25-أغسطس-2022
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إحدى زياراته إلى الجزائر (الصورة: بلال بن سالم/Getty)

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إحدى زياراته إلى الجزائر (الصورة: بلال بن سالم/Getty)

زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، تحمل وجهًا مغايرًا تمامًا لما سبق مسيرات الحراك الشّعبي واستتباعاتها، إذ سيجد نزيل قصر الإليزيه معطيات سياسية مختلفة، مرتبطة أساسًا بمتغيرات ملفات الذاكرة بين البلدين التي أراد لها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أن تكون أولوية الأولويات في العلاقات الثنائية بين الطرفين، إذ أعلن في كذا من مرة عن تمسك الجزائر بمطلب الاعتراف الفرنسي بجرائمه التي استمرت لـ132 سنة.

محلل سياسي: فرنسا تتجه نحو إصلاح الخطأ الذي ارتكبه الرئيس ماكرون في عهدته الأولى بسبب تصريحاته

وعلاوة على ما سبق، يظلّ واقع التعاون الاقتصادي وتحولات السياق الإقليمي، من الملفات التي سيطرحها الجانبان، خصوصًا وأن باريس لازالت تتوجس من مواقف الجزائر حيال التغيرات الطارئة في منطقة الساحل، وتوجّه هذه المواقف إلى الأفعال بتقوية النشاط الاستثماري والتجاري مع عديد دول القارة السمراء.  

تموقع جديد

ماذا تغير بين نزلاء قصر الإليزيه الذين زاروا الجزائر خلال حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وحكم الرئيس تبون في عهدته الرئاسية الأولى؟

سؤال جوهري يلقي بظلاله على زيارة الرئيس ماكرون للجزائر والتي تستمرّ ثلاثة أيام، إذ كانت لفرنسا علاقات اقتصادية قوية مع الجزائر في فترة ما قبل الحراك الشعبي، إذ وفر الرئيس تبون حاضنة شعبية بالتركيز على عودة الجزائر لحضن القارة الأفريقية على ثلاثة أصعدة: سياسية واقتصادية وأمنية، وهذا ما يشكل اليوم ورقات ضاغطة على باريس من شأنها أن تعيد مسألة " مفاوضات معلنة أو غير معلنة " حول التمركز الإقليمي.

ويفسر متابعون لشؤون العلاقات الثنائية بين الجزائر وباريس أنّها مرت بفترات ركود سياسي واهتزازات سياسية واقتصادية لا يمكن ترميمها بزيارة واحدة، رغم أهميتها، خصوصًا وأن الموقف الجزائري يصرّ على الندية في العلاقات.

وِجهة ماكرون لدولة مغاربية الأولى من نوعها كرئيس للدولة الفرنسية منذ إعادة انتخابه، تحمِل رِهانات من طرف واحد بحسب المحلّل السياسي فريد عنان، إذ يتّضح من خلال القرارات التي اتّخذتها الجزائر في توسيع علاقاتها الدولية والإقليمية مع مختلف الدول ما زحزح باريس من مواقعها السّابقة، وهو ما يوحي أن الجزائر في الفترة الحالية "لا تُراهن كثيرًا على فرنسا"، غير أنها في الوقت نفسه تحاول دومًا أن تتعامل "بحذر " مع الشّريك الفرنسي خصوصًا أمام الرهانات الأمنية في منطقة الساحل وملف الطاقة الذي يعتبر مركزيًا لجميع البلدان حاليًا والجزائر خصوصًا.

وأضاف عنان لـ" الترا جزائر" أن فرنسا تحاول اليوم "رأب الصدع أو إصلاح الخطأ الذي ارتكبه الرئيس ماكرون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الذي وصف فيه الرئيس تبون بأنه عالق في نظام سياسي عسكري"، وهي التصريحات التي أغضبت الجزائر ولم تتقبلها، وردت عليها بغلق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية فضلًا عن استدعاء السفير الجزائري لأكثر من ثلاثة أشهر".

هزّات وركود

العلاقة مهزوزة منذ فترة بين البلدين، يواصل الأستاذ عنان رغم أن فرنسا تعتبر الجزائر أهم بلد في شمال أفريقيا وجب الإحاطة به، رغم وجود مستجدات طرأت على العلاقات البينية منذ رحيل المنظومة السياسية السابقة.

البداية كانت عبر الشارع الذي يرفض القبضة الفرنسية على بعض مفاصل الاقتصاد خاصة وأن التاريخ صفحة لا يمكن تمزيقها بين البلدين خاصة أمام ملفّ الذاكرة الثقيل فضلًا عن قنوات الاقتِصاد في البلاد، خاصة وأنها تاريخيًا كانت إذ قرّر الرئيس تبون إلغاء عدة عقود لشركات فرنسية في الجزائر، وتوجيه دفة الشّراكات مع دول أخرى كالصين وتركيا وروسيا والاهتمام أكثر بالعمق الأفريقي من حيث التجارة والاقتصاد ما يعني تقهقر الوجود الفرنسي.

علائقيًا، يتوقع البعض معالجة أزمات سياسية لعدد من الشخصيات الفرنسية التي تطاولت على الجزائر في كذا من مناسبة، زاد من احتقان العلاقات، إذ من المنتظر أن تكون الزيارة خطوة تستهدف كسر الجمود في العلاقات الثنائية وترميم الخدوش التي تسببت فيها تلك التصريحات السابقة.

وفي هذا المضمار، تحدث متابعون للعلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا، بأن الأخيرة مرتبطة بعدم إضافة خسارات أخرى لرصيدها السياسي والاقتصادي، خصوصًا أما مختلف التحولات الجيو-سياسة الراهنة. 

الذاكرة: ملفّ مفتوح

بالإضافة إلى ملف التأشيرات الذي سيضغط أكثر على الجانبين، قال الأستاذ في العلاقات الدولية محمد كروم لـ" الترا جزائر" إن ملف الذاكرة وجرائم فرنسا الاستعمارية ومخلفاتها تعود دومًا لتطفو على السّطح خلال اللقاءات الرفيعة المستوى، لافتًا إلى أن الجزائر تتمسك بضرورة الاعتراف والاعتذار والتعويض، لكن في الآن نفسه فإن زيارة ماكرون ستكون لها واجهة اقتصادية دقيقة، يضيف المتحدث، إذ من المنتظر حسب اعتقاده أن يفتح الطرفان مجددًا ملفات تجديد التعاون الاقتصادي وخاصة ملف الطاقة الذي يؤرق فرنسا.

علاوة على ذلك، ينتظر أن يلين الجانب الفرنسي خطه السياسي مع الجزائر خصوصًا مع تموقعها في المنطقة في ظلّ محاولات دولية للتمركز في لحلة الملف الليبي وفي المالي وهو ما يعني تدحرج قوة فرنسا في المنطقة، إذ أوضح كروم أن باريس تضع الجزائر في أعلى رهاناتها الحالية من عدة نواحي أهمها: الطاقة والأمن في منطقة الساحل وتمسكها بالحل السلمي في ليبيا، إضافة إلى فتحها لأفق متعددة المخارج التعاونية مع إيطاليا وتركيا والصين وبعض البلدان الأفريقية.

المعطيات السياسية تشير إلى أن  الجزائر ليست مستعدة للعودة خطوات إلى الوراء في تعاملها مع باريس

أوجه أخرى

بعيدًا عن المصالح الندية، فإن الجزائر ليست مستعدة أن تعود خطوات للوراء في تعاملها مع باريس خصوصًا وأن عوامل كثيرة تحل دون تفكيك ملفات ملغمة، وهو ما تثيره الشخصيات التي ترافق الرئيس ماكرون، إذ من المنتظر أن يتباحث الرئيس تبون مع ماكرون عن مسألة استعادة الأرشيف الجزائري المهرب فضللًا عن استمرار استرجاع جماجم شهداء الثورات الشعبية الجزائرية، وحصول الجزائر على خرائط التجارب النووية والألغام، علاوة على مباحثة مسألة كتابة التاريخ الذي لا يمكن أن يