01-أكتوبر-2023
أفلان

(تركيب: الترا جزائر)

فاجأ إعلان أبو الفضل بعجي، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الواحد سابقًا)، بحصوله على التراخيص الإدارية لتنظيم المؤتمر بين 29 و31 تشرين الأول /أكتوبر 2023، القيادة الحالية وخصومِها على السواء؛ وسط تساؤلات عن أسباب هذا التحول في موقف السلطات.   

معارضون للقيادة الحالية لـ"الأفلان" يحاولون التشويش على المؤتمر برفع دعوى قضائية إبطالًا لرخصة انعقاده

إذ كانت التوقعات تشير إلى انعقاد مؤتمر الحزب في غضون العام الجديد، رغم تجاوز الآجال القانونية بثلاثة أعوام، أمر ما كانت لتسمح به السلطات، وفي حالات مماثلة مثل قضية الحزب الاشتراكي للعمال، انتهى الأمر بتجميد نشاطه ثمّ حلّه قضائيًا بحُجة تجاوز الهياكل القيادية لعهدتها.

ويرتبط استدعاء مؤتمر "الأفلان" (تسمية مختصرة للحزب بالأحرف اللاتينية) المتأخر عن موعده بثلاثة أعوام على الأرجح، بنضوج توافقات داخل النظام الجزائري للتطبيع مع الحزب ووقفِ الانفلات الحاصل فيه، والمهدد لاستقرار مؤسسات سيادية يتواجد فيها الحزب وبالأخص البرلمان، حيث تمددت النزاعات بين أجنحته إلى مفاصل المؤسسة التشريعية والتي تجلّت في احتدام الصراعات بين مكونات أعضاء الحزب الذي يشكّل الأغلبية في الغرفتين.

وهو ما يقتضي، حسب السلطة، حلًا جذريًا لاحتواء الوضع قبل تحوُّلِه إلى حالة مزمنة غير قابلة للعلاج، تعيد إلى الأذهان عهد "الكادنة" (القفل الحديدي) والانقلابات التي شوّهت المشهد السياسي في البلاد.

ويُقرأُ أيضًا في اختيار هذا التاريخ الذي يصادف الاحتفالات السنوية بذكرى الثورة التحريرية ضدّ المستعمر الفرنسي، ويوم ميلاد جبهة التحرير، التي حمِلت لواء تلك الحرب، كما يوحي بنية السلطات للعودة إلى طريق الآباء المؤسسين للحزب وإلى المبادئ التي قام عليها والمستمدة من بيان إعلان الثورة (بيان أول نوفمبر).

وتتوارى في الخلف أيضًا حسابات متعلقة بالانتخابات الرئاسية المُرتقبة، إذ بُرمِج المؤتمر قبل حوالي عام عن إجرائها والتي يتوقع أن يتقدم إليها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون. حيث يتوجّب عليه إعادة ترتيب أهم القلاع السياسية للسلطة ومنع انزلاقها إلى صفِّ منافسٍ محتملٍ آخر، مثلما تم في الانتخابات الرئاسية السابقة؛ أين أعلنت القيادة التي كانت تُدير الحزب مساندتها للمرشح عزالدين ميهوبي وزير الثقافة الأسبق وأمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي آنذاك، الذي كان منافسًا لتبون وفق ما أفرزته أصوات الناخبين.

مشهد متكرر

وفيما يُمنِّي كوادر في حزب "الأفلان" أنفسهم بتغيير عميق في الحزب يؤدي إلى إبعاد كل المتورطين في الصراع من مراكز القرار فيه والإتيان بجيلٍ جديدٍ من القيادات أقلّ تورطًا في الخلافات والأزمات، ومن ثمّ طيُّ صفحة الشرعيّة التاريخيّة والزعامات والعصب. يحمل التحول الذي وقع في الفترة الأخيرة، بمنح القيادة الحالية للحزب رخصة تنظيم المؤتمر مؤشرات على إعادة إنتاج نفس الظروف التي مرّ الحزب بها في آخر مؤتمر عقد قبل ثمانية أعوام، حيث تمكن الأمين العام الأسبق عمار سعداني من خلافة نفسه بتأييد من السلطات.

وخلال اجتماع داخلي عقد في 25 أيلول/سبتمبر الجاري، حذّر الأمين العام الحالي، من موقع قوّة، حسبما رصده مشاركون في الاجتماع، المشاركين في المؤتمر بأنّه لن يسمح بالفوضى ومحاولة تخريب المؤتمر.

ويُؤمن المقربون منه بفرص استمراره فـ"بروفايله" (مسيرته الحزبية) يُلائِم متطلبات الفريق المهيمِن على القرار، فهو لا يشكل تهديدًا سياسيًا مباشرًا للرئيس تبون وفرص تقدّمه للرئاسيات مستحيلة بحكم الموانع الدستورية رغم قيادته للقوة السياسية الأولى في البلاد.

ومع ذلك تجنّب هو شخصيًا (أبو الفضل بعجي) خلال المؤتمر الصحفي، الذي نظّمه، الحديث عن خططه ونواياه في البقاء في منصبه، إذ لا يعود الخيار إليه وحده كما سارت عليه تقاليد الحزب السياسية في أحزاب السلطة.

حزب جديد 

لم يتقبّل كوادر الحزب المعارضون قرار السلطات، منح التراخيص الإدارية لعقد المؤتمر، فهم كانوا ينتظرون تحولًا في موقف السلطات السياسية في البلاد واسترجاع نفوذهم، فالقرار جاء عكس الوعود التي حصلوا عليها بتشكيل فريق قيادي جديد يتولى الإعداد لمؤتمر جامع.

وعبّر القيادي وعضو البرلمان لعهدتين، علي مرابط، عن سخطه الشديد من قرار السلطات، قائلًا: "تم تغييب أعضاء اللجنة المركزية في الإعداد للمؤتمر، وقطاع هام من المندوبين المختارين لا صلة لهم بتنظيمنا السياسي".

ووفق تصريح لـ"الترا جزائر"، اعتبر البرلماني السابق بأنّ "طريقة الإعداد لا تختلف عن الإجراءات التي مرّت عليها عملية إعداد المؤتمر السابق والذي سلّم فيه القرار لغرباء أوصلوا الحزب للمأزق الذي هو عليه الآن"، محملًا السلطات "المسؤولية عن الوضع الراهن للحزب".

وأُدين مرابط مع مجموعة من القيادات قبل أشهر بعقوبة سجن موقوفة النفاذ من قبل محكمة بالعاصمة، بعدما أُخْضِعوا للرقابة القضائية في قضية جاءت إثر اقتحام مقر الحزب، بحيدرة، بينما تجاهلت السلطات شكواه، كما جابه قرار الاقصاء من صفوف الحزب رفقة قطاع خصوم القيادة الحالية للحزب.

القيادي الأسبق في الحزب محمد يرقع لـ"الترا جزائر": لا فرصة للخروج من الانقسامات دون الذهاب إلى مؤتمر وِحْدَة

وفي السياق ذاته اعتبر القيادي الأسبق، محمد يرفع، من حركة تجمع مناضلي حزب جبهة التحرير، أنه بدون مؤتمر جامع يضمُّ كل التيارات فإنّ "الفشل محتمٌ وسيستمر الانقسام والصراع".

وصرّح يرفع لـ "الترا جزائر" أنّه "لازلنا عند موقفنا. لأنّه لا فرصة للخروج من الانقسامات دون الذهاب إلى مؤتمر وِحْدَة إذ هو السبيل الوحيد."

ويحاول المعارضون المنقسمون على أنفسهم التشويش على المؤتمر بحشد المناضلين الغاضبين، والإعداد لرفع دعوى قضائية لإبطال الرخصة، مثلما تم قبل عشرة أعوام. فيما سارع آخرون للتقرب من الفريق المسيطر على الحزب على أمل المشاركة.

واستبعد النائب، زكريا بدرون، الذي أُقصي قبل عام من صفوف الحزب، الانشقاق وإنشاء حزب جديد متعهدًا بمواصلة النضال، وقال في الصدد، لـ"الترا جزائر" إنّه "ليس في خططنا الانسحاب سنواصل القتال لأجل أفكارنا والمُثل العليا لحزبنا وإعادته إلى السّكة الصحيحة والتصدي لدُعاة حلّه واسترجاع شعاره."

وكانت صدرت على مراحل متقطعة شاركت فيها منظمة المجاهدين، أحدثها خلال مرحلة الحراك الشعبي، مطالب بسحب شعار جبهة التحرير الوطني الموروث من حرب التحرير من القوة المستغلة له، وحظي المطلب بدعم كوادر في الحزب نفسه لكن دون جدوى.

صلاحيات أوسع للأمين العام

تدحرج مبدأ "حماية وتعزيز الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن" إلى المرتبة السابعة على قائمة الأهداف التي يسعى حزب جبهة التحرير الوطني لبلوغها، بحسب التعديلات المقترحة على قانونه الأساسي.

وتندرج إعادة ترتيب الأهداف في سياق مراجعات عميقة أطلقها الحزب منذ سنوات تماهيًا مع خطاب وأيديولوجية السلطة الحاكمة؛ بالمقابل تقدّم هدف "صون الاستقلال الوطني ودعمه" و"سلامة التراب الوطني" في ترتيب بنود المادة 5 (4 سابقًا) من مشروع القانون الأساسي، الذي أعدته لجنة من الكفاءات في الحزب، وهو ما يُحيل على حالة الإنكار للماضي ودور الحزب في صناعة الانتقال الديمقراطي الأول أي التحوُّل من الأحادية إلى التعددية السياسية، وهي من المحطات التي ازدهرت فيها الحريات بالبلاد، قبل انتكاسة العنف السياسي والإرهاب في تسعينيات القرن الماضي.

وتكرّرت في الصياغة الجديدة لسلم الأشياء التي يحاربها وينبذها الحزب (المادة 7)، حيث تصدّر المساس بـ" وحدة الشعب والوطن"، القائمة، يليها المساس بــ"الاستقلال الوطني والسيادة" و"مقدسات الأمة ورموز الدولة ومؤسساتها الدستورية"، ثانيًا وثالثًا على التوالي؛ فيما تدحرج "المساس بكرامة المواطن وحقوقه وحرياته" للمرتبة الرابعة.

أما على مستوى الهيكلة والمؤسسات فقد أُدْخِلت مرونة أكبر، ومن ذلك شروط الانضمام والترشح للمجالس المنتخبة والمناصب القيادية، فأصبح خوضُ الانتخابات في قوائم الحزب للتشريعيات (الانتخابات البرلمانية) متاحًا لكلّ من يثبت 4 سنوات نضال مقابل 10 سنوات سابقًا (جرى في السابق منح استثناءات خصوصًا لرجال الأعمال وأعضاء الجهاز التنفيذي).

وبرّرت لجنة الصياغة هذا التوجه بالرغبة في "استقطاب الكفاءات التي يمكن أن تسهِم في إثراء الحياة السياسية الحزبية وتنشيطها وإضفاء نوع من المرونة في تحديد سنوات الأقدمية للترشح للمجالس المنتخبة لأنّ هذا الشرط قد لا يشجّع على الانخراط في هذا المسعى في ظل منافسة سياسية شديدة من قبل الأحزاب الأخرى لاستقطاب الكفاءات وذوي الامتداد الشعبي في كل استحقاق انتخابي".

القانون الأساسي في نسخته المعدّلة منح صلاحيات أوسع للأمين العام وألغى منصب رئيس الحزب

ومن الإصلاحات المقترحة خفضُ عدد أعضاء اللجنة المركزية إلى حدود 351 عضوًا بدل الـ 505 في القانون الحالي؛ واستُقِي من مصادر في اللجنة المركزية أنّ "لجنة الخبراء تمسّكت بخفض عدد أعضاء اللجنة المركزية إلى النصف أي 250 عضوًا، لكنها تفاجأت بإقرار سقف 351 عضوًا، في مناورة تتيح للقيادة المنبثقة من المؤتمر ضمان مقاعد إضافية للموالين لها المتاح لهم العضوية الآلية في اللجنة (يعينهم الأمين العام)."

ومن ضمن التعديلات، التي جاءت في القانون الأساسي، الذي يحوزه "الترا جزائر"، خفض عدد أعضاء المكتب السياسي إلى 13 عضوًا بدل 19 حاليًا، مع تعزيز صلاحيات الأمين العام للحزب.

في المقابل لقي مقترح إلغاء منصب رئيس الحزب، الذي ورد في المسودة للمشروع قبول صياغة القانون الأساسي ولم يبلغ عن أي اعتراض في مقترحات اللجان المحلية، ضمن توجه قطع الصِّلات بالمرحلة البوتفليقية (مرحلة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة)؛ بينما تمّ التراجع عن مقترح انتخاب الأمين العام خلال المؤتمر ومنح صلاحية ذلك للجنة المركزية.

وتعزّزت صلاحيات الأمين العام للحزب، الذي منح سلطة تعيين المسؤولين الجهويين بدل انتخابهم ما قد يضعه أمام اعتراضات وزارة الداخلية، في حال اعتمدت على السياسة ذاتها، التي مُورِست على أحزاب معارضة، حيث تم اخضاعها إلى مساءلة بسبب إدراج بندٍ مماثل بحجة أنّه يعدُّ إخلالًا بالديمقراطية الداخلية، ولم تُرفع التحفظات إلّا بعد إدخال التعديلات المناسبة.

وشُدّدت الإجراءات الانضباطية في رغبة لإنهاء حالات التمرد والانشقاق، التي لم تقف حاجزًا أمام تصدره الانتخابات في العقدين الأخيرين.