03-مارس-2024
 (الصورة: Getty) فيضانات في الجزائر

فيضانات في الجزائر

تواجه الجزائر تحدياتٍ كبرى تعود للواجهة مع فصل الشتاء وتساقط الأمطار والثلوج، إذ تتجدد معضلة الفيضانات والطرق المقطوعة وانجراف التربة وانهيار البنايات الهشة، وهو ما يعيد دوما إلى طرح الأسئلة نفسها في علاقة بالبنية التحتية المهددة بفعل الانزلاقات، وامتلاء السدود وهاجس فيضانها أيضًا، فضلًا عن انزلاق الأراضي والسكنات المحاذية للوديان.

شهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة عدّة مخاطر كالحرائق والزلازل والفيضانات وهي جُملة من مجموع الكوارث الكبرى التي تهدّد المدن

وفي علاقة مع ما يشهده العالم من تغيرات مناخية، تُطرح العديد من الأسئلة، تحوم حول استعدادات الجزائر لمواجهة هذه التحوّلات المرتبطة بالعوامل الطبيعية، والتي ستفرض تغيير المخططات السابقة،ومحاولة تلافي مخاطرها وتقليل أضرارها على الإنسان والأرض مع الرفع من الإمكانيات المتاحة لمجابهتها وتحديثها. 

يشير خبراء إلى أن الجزائر شهدت خلال السنوات الأخيرة، عدّة مخاطر كالحرائق، والزلازل والفيضانات، وهي جُملة من مجموع الكوارث الكبرى التي تهدّد المدن، وتحتاج إلى مخططات وطنية بحسبهم، فضلًا عن وضع استراتيجية تمتد على سنوات تعتمد بالأساس على فرضيات استباقية أولًا ووقائية ثانيًا.

البنية التحتية

النّظر في الأحداث التي يعرفها العالم من تغيّرات مناخية وكوارث طبيعية، وخصوصًا أن الجزائر سجّلت تغير في الطقس وتساقط معتبر للأمطار خلال الآونة الأخيرة، يدفع إلى الانتباه إلى ضرورة رفع الجُهُوزية لمواجهة مثل هذه المخاطر، ويفيد الخبير الاقتصادي كريم حساني إلى أهمية تدارك بعض الثّغرات في البنية التحتية التي تفرض نفسها في الجزائر.

وقال حساني لـ"الترا جزائر"، إنه قبل عامين، وضعت الحكومة مخطط استراتيجي لإدارة الكوارث منها 10 أنواع من الكوارث الكبرى من بين الأشكال الـ 14 التي حدّدتها الأمم المتحدة، وتمثّل أساسًا في الحالة الجزائرية في الزلازل والفيضانات والحرائق والتغيّرات المناخية.

وتستهدف هذه الاستراتيجية المزمع تحديثها زمنيًا من قِبل وزارة الداخلية، حسب المتحدث، إعادة النظر في فهم إدارة الكوارث، وتعزيز الخارطة القانونية والمؤسساتية بالنّصوص السارية المفعول بما يتناسب مع الخصوصية الوطنية.

على إثر ذلك، خصّصت الحكومة 30 مليار دينار في 2020 للتدخّل ضد الكوارث وتعويض الضحايا، في مقابل وضع استراتيجية وطنية لمواجهة المخاطر المحتملة، وهي أحد السبل التي يمكن بواسطتها تخفيف الأضرار إن وجدت، وتعزيز إمكانية التدخل السريع بمختلف الوسائل البشرية والمادية.

ولم تنفِ الحكومة وقتها، وجود ما أسمته بـ"هشاشة المدن الجزائرية في مواجهة الكوارث"، خاصّة ما تعلق بالمدن والأحياء القديمة، والبناءات الهشة على ضفاف الوديان، وغيرها من البنايات الفوضوية التي أثبتت عدم صلابتها أمام الهزات التي ضربت عدة مدن جزائرية على غرار ما جرى قبل عامين لحي" الخربة" بولاية ميلة شرق البلاد، وفيضانات مدينة فوكة بولاية تيبازة، وغيرها.

استباق الأزمات

وفي سياق ذي صلة، من المنتظر أن يتم مراجعة عمل المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى، وتزويدها ماديًا وبشريًا لتمكينها من أداء مهامها على أكمل وجه، لتكون لها نظرة استباقية للمخاطر تمكّنها من إرساء ديناميكية جديدة تتناسب مع الطموحات المسطّرة.

تعالت دعوات الخبراء إلى ضرورة تفعيل خاصية "استباق وتسيير الأخطار الناجمة عن الكوارث"، وذلك منذ ما شهده العالم من مخاطر فيروس كورونا، فضلًا عن الزلازل والحرائق والفيضانات، التي تبقى من أكبر المخاطر التي وضعت لها الحكومة عدة مخططات متتالية، بعد تعرّض العديد من المناطق للحرائق، وغيرها من الكوارث الطبيعية المحتملة.

تسيير الأخطار

قانونيًا، يُعرَّف الخطر وفقًا للقانون الجزائري الخاص بالوقاية من المخاطر الكبرى وتسيير الكوارث، على أنه كل تهديد محتمل على الإنسان بفعل طبيعي أو بتدخّل العنصر البشري، وفي هذا الشّأن يشدد مختصّون على أن التنمية المستدامة تتطلب تفعيل خاصية الإنذار الدائم، إذ يقول الخبير في التسيير المهندس فريد لعلاونة بأن الإنذار لا يعني "الخوف والتوجسّ" ولكن "ما حدث من مستجدات ورفع ناقوس الخطر والإنذارات خلال فترة جائحة كورونا يلحّ علينا اليوم العمل على تفعيل مخططات عاجلة تخص الكوارث وكذلك في مجال الصحة ووضع كيفية الوقاية منها أو كيفية معالجتها".

وأضاف لعلاونة لـ"الترا جزائر" بأن على سبيل المثال يمكن أخذ الأزمات الصحيّة، التي تعتبر من المخاطر الكبرى، على اعتبار أنها تدخل في سياق دولي، وقد تصبح جائحة مثلما وقع بسبب انتشار فيروس كورونا، وربما تحدث دون سابق إنذار وهو ما يعني بالضرورة توفير الأدوية والعلاجات واللقاحات، فضلًا عن تخصيص الكادر البشري وتأهيله للعمل على تقليص تبعاتها السلبية، موازاة مع العمل على تخصيص ميزانية بحوث وتمويل لمختلف الأبحاث المتعلقة بظروف عيش السكان ومدى التزامهم بالصحة العمومية.

وأشار في هذا السياق إلى أن "أزمة كورونا وحدها رفعت من حجم الاهتمام بهذا الخطر موازاة مع القطاعات الأخرى، لأنها أزمة أبانت عن مشكلة التزام بتدابير صحية، تتطلّب توعية المواطن وتوسيع مجالات الاهتمام بها في حياتنا اليومية وليس فقط عند وقوعها".

وقاية

انهيار السكنات القديمة في الأحياء السكنية الشعبية الموروثة من فترة الاستعمار الفرنسي مشكلة أخرى تواجهها الجزائر، ذلك بالرغم من مباشرة الترميم التي تشرف عليه ولاية الجزائر على مستوى عدة أحياء قديمة نحو شارع " الشهيدة حسيبة بن بوعلي" و" الشهيد محمد بلوزداد" وشارع "الشهيد العربي بن مهيدي" وعلى مستوى حي باب الوادي أيضًا. 

وتحدث مهتمون في هذا الشأن، عن أهمية إعادة تحديث الإجراءات الوقائية، تبعًا للظروف والفصول أيضًا، خاصة أن عديد المدن مازالت مهددة من خطورة انزلاق الطرقات ومشكلة تهيئة قنوات الصرف الصحي، خاصة في المدن والأحياء القديمة والبنايات الهشة.

من جهته، يرى المهندس عبد الله ساعد بأن الوقاية هي جزء مهم من التسيير العام للأخطار، وذلك عن طريق تجميع كل المعلومات والمعطيات الإحصائية، لمنع أو تقليص النتائج الفورية لحدث ذو نتائج سلبية على المجتمع والمحيط.

كما نبّه ساعد في تصريح لـ" الترا جزائر"، إلى أن الوقاية هي "سعي جماعي أو فردي لتقليص احتمالات وقوع الخطر بغية التقليل من الخسائر البشرية والمادية عند حدوثه، بتفعيل الإجراءات التنظيمية والاحترازية أو قوانين استباقية أو قرارات فورية لتقليص تلك المخاطر بهدف الاحتياط من تداعياتها السلبية والخطيرة".

أما بالنسبة للعنصر المهم أيضًا، فيتعلق بالتنبؤ بالخطر، والكارثة المتوقعة من وراء ذلك، بينما يستوجب ذلك وضع قائمة احتياطات مبنية على المعطيات التقنية والأعمال العملية لطبيعة المنطقة مثلاً وخصائصها، وهي عملية تحد من مخاطر هذه الكوارث، لأنها أحد العوامل الفعالة بين احتمال وقوع الخطر والرهانات المتوقعة، على حدّ قوله.

ومن وسائل تسيير الأزمات يذكر الأستاذ ساعد، بأن ذلك يتم عبر خطط استعجالية والإغاثة، فضلًا عن التعامل الإعلامي مع الكارثة ووضع جغرافيا تسيير الأزمة، مشيرا إلى أن مرحلة ما بعد الكارثة لا تقل أهمية عن الظروف الآنية، فيقترح مختصون بعض الخطوات أولها تقييم حجم الأضرار وحجم الخسائر من طرف السلطات، وتعويض المنكوبين ثم إعادة البناء.

يمكن التنبؤ بالكوارث والمخاطر  بواسطة أجهزة تكنولوجية متطورة ووضع منشآت الحماية والوقاية بطرق وأساليب دقيقة.

اللافت أن المخاطر الكبرى ترتبط بالخصائص الطبيعية والبشرية، إذ تعد الرهانات الأكبر من حيث الإعداد والاستعداد، والأكثر إلحاحًا في المناطق ذات الأنشطة الإدارية والاقتصادية والبشرية الكبرى، لأنها تشير إلى إمكانية احتمال وقوع الخطر، فـ"كلما زاد الرهان كلما زادت احتمال تحول الخطر إلى كارثة"، لكن في المقابل يمكن التنبؤ بذلك بواسطة أجهزة تكنولوجية متطورة ووضع منشآت الحماية والوقاية بطرق وأساليب دقيقة.