08-سبتمبر-2023
(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

(الصورة: Getty)

عكس توقعات بعض المحللين بالالتحاق الجزائر بركب مجموعة "بريكس"، والتي تضم كلًا من البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، دعا قادة منظمة "بريكس" إلى تعزيز صفوفها بست دول جديدة، هي كلا من إيران السعودية ومصر والأرجنتين وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، وهذا اعتبار من يناير/ كانون الثاني 2024

يرى خبراء أن التبادل التجاري يُعتبر من أدوات القوة الناعمة في مجال الدبلوماسيةويستخدم كآلية من آليات توطيد العلاقات الخارجية وتعزيز الروابط والمصالح

ومما عزز تفاؤل مراقبين بانضمام الجزائر إلى المجموعة هي تصريحات مسؤولين كلًا من دولتي الصين وروسيا، اللتين رحّبتا بطموح الجزائر إلى الانضمام إلى مجموعة بريكس ودعم ملفها، والزيارات الدبلوماسية التي تبادلتها الجزائر مع الدولتين، إضافة التطمينات الرسمية والأرقام الحكومية المقدّمة في سياق النمو الاقتصادي في الجزائر.

وفي سياق، تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر عدم انضمام الجزائر إلى الأعضاء الست الجدد لمنظمة "البريكس"، كان  قرار عدم ورود  اسم الجزائر مفاجئًا لكثيرين، نظرًا إلى الاهتمام الإعلامي الكبير وتسويق مشروع الانضمام إلى "البريكس" في سياق الإنجازات.

وعكس لغة الأرقام الماليةوالإحصائيات الدقيقة المتداولة في أكبر تجمع اقتصادي وسياسي بارز كـ “بريكس"، لم يحظ ملف الجزائر  بعناية لغة إقتصادية ومالية تبرز مكانة الجزائر اقتصاديًا، في مقابل ذلك تم تسويق رغبة الجزائر بانضمام إلى مجموعة "بريكس" بهدف تطويق المركزية الغربية، وتحييد سيطرة ونفوذ العواصم الأوروبية والأميركية على اقتصاديات العالم والدول النامية، وتم التركيز إعلاميًا على مُخاصمة الغرب ومؤسّساته المالية على غرار البنك العالمي والصندوق النقد الدولي، واللذان يفرضان شروط قاسية على الدول الدائنة والهشّة.

البعد الأيديولوجي الذي تم تسويق له في الإعلام الرسمي، تجاهل أن الهند والبرازيل مثلًا من بين الدول الأقرب إلى المعسكر الغربي، وأن حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين يصل إلى 856 مليار يورو أي ما يعادر 912 مليار دولار، ضف إلى ذلك فالولايات المتحدةالأميركية من أكبر المستثمرين في البرازيل بحجم 120 مليار دولار لسنة 2020.

وبناءً على هذا الطرح الأيديولوجي الهش من وجهة نظر فكرية واقتصادية، فقد فتح خبر عدم انضمام الجزائر إلى منظمة بريكس باب السخرية والتنمر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا نتيجة عدم قناعة الرأي العام بهذا الطرح الذي اعتمد تصورًا أيديولوجيًا للعلاقات الاقتصادية بدل الرؤية البرغماتية.

رؤية غير واضحة

في السياق ذاته، يقدّر خبراء أن التبادل التجاري بين دول "بريكس" في حدود 500 مليار دولار، وأن الناتج المحلي الإجمالي العالمي لهذه الدول بلغ 23 في المائة سنة 2022، أي حوالي 17 في المائة من حجم التجارة الدولية، وتساهم المجموعة بحوالي 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، وتستحوذ على 60 في المائة من الثروة العالمية، وبالتالي تؤشر البيانات المذكورة إلى مدى انفتاح اقتصاديات دول "بريكس" مع بعضها ومع باقي العالم.

في المقابل، يتجه الاقتصاد الجزائري نحو المزيد من الحمائية الاقتصادية، والانغلاق على الأسواق الدولية والمزيد من التشديد على التجارة الخارجية، وفرض سياسية الترخيص على الاستيراد والاقتصاد المُغلق، حيث تتراجع فيه التبادلات التجارية مع بلدان العالم، ويخلق اقتصادًا يسيطر عليه نمط التسيير الذاتي.

وعلى سبيل الذكر، فخلال بداية الألفية كان حجم التبادل التجاري بين الجزائر والهند حوالي 3.5 مليار دولار وتراجع هذا الرقم خلال السنوات الأخيرة، حيث لا يتعدى اليوم 900 مليون دولار، بينما وعلى سبيل الشاهد، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وهو عضو جديد في منظمة "بريكس" والهند خلال العام 2022، ستة ملايير دولار، أما مع الصين فقد بلغت 14.9 مليار دولار، ومع البرازيل 3.4 مليار دولار.

وبناء على ذلك، يرى خبراء أن التبادل التجاري يُعتبر من أدوات القوة الناعمة في مجال الدبلوماسيةويستخدم كآلية من آليات توطيد العلاقات الخارجية وتعزيز الروابط والمصالح.

غياب رأس المال الخاص

يثير غياب الرأس المال الخاص في أي اقتصاد، مخاوف لدى التكتلات الاقتصادية البارزة، لان الاقتصاديات ذات الرأس المال الخاص تُمثل مقدار الانفتاح الاقتصادي، ومؤشر عالي للشفافية، ودلالة واضحة على وجود أرضية وبنية تحتية اقتصادية قوية يصنعها الرأس المال الخاص، ويُشكل الرأس المال الخاص الديناميكية الاقتصادية التي تصنع الثروة وتخلق المناصب العمل وتقدم قيمة مضافة للبلد والرأس المال هو صاحب المبادرة الاقتصادية ويمثل الأمان.

 فالصين على سبيل الاشارة من بين الدول الشيوعية ولكن هي من أكبر الدول الرأسمالية التي تقع تحت سيطرة "الحزب الشيوعي"، والصين ذات اقتصاد السوق الحر دون التخلي على المبادئ الاشتراكية شعاراً، ورغم إدارتها للكبرى الشركات في القطاعات الاستراتيجية لكن بوسائل وأدوات الاقتصاد الحر القائمة على التنافسية والكفاءة والانفتاح.

غياب لغة الأرقام

وفي السياق متصل، ومن بين ما يُعاب على الاقتصاد الجزائري غياب لغة الأرقام والاحصائيات الدقيقة، وعدم القدرة على الحصول على المعلومة الاقتصادية، بإضافة إلى عدم تحيين المعطيات والأرقام الاقتصادية بشكل سلس ومرن يستجيب إلى المعايير الدولية.

من جانبهم، يتساءل خبراء هل يُوفر الاقتصاد الجزائري بيئة أعمال جاذبة للرأس المال الخاص الخارجي؟ ماعدا مجال المحروقات التي تستقطب الشركات الأجنبية والعالمية، وهل يرغب المستثمر الأجنبي في الاستثمار في مجال الخدمات وفتح البنوك والصناعات المتوسطة والخفيفة؟ وهل هناك مناخ استثمار يضمن تحقيق وتحويل الأرباح بالعملة الصعبة إلى الخارج دون قيود الضرائب وشروط البنك المركزي؟ ولماذا ما يزال قانون الاستثمار يفرض قاعدة 51/49 على مجالات يتم تصنيفها استراتيجية كصناعة الأدوية مثلًا؟ وهل يمتلك المستثمر الأجنبي الأحقية في استيراد المواد الأولية من الخارج؟ أو يتعين عليه المرور على متعامل محلي يحتكر مجال الاستيراد؟

القطاع المالي

من جهته أخرى، ما يزال القطاع المصرفي بالجزائر يعاني من اختلالات ونقائص عميقة، وما يزال القطاع المالي يعاني من العجر ولا يستجيب إلى الرهانات الاقتصادية، وهذا بشاهدة القائمين على البنك المركزي، وما تزال العملة الوطنية خاضعة إلى التسيير المركزي وغير قابلة للتعويم، ولا توجد بالجزائر سوق مالية تتداول فيها الأوراق والمشتقات المالية ولا سوق الأسهم والسندات، ولا تحوز الجزائر على بنوك أعمال، إذ أن البنوك القائمة أغلبها بنوك تجارية ذات رأس مال عمومي خاضعة إلى الجهاز البيروقراطي. 

ما يزال القطاع المصرفي بالجزائر يعاني من اختلالات ونقائص عميقة

في الختام، تمتلك الجزائر إمكانات التي تجعل اقتصادها أقوى، وهذا نظرًا إلى موقعها الجغرافي ومساحتها القطرية وغناها بالثروات الطبيعية ومواردها البشرية، وتعتبر مصدر ًا موثوقًا في التمويل بالطاقة، لكن يتعين على الجزائر بدأ خطوة  أولى في بناء التكتل الاقتصادي وفق النسق الجغرافي والإقليمي أولًا، والعمل على التَحوُل من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، والتخلص من تمويل الاقتصاد من الموارد الطاقوية وتثمين رأس المال الخاصـ وتنظيم عميق في الاقتصاد الخدماتي والمصرفي.