03-يناير-2024
 (الصورة: Getty)

يبدو أن المشهد العام في سنة 2023 يشي بأنّها كانت اجتماعية بامتياز، إذ أعقبت معالجات الحكومة لمخلفات الوضعية الوبائية بسبب تداعيات أزمة كورونا، وتجسيد العديد من التزامات السلطة في علاقة مباشرة بالمواطن وعدة فئات اجتماعية وإصدار قرارات تُربط دائمًا في الخطابات الرسمية بتعهدات الرئيس عبد المجيد تبون.

ركزت السلطات العليا خلال عام 2023 على مباشرة عملية توظيف الآلاف من حملة شهادتي الماجستير والدكتوراه وزيادة منحة البطالة وإدماج الموظفين المتعاقدين

شهدت سنة 2023 استمرار تنفيذ مشاريع السكن من الملفات المهمة، وملف تعزيز أجور الموظفين وزيادات معتبرة ينتظر الإفراج عنها في بداية العام الجاري2024، بالإضافة إلى مواصلة القضاء على عقود ما قبل التشغيل والمتقاعدين الذين استفادوا من منح جديدة، وما يترتب عنها من عملية حثيثة لامتصاص كتلة واسعة من البطالين.

وفي هذا المضمار، ركزت السلطات العليا خلال عام 2023،  على مباشرة عملية توظيف الآلاف من حملة شهادتي الماجستير والدكتوراه ومختلف حملة الشهادات العليا في شتى الجامعات ومراكز البحوث والتكوين.

في مقابل ذلك، غالبًا ما يربط اهتمام الحكومة بالشق الاجتماعي بقراءات سياسية، إذ لا تفتأ وسائل إعلامية حكومية وخاصة، بإدراج أيّة قرارات في سياق طبيعي لتحسين الوضع الاجتماعي بقرارات الرئيس والتزاماته قبل انتخابه رئيسًا للدولة، حتى وإن كانت قرارات شكلية ولا تغيّر كثيرًا من الوضع الاجتماعي

ومن جملة القراءات السياسية لهذه التحركات، أنها جاءت في سياق اقتراب الرئاسيات، واهتمام السلطات بالشأن الداخلي على التحركات الخارجية لهذا السبب بالذات، وإن كانت بعض القرارات الاجتماعية في ظاهرها تنبئ باشتغال الحكومة على تحسين القدرة الشرائية للمواطن من خلال بعض القرارات، إلا أنها تطبيقها على أرض الواقع لم يحدث تحسنًا في حياة المواطنين، وإن عدنا إلى استحداث منحة البطالة وزيادة الأجور، نجد أن هذه المنحة التي أقرها الرئيس لفترة محدودة لمرة واحدة قابلة للتجديد، بالإضافة إلى مبلغها الزهيد، فهي لا تغير من واقع البطالة في البلاد، ولا تحلّ مشاكل البطالين.

في السياق نفسه، يرى متابعون، أن الزيادات في الأجور التي أقّرت في سنة 2023، لم تكن حدثًا ذا بال، فهي ورغم من الضجة الإعلامية التي حامت حولها، إلا أن الزيادات لم تكن مهمة مقارنة بالتضخم وغلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، وإن رُبطت هذه الزيادات باهتمام الحكومة بالجانب الاجتماعي، إلا أنها في الوقت نفسه

إلى هنا، شكّلت أزمة السكن ملفًّا ثقيلًا مر ّ بصعوبات على مختلف الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة، إذ وعد الرئيس منذ اعتلائه سدة الحكم بإنجاز مليون وحدة سكنية في الفترة ما بين 2020-2024، كما أعطى الرئيس خلال اجتماع خاص بدراسة ومناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024، أوامر بتسجيل إنجاز 250 ألف وحدة سكنية جديدة منها 100 ألف وحدة سكنية بصيغة السكن الاجتماعي الإيجاري و150 ألف سكن بصيغة الإعانات الريفية.

ومن بين الوعود التي دافع عنها الرئيس خلال لقاءاته الدورية بالإعلام المحلي؛ التزامه بالدفاع عن الطبقة الوسطى والفقيرة والحفاظ على سياسة الدولة الاجتماعية وحماية المواطن.

عندما نتحدّث عن هذا الملف، يقول أستاذ الاقتصاد نور الدين فادن إنّ أهم ما تمخّضت عنه قرارات السّلطة هو المضيّ قُدما في مواصلة إنجاز مشاريع سكنية بصيغة البيع بالإيجار التي تشرف عليها الوكالة الوطنية لتطوير السكن وتحسينه، أو ما عرف إعلاميًا بمشروع "عدل3"، مشيرًا إلى تصريحات الرئيس بأنّها موجّهة للطبقة المتوسطة والرامية إلى حمايتها لأنها حسبه تعتبر "ركيزة البلاد".

معالجة مشاكل الطبقة الوسطى في الجزائر من بين الملفات التي يراهن الرئيس عليها في عامه الأخير من العهدة الأولى يضيف محدث " الترا جزائر" ، لافتًا إلى أن السكن يعد أهمّ هذه الملفات التي لم تعد اليوم تكلّف الجزائر بالعملة الصعبة بل أصبح "جزائري بالكامل" لأن موارد البناء أصبحت اليوم محلية الصنع وتسهم في دورة حياة الاقتصاد الوطني.

