21-يوليو-2023
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فيسبوك) رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ينزل من الطائرة

منذ اعتلائه كرسي المرادية بتاريخ 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وأدائه اليمين الدستورية في الـ19 من الشهر نفسه، أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أزيد من 10 زيارات دولة إلى الخارج، طيلة قرابة الأربع سنوات من الحكم، شملت أوروبا وآسيا ودول عربية أخرى.

تعد الزيارات التي قادت الرئيس تبون في ظرف أقل من شهر إلى روسيا وقطر والصين وتركيا الأهم على الإطلاق

والتقى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال هذه الفترة بالعديد من قادة الدول واستقبل آخرين بالجزائر العاصمة، بعد أن شهدت الدبلوماسية الجزائرية في العهدة الأخيرة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حالة جمود غير مسبوق وتغييب عن الساحة الدولية جراء الوضع الصحي الصعب للرئيس وقتها.

وتعد الزيارات التي قادت الرئيس تبون في ظرف أقل من شهر إلى روسيا وقطر والصين وتركيا الأهم على الإطلاق، بالنظر إلى الوضع العالمي الصعب وظروف الحرب المستمرة للسنة الثانية على التوالي بين روسيا وأوكرانيا، وطبيعة وحجم الدول التي زارها.

إلى هنا، يتساءل مراقبون عن سر استدارة الجزائر بشكل ملحوظ نسبيًا نحو المعسكر الشرقي، وميولها الواضح نحو روسيا والصين، في وقت يؤكد آخرون أن الرئيس تبون وازن في زيارته وعلاقاته بين الشرق والغرب، فقبل أن تحط طائرته بموسكو وبكين، زار روما ولشبونة، وازداد التنسيق مؤخرا مع الولايات المتحدة الأميركية، كما برمج زيارة خاصة نحو باريس لولا سخونة الأحداث بين الطرفين في الأسابيع الأخيرة والتي زاد من حدتها مقتل شاب ذو أصول جزائرية برصاصة شرطي فرنسي.

ميولات شرقية قديمة

في هذا السياق، يؤكّد المحلل السياسي علي ربيج في تصريح لـ"الترا جزائر" أنه قبل الحديث عن التوازن بين الشرق والغرب في العلاقات، يجب التذكير بأن الجزائر لطالما كانت تميل نحو المعسكر الشرقي في علاقاتها الدولية قبل تسعينيات القرن الماضي، وأيام الثنائية القطبية، وذلك  لعدة أسباب، يتقدمها العلاقات الممتازة  التي تجمعها بالصين وروسيا، لاسيما في الملفات السياسية والدبلوماسية  وحتى على مستوى المنابر الدولية على غرار مواقفها بالأمم المتحدة.

ويضيف ربيج أن السؤال المطروح اليوم هو "هل يمكن للجزائر أن توازن بين مصلحتها مع الجهة الغربية المتوسطية التي تربطها معها شراكة امتدت لعقود من الزمن، خاصة بعد توقيع إتفاقية الشراكة الأورو متوسطية سنة 2001، والجهة الشرقية ممثلة بالدرجة الأولى في الصين التي باتت تمثل قوة عالمية؟".

ويؤكد المحلل أن الجزائر ومنذ ثلاث سنوات تبنت إستراتيجية تنويع الشركاء لتحقيق التوازن، واصفا الأمر بـ"غير السهل "،خاصة وأن  النظام الدولي اليوم يعيش حالة من التحول العميق بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومساع للتموقع في تحالفات مختلفة.

وفي خضم كل هذه التحولات، تحاول الجزائر المحافظة على مسافة أمان بين كل هذه الأطراف المتنازعة، وتحويل الرؤية من الشعارات السياسية إلى المصالح البرغاماتية قبل كل شيء، مع منح الأولوية والأسبقية لمن تستفيد منه أكثر، حيث تعول الجزائر على سبيل المثال على قرارات روسيا والصين في مجلس الأمن، واللتان تتمتعان بحق الفيتو.

بالمقابل لم تسقط الجزائر _ يقول ربيج _ من حساباتها مشروع الشراكة الأورو متوسطية، وإحياء الحوار جنوب _ شمال في القارة الأفريقية، وحتى الصفقات مع الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الجزائر شريك استراتيجي في المنطقة خاصة في مجال مكافحة الإرهاب.

ويشدد المحلل السياسي، على أن الوضع اليوم يفرض مراقبة تحركات كل الدول لاتخاذ قرارات صحيحة، أما بالنسبة للعلاقات مع أقصى الغرب، أي الولايات المتحدة الأميركية، فهي ذات طابع سياسي نظرًا لبعد المسافة بين الدولتين، وشراكة اقتصادية في مجال المحروقات وبعض القطاعات الأخرى، يختم حديثه.

عودة عدم الانحياز

وفي السياق يقول المحلل السياسي شاكري محفوظي، أن الجزائر فعلت موقفها الخاص بعدم الانحياز منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، شهر فيفري/ شباط 2022، وترفض اليوم الاصطفاف وراء أيّة جهة.

ويضيف المتحدث في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الجزائر كانت حريصة دائما على الموازنة في علاقاتها الخارجية بدليل الزيارات المتعددة التي قام بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وكذا وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف لعدة دول شرقية وغربية.

وحسب المتحدث، فموقف الجزائر كان واضحًا منذ البداية،  من خلال عدم التحيز لأيّة جهة، والحرص على إعادة الاعتبار لحركة عدم الانحياز بمقاربة جديدة في الظرف الحالي، فقد أصبح هناك ضغط كبير من الدول الكبرى على الدول الصاعدة من أجل التموقع لصالحها، الأمر الذي ترفضه الجزائر.

ويضيف محفوظي، أن علاقة الجزائر بالشرق، هي علاقة وفاء للدول التي دعمتها في كفاحها التحرري، من بينها الصين الشعبية التي استقبلت أول وفد عن الحكومة المؤقتة، مشددًا على أن هذه المواقف تبقى راسخة وتمثل أهم محددات العلاقات اتجاه هذه الدول.

تموقع جديد

كما لا يمكن اعتبار هذا التقارب موجه ضد أي طرف، إذ أن التجاذب مع الصين وروسيا لا يؤدّي إلى التنافر مع دول غربية أخرى على غرار فرنسا وإيطاليا وتركيا التي باتت تتجه نحو الجهة الغربية وحتى الولايات المتحدة الأميركية.

ويشدّد المحلل السياسي على أن النظام الدولي بصدد إعادة التشكل، إذ تبحث كل الدول عن تحالفات وتموقع جديد، خاصة في ظل تعدد الأقطاب والتكتلات، لذلك تسعى الجزائر لتعزيز علاقاتها مع أصدقائها والانضمام إلى فضاءات جديدة ك"بريكس" الذي سيكون له مكانة هامة مستقبلًا في النظام الدولي الجديد الذي يعيد التشكل.

ويتحدث شاكري محفوظي عن صراع عالمي بين أطراف تبحث عن كسر الأحادية القطبية وأخرى تسعى للحفاظ عليها لذلك تعمل الجزائر اليوم من خلال علاقاتها الدبلوماسية وتحركات رئيسها على حماية مصالحها وكذا تحقيق التوازن بين هذه الأطراف.

مقاربة "البزنس" 

أما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف، فيرى أن المعيار الأهم للعلاقات مع الدول خلال المرحلة المقبلة هو الإقتصاد و"البزنس" وماذا ستقدم لنا أي دولة أو مجموعة أو حلف.

ويعتبر المتحدث في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن الجزائر اليوم ماضية في مشروع لإعادة التموقع على الساحة الدولية في ظل وجود واقع جيوسياسي جديد.

والمعروف حسب هادف، أن علاقات الجزائر مع جميع دول العالم تتسم بالتوازن، والطابع المبني على الثقة وحسن التعاون.

وتترجم هذه العلاقات يؤكّد الخبير، التحركات الدبلوماسية  الأخيرة للرئيس تبون خاصة تعدد زياراته من الغرب إلى الشرق، أو من البرتغال وإيطاليا وتركيا إلى روسيا والصين وقطر، ومصر والسعودية ودول الخليج، ما يثبت حرص الجزائر على تحقيق التوزان وتبني الحيادية الايجابية، والتي تسعى من خلالها لتحقيق أهدافها، بنظرة برغاماتية سواءً مع الجهة الغربية ممثلة في أوروبا والولايات المتحدة  الأميركية أو الشرقية وهم الحلفاء الآخرين الذين لهم مكانة خاصة لدى الجزائر، على غرار الصين وروسيا وبعض الدول العربية إضافة إلى التوجه أكثر نحو إفريقيا.

وتتبنى الجزائر أكثر من أي وقت مضى مقاربة تجارية محضة مع هذه الأقطاب أكثر من المقاربة السياسية، لبعث مشاريع استثمارية حسب خصوصيات الشركاء سواء كانوا في الشرق أو الغرب.

وتركز في هذا السياق، على المنشأت القاعدية وكذا المشاريع المهيكلة المنجمية وأيضا في تحويل المعادن والصناعات الكبرى والتكنولوجيات والميكانيك والأسلحة والمجال الزراعي، والسياحة والابتكار والمعرفة والصناعات التحويلية.

تتبنى الجزائر أكثر من أي وقت مضى مقاربة تجارية محضة مع هذه الأقطاب أكثر من المقاربة السياسية

ويختم هادف حديثه: "أرى أن التنويع في الشركاء والتوازن بين الشرق والغرب سيمكن الجزائر من الحصول على التكنولوجيا الجديدة لاسيما وأن تقدم الاقتصاد اليوم مرتبط بمدى التحكم بالتكنولوجيا، والآلات والذكاء الاصطناعي".