26-مارس-2024
دار واحة بولاية قسنطينة (فيسبوك/الترا جزائر)

دار واحة بولاية قسنطينة (فيسبوك/الترا جزائر)

 

تأسست المشاريع الوقفية في الجزائر منذ عقود من الزمن، غير أن العديد من الأسر والعائلات والأفراد جعلوا منها أوقافًا لإعانة المحتاجين وتسهيل علاجهم خلال مرحلة التشافي، أطلق عليها الأوقاف الصحية، حيث تمكن عدد من الأشخاص والعائلات من تأسيس مشاريع وقفية من أجل تذليل المشقّة التي يعيشها المرضى، خصوصًا مرضى السرطان والفشل الكلوي، وغيرها من الأمراض التي تبحث عن معين ومتضامن إلى غاية إنهاء عملية الاستشفاء.

جهزت السيدة سعاد وزوجها عدة سكنات لمرافقي المرضى القادمين من ولايات بعيدة حتى تسهّل عليهم مراقبة مرضاهم ومتابعة حالتهم الصحية

دار المرضى

كثيرة هي الأعمال الخيرية في الجزائر، لا يكون المغزى منها سوى تقديم خدمة لعشرات المرضى الذين تعذّر عليهم العلاج في مكان إقامتهم، خصوصًا منهم القادمين من المناطق الداخلية نحو المدن الكبرى، وخاصّة العاصمة الجزائرية ووهران وقسنطينة، حيث تكون رحلة العلاج مضنية، ومرهقة للمريض ومرافقيه.

في هذا السياق، يقول سليم . ف (29 سنة) المنخرط في جمعية " ناس الخير" بولاية سطيف، إنه سبق له وأن تعامل مع العشرات من المرضى، وتم نقلهم إلى مستشفيات جامعية، ومصحّات خاصة على عاتق الجمعية، غير أن العمل الخيري كثيرًا ما يتعثر بمشكلات تضاعف معاناة المرضى، وهي مسألة الإقامة، خصوصًا لمن يحتاج إلى العلاج الكيميائي ويغادر المشفى نحو بيته، فكيف يكون مسار الرحلة لمريض السرطان بعد تلقي العلاج في ذلك اليوم؟

من هنا تأتي الأدوار الكبرى للأوقاف الخيرية الصحية تتمثل في "دور المرضى الخيرية"، أو " الإقامات الخيرية" التي تضمن للمرضى المبيت والأكل والشرب إما في انتظار دورهم لتلقي العلاج، أو ساعات وأيام ما بعد العلاج.

يضيف سليم لـ" الترا جزائر"، أن الكثير من المحسنين تبرعوا بمساكن للمرضى كصدقات جارية، فيما تقدّم أحد المحسنين ببناء بناية كوقف خيري من عدة طوابق تحتوي مختلف المستلزمات التي تضمن كرامة المريض، وتهيئ له الجو العام لمواصلة العلاج.

غير بعيد عن وسط مدينة قسنطينة، شرق الجزائر تبرّعت سيدة بمسكن صغير على روح والدتها، وبات اليوم يستقبل المرضى من مختلف المناطق المجاورة لعاصمة الشرق الجزائري، ومحطة لتخفيف أوجاعهم.

السيدة سعاد (56 سنة) ترفض أن تروج للمشروع الخيري، على اعتبار أنه "دعم لوجه الله" حسب ما تقول، لافتة إلى أن المرضى كثيرًا ما يجدون من يوجههم نحو المسكن، فيما هي خصصت لهم 20 سريرًا مع مستلزمات الحمام والمطبخ، وأحيانًا تقيم مأدبة غداء وعشاء لتعيد لهم الابتسامة.

جهزت السيدة سعاد وزوجها أماكن أخرى لمرافقي المرضى، حتى تسهّل عليهم التعامل معهم ومراقبتهم ومتابعة حالتهم الصحية، في مقابل ذلك، تلقت العائلة العديد من المساعدات من المحسنين والمتطوعين، لأجل تقديم خدمات جيدة للمرضى، منها سيارات وضعت على عاتق المسكن لنقل المرضى وتسيهل تنقلاتهم في إجراء التحاليل، فضلًا عن تبرعات المحسنين من الأدوية.

فترة المرض ورحلة العلاج

من هذه الزاوية الإنسانية، تتذكر السيدة رتيبة من منطقة الطاهير بولاية جيجل شرق الجزائر، أنها سبق لها وأن سكنت في هذا المسكن في رحلة علاجها الأولى من سرطان الثدي، واعتبرت ذلك معجزة ربانية، لأن آلام المرض وتعب العلاج لا تطاق إطلاقًا، على حدّ قولها.

وأضافت السيدة رتيبة لـ" الترا جزائر" أن الحاجة إلى المساعدة قائمة للجميع، فكلنا سواسية نطلب المساعدة من الغير اليوم وغدًا، ولكن في المقابل فإن المسافة التي يقطعها المريض لمكان العلاج كثيرًا ما تزيد من متاعبه ألمًا على ألم المرض في حد ّ ذاته.

من جانبها، تسعى مؤسّسة الجزائر المتحدة الخيرية، إلى تقديم مساعدات للمرضى القادمين إلى العاصمة بإنشاء مرفق صحي خيري لإيواء مرضى السرطان، إذ كشف أحد النشطاء سيد أحمد، عن تشييد مبنى كدار لرعاية وإيواء المرضى بالمجان، تبرعت به إحدى السيدات.

إلى هنا، يقول محدث " الترا جزائر" إن الأوقاف الخيرية متنوعة غير أن "الوقف الصحي أصبح ضرورة ملحة لعشرات المرضى القادمين من خارج العاصمة لتلقي العلاج. وأَضاف أن كثيرين يصعب عليهم تحمل مشقة السفر ومصاريف المبيت والرعاية الصحية، لافتًا إلى أن الوقف الصحي، هو في الأخير سند للمريض بالدرجة الأولى، إذ يجد راحته بعيدًا عن مختلف منغصات العلاج.

محطة اطمئنان

تعتبر الأوقاف الصحية،وسيلة استمر العلاج بالنسبة للمرضى، لأنها تشعرهم بحالة من الأمان، بالدرجة الأولى لمواصلة العلاج وعدم التخلف عن المواعيد لأسباب صحية واجتماعية قاهرة، إذ لاحظت المختصّة في الطب النفسي وردة فراجي مشاكل كبيرة يعانيها المرضى خلال فترات علاجهم ومحطات التحاليل الواجب إجراءها لمواصلة العلاج، خاصة بالنسبة لمرضى السرطان.

وقالت الدكتورة فراجي لـ " الترا جزائر"، إن المرضى يشعرون كثيرًا بالضغط النفسي خلال فترة القيام بتحاليل الدم قبل إجراء حصة العلاج الكيماوي، وهي الفترة التي تكون عليهم أشد وقعًا من العلاج نفسه خاصة لحظات انتظار نتائج التحاليل.

وتضيف أيضًا أن المريض، كثيرًا ما يشعر بـ"الضغط النفسي" بسبب الاتكالية على الغير، أو أنه عالة على الآخرين، فضلًا عن المخاوف المرتبطة بمعطيات التحاليل ونتائجها التي يقوم بها، بالإضافة إلى حالته النفسية المتدهورة بسبب مخاوفه المرتبطة أساسًا برحلة العلاج والإكراهات اليومية التي يعانيها في تلك الرحلة القاسية.

وتذلل مثل هذه الأوقاف الكثير من الصعوبات التي تواجه المرضى، لذلك تؤكد فراجي، على أن التكفل بحاجات المرضى هي من بين الأوقاف التي تحتاجها هذه الفئة مع تزايد أعداهم وصعوبة تلقيهم للعلاج في المصحات الخاصة،ومشكلة المواعيد في المستشفيات العمومية.

منفعة عامة

في سياق آخر، يؤكّد نشطاء على أن الوقف الصحي هو أحد أقطاب الأوقاف الأخرى ذات المنفعة العامة، كحفر الآبار وبناء المساجد والمدارس، وغيرها من المهمات التطوعية الخيرية، لافتين إلى أن المجال الصحي من المجالات التي يمكن من خلالها تقديم مساهمة كبرى للإحاطة بمتطلبات القطاع.

وأشار الناشط الاجتماعي وهيب خلايفية، إلى أن القطاع الطبي والصحي هو من أولويات الدولة ولكنه في المقابل من ذلك جزء لا يتجزأ من العمل التطوعي الخيري غير الربحي.

ظلت الأوقاف عمومًا قاعدة بناء مجتمع التكافل والتراحم كما يقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الجزائري

بعيدًا عن مهمات المسؤولين على القطاع الصحي في البلاد، ظلّ العمل الخيري أحد الدعائم في المجتمع وخاصّة من خلال الأوقاف في شتى المجالات، ويساند الحكومة في هذا المجال المعقد والمتشابك، إذ ظلت الأوقاف عمومًا قاعدة بناء مجتمع التكافل والتراحم كما يقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الجزائري.