في السياق ذاته، من الرهانات الكبرى للرئيس تبون أيضًا، تعزيز صيغة البناء الريفي، إذ رجعت عشرات العائلات إلى مناطقها الأصلية لأن الحكومة وفّرت الكثير من ضرورات العيش ما سيحقّق توازنًا بين المدينة والريف، ويضمن كرامة المواطن.

جيب المواطن .. حجر الزاوية

في بداية العام الماضي وعد الرئيس تبون من خلال أمر استثنائي برفع الأجور بنسبة تصل إلى 47% في العام الجديد 2024، وهذه العملية باشرتها الحكومة في العام 2020، فضلًا عن رفع منح التقاعد والتخفيض في الضرائب على الدخل، وذلك بغية تحسين القدرة الشرائية للمواطن والتي يراها المهتمون بهذا المجال بأنها " حجر الزاوية" والتي تضمن السير نحو بناء المؤسسات واستعادة ثقة المواطن.

هذه الخطوة المنتظر رؤية نورها في العام الجديد، تعتبر أهم القرارات التي أقبل على تفعيلها الرئيس تبون خلال سنة 2023، إذ تستهدف تحسين مستوى معيشة المواطن ومجابهة تحديات الجبهة الاجتماعية، خاصة وأن الدولة -حسب الرئيس خلال تدخلاته الإعلامية دائما- "تخوض معركة شرسة لحماية القدرة الشرائية للمواطن من خلال مكافحة كل أشكال المضاربة ومحاربة الفساد وعالمه في شتى المجالات والقطاعات وفي مختلف المستويات".

كما تضمّن قانون المالية، "تأسيس منحة جزافية للتضامن تمنح للفئات الاجتماعية من دون دخل"، لاسيما أرباب العائلات والعائلات والأشخاص، والأشخاص البالغين أكثر من 60 سنة، بالإضافة إلى الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصّة.

وفي السياق نفسه، تم فتح حساب تخصيص خاص عنوانه "صندوق النفقة"، تدفع الدولة عن طريقه مقابل النفقة المحكوم بها للمستفيدين منها. وتتولى وزارة العدل تحصيل هذه المبالغ من المدينين بها وفقا لآليات خاصة.

ومن خلال هذه المعطيات، يعتقد المختص في علم الاجتماع السياسي عمار بوزار بأن هذه القرارات الاجتماعية من شأنها أن تعزّز السياسة الاجتماعية للدولة، وأن الفرد الجزائري هو المحور المهم في معادلة التنمية، وتحقيق السلم الاجتماعي كركيزة أساسية في تنفيذ المشاريعّ.

وأضاف بوزار في تصريح لـ"الترا جزائر" بأن جملة القرارات تدخل في إطار العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بالكثير من المساواة والعدل سيكون له الأثر البالغ في مسائل التغيير والإصلاحات التي تقوم بها السلطة منذ أربع سنوات.

منح للبطالين وحملة توظيف

قرارات اجتماعية أخرى ميّزت سنة 2023، حيث رُفعت منحة البطالة الموجهة لمرافقة طالبي العمل لأول مرة، من 15 ألف دينار إلى 18 ألف دينار، لتلبية حاجياتهم الأساسية، وتوفير الحماية الاجتماعية لهم، مع العمل على توفير مناصب دائمة لهم من خلال استدعائهم لإجراء مقابلات عمل، والرفع من مؤهلات البطالين من خلال توجيههم للتكوين في مراكز التكوين المهني.

ووجب التّذكير أيضًا بقرار لا يقلّ أهمية عن سابقيه، يتمثل في إدماج أصحاب عقود ما قبل التشغيل في مناصب عمل دائمة مع توسيع التغطية الاجتماعية، إذ بلغ عدد المستفيدين من التغطية الاجتماعية في نظامي الأجراء وغير الأجراء، أزيد من 29 مليون مواطن.

وفي هذا الإطار، فكّكت الحكومة جزئيًا ملف الدكاترة البطالين والبالغ عددهم 23 ألف بطال، إذ فتحت أزيد من ثمانية آلاف منصب، استفاد منها أساتذة الجامعات وأساتذة باحثين في عشرات المراكز البحثية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إلا أن هذا القرار من جهة أخرى أثار موجة غضب عارمة واحتجاجات بسبب الشروط التي وضعت للاستفادة من هذه المناصب.

فكّكت الحكومة جزئيًا ملف الدكاترة البطالين والبالغ عددهم 23 ألف بطال

وينتظر أيضًا فتح مسابقات توظيف أخرى في غضون الثلاثي الأول من 2024، مخصّصة لغلق ملف حملة شهادتي الدكتوراه والماجستير نهائيًا، فضلًا عن توظيف النّاجحين في المسابقات في رتبة "أستاذ قسم ب"، في المقابل يتمّ توظيف الاحتياطيين غير الناجحين في رتبة أساتذة متعاقدين مع احتفاظهم بالامتيازات نفسها التي يتمتع بها كل الأساتذة.