10-نوفمبر-2023
FLN

(الصورة: Getty)

يستعدُّ حزب جبهة التحرير الوطني لطي صفحة من تاريخه وتدشين حقبة جديدة تُخرِجُه من  دوامة الانقسام الداخلي، التي أدّت إلى تراجع أدواره السياسية وتهميشه في عملية صنع القرار.

مراقبون يرون أنّ ترتيب بيت حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحظى بحاضنة شعبية مهمّة مردّه قُرب موعد الاستحقاقات الرئاسية

وينظّم الحزب السبت أعمال مؤتمره الحادي عشر، الذي يُعقد بشعار "حزب يتجدد لا يتبدد"، متأخرًا عن موعده بثلاث أعوام، بحضور مئات المندوبين وسيتم خلاله انتخاب أعضاء اللجنة المركزية والأمين العام للحزب والمصادقة على القانون الأساسي المعدل والبرنامج العام.

وعشية انعقاد المؤتمر، أعلن، الأمين العام الحالي أبو الفضل بعجي، عن إفساح الطريق للمنافسة على خلافته، نائيًا بنفسه عن خوض غِمار المنافسة على منصب الأمانة العامة  في مؤشر على التوجه لتجاوز المرحلة الانتقالية، التي عاشها الحزب والمتميزة باحتدام الصراعات والمواجهات في الشارع وقاعات المحاكم.

ونقل الحزب عبر صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن أبو الفضل بعجي خلال اجتماع داخلي أنه "لن يتقدم لانتخابات الأمانة العامة"، مبرّرًا ذلك بـ "اقتناعًا منه بضرورة التداول بعد ثلاث سنوات ونصف في المنصب."

واستبق الإعلان (انسحاب بعجي) بسحب بيانات مساندة لترشحه صدرت عن مؤيديه من الصفحات الرسمية للحزب والتخلي عن تعديل القانون الأساسي للحزب العتيد بشكل يُتيح انتخاب الأمين العام من قبل المؤتمرين، وغالبيتهم موالين له، بدل اللجنة المركزية.

ولم يكن إعلان بعجي مفاجئًا للمؤتمرين؛ فقد أشارت تقارير من الحزب بأن الطريق كان مسدودًا أمام المحامي السابق، وبدأ ذلك برفع العقوبات عن معارضيه الذين شاركوا في أشغال آخر اجتماع للجنة المركزية، ثم تسريب اسم أول مرشح للمنافسة على منصب القيادة الوزير الأسبق بوجمعة هيشور تلاه  تقديم مرشح ثاني هو النائب الأسبق عبد الكريم بن مبارك، والذي يقدم على أنه الاسم الأكثر قبولًا لتولي المنصب للسنوات الخمس المقبلة، ليصبح – في حال تحقق له ذلك - سابع أمين عام في ظرف ثمانية أعوام.

ويجهل مصير بعجي بعد تخليه عن منصبه، وفيما تشير مصادر إلى أنه سيعود لمهنته في سلك المحاماة، تتحدث مصادر أخرى عن إمكانية اسناد منصب له بما في ذلك السلك الدبلوماسي، بينما يُمَنِى خصومه النفس بإخضاعه للمساءلة على فترة تسييره للحزب، أو ما أسر به واحد من خصومه سفيرًا في السجن.

وتميّزت السنوات الثلاث، التي شغل فيها بعجي منصبه بهزات عدة، وتعرض عشرات الكوادر للإقصاء والملاحقة القانونية، وتعرض إثنين منهم للسجن.

رحيل الحرس القديم

وتضمُّ التحولات المقبل الحزب عليها إصلاح التشريعات الداخلية للحزب وإبعاد فريق هام مما يعرف بالحرس القديم، الذي هيمن على القرار والترشيحات فيه في العشرية الماضية والتي تورطت في قرار دعم مرشح آخر في آخر انتخابات رئاسية غير عبد المجيد تبون، الذي كان عضوًا في قيادة الحزب.

بالمقابل سيتم إعادة الاعتبار لقيادات مهمشة مع تبوء قيادات شبابية مناصب في الهياكل القيادية للحزب ومنها المكتب السياسي واللجنة المركزية، وعلِم "الترا جزائر" من مصادر متطابقة في الحزب أن المستهدفين بالترحيل هم رموز المرحلة السابقة ممن يُوصفون بـ"الدخلاء" و"جماعات المال السياسي والمتورطين في قضايا فساد"، إلى جانب فئة الذين شغلوا عضوية اللجنة المركزية لعهدتين أو أكثر فيما قد يعتبر تطبيقًا قبل الأوان لأحكام قانون الأحزاب (جار تحضيره)، يقضي بتحديد عهدة القيادات السياسية بعهدتين لا أكثر.

في الدورة الأخيرة للجنة المركزية حُرِمت عدّة قيادات من المشاركة في أشغالها بمن فيهم الأمين العام السابق، محمد جميعي، وعدد من الموالين له ناهيك عن كوادر انشقوا في الانتخابات التشريعية لحزيران/جوان 2021 وخاضوا السباق ضمن قوائم منافسة.

العودة للحكومة

ويُمهّد تطبيع الأوضاع الداخلية للحزب الواحد سابقًا لإدماج ممثلين له في الحكومة واسترجاع ما فُقِد من مقاعد في التعديل الحكومي لآذار/مارس الماضي، حيث غادر وزراء الصناعة، الصيد البحري والبيئة والطاقات المتجددة مناصبهم واستخلفوا بوزراء من التكنوقراط، ما أثار حينها تساؤلات عن نية النظام في معاقبة الحزب، الذي يحوز على صفة القوة السياسية الرئيسية في الجزائر (98 برلماني في الغرفة الأولى للبرلمان و63 في الغرفة الثانية إلى جانب آلاف المنتخبين في المجالس المحلية).

ويدور في أركان القيادات السياسية منذ أيلول/سبتمبر المنصرم حديثٌ حول اعتزام الرئيس تبون إجراء تعديل حكومي والنية في تشكيل تحالف سياسي أشمل يضم أطيافًا سياسيةً أكبر لتعزيز فرصه في الانتخابات الرئاسية وتمتين الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات التي يواجهها النظام السياسي والبلاد.

حزب واجهة

لا تحمل التغييرات الهيكلية المنتظرة في الحزب أيّ أبعاد خارج حسابات السلطة، فلا حديث عن إعادته لمناضليه أو استرجاع استقلاليته، فـ "الأفلان"، الذي تبلور في 1963 على أنقاض جبهة التحرير، التي قادت حرب الاستقلال، يقدمُ نفسه بصفته ووريثها الشرعي، يحب لعب دور واجهة للسلطة المرتمي في أحضانها باستثناء مرحلة الراحل عبد الحميد مهري خلال تسعينات القرن الماضي.

وليس مفاجئًا أن يُنظّم المؤتمر تحت المتابعة المباشرة للسلطات السياسية، التي ضاقت ذرعًا بالصراعات التي هدّدت بضرب استقرار المجالس المنتخبة وإضعاف البرلمان، وغيبت الحزب عن الجهاز التنفيذي.

ومن شأن إعادة ترتيب أوضاع الحزب وتوحيد مؤسساته وقيادته قبل عام من الانتخابات الرئاسية في تعزيز فرص مرشح السلطة لهذه الانتخابات والمرجح جدًا أن يكون الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، باعتبار أن الحزب لا زال يحوز على حاضنة شعبية مهمة وخصوصًا في المدن الداخلية، التي يمكن الاعتماد عليها في مضاعفة رصيد المرشح المحتمل من الأصوات، ومنع تشتتها كما وقع في انتخابات 12 كانون الأول/ديسمبر 2021، حيث أيّد قطاع من الناخبين مرشحين منافسين للرئيس الحالي.