني الجمهوري، لـ"الترا جزائر" إنّ حزبه ساهم سابقًا بمقترحات لإثراء المشروع، لكنه تحفّظ عن إبداء أي موقف بخصوص قضية تحديد العهدات.

وأوضح ساحلي بالقول: "يوم يكشف عن القانون سيكون لنا موقف منه"، لكن الحزب لم يتردد في بيانات سابقة في انتقاد تجاهل الأحزاب السياسية وحرمانها من التمويل.

نقل الرعب إلى الجانب الآخر

يأتي هذا التشريع الذي كان مقررًا سنّهُ في الدورة السابقة للبرلمان في سياق مراجعة عميقة للتشريعات المنظمة للعمل السياسي في البلاد ستمس قوانين المجتمع المدني وحق التظاهر، في سلوك متكرر يعكس سعي النظام السياسي الجزائري الدائم للتكيّف مع الضغط الذي يمارسه الشارع والمعارضة.

كما تُقرأ هذه الخطوة بمنع تكرار حركات احتجاجية طالبت، سابقًا، بالتغيير تأثرًا بـ"الربيع العربي"، التي انطلقت شرارتها أواخر 2010 ومطلع 2011، وهو ما حدا بالنظام إلى إجراء تعديلات عميقة على قوانين الأحزاب والإعلام.

ويضع النظام السياسي هدفًا له من خلال تمرير تلك القوانين بإغلاق المنافذ أمام عودة - بأي شكل من الأشكال - الحراك الشعبي الذي شكل في أوجه (2019/2020) تهديدًا وجوديًا للنظام؛ الذي لم يتردد في إصدار قوانين  لمكافحة الانشقاق السياسي المترجمة في المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، ثم قوانين الانتخابات والحق النقابي الذي يكرس الفصل بين عالم الشغل والسياسية  وحل عديد الأحزاب المعارضة وملاحقة ناشطين أمام القضاء

الرئيس يؤكد

وفي حواره التلفزيوني الأخير، شدّد الرئيس عبد المجيد تبون على حاجة الأحزاب لــ"تجاوز الأساليب البالية" في النشاط الحزبي والتركيز على "العمل الفعال القائم على تجنيد المناضلين من الشارع الذي أصبح، بعد الحراك المبارك الأصيل، لا أحد بإمكانه تحويله عن مساره."

وقال تبون إنّ "القاسم المشترك الذي يجب أن يكون حاضرًا هو الوحدة الوطنية وبيان أول تشرين الثاني/نوفمبر الذي يدعو إلى بناء دولة ديمقراطية اجتماعية".

وهنا شدّد تبون على أنّ "كل من شأنه تدعيم الجبهة الداخلية وكل ما له صلة بالخط الوطني مرحب به".

الإصلاح المأمول

وأقرّ لخضر بن خلاف في رده على سؤال لـ"الترا جزائر" أن الشؤون الداخلية للأحزاب تخص مناضليها دون غيرهم، "لكن أمام استفحال غياب التداول على المناصب القيادية وهشاشة الديمقراطية الداخلية، أمسى لا بديل عن إصلاح عميق لمناهج وآليات تسيير الأحزاب".

ليضيف: "قادة أحزاب يتهمون السلطات باحتكار الحكم فيما هي ترفض التداول الحقيقي على المناصب"، واقترح "إصلاحات في مجال تمويل الأحزاب، بتخفيف القيود على جمع التبرعات المعلومة المصدر، مع تشديد الرقابة المالية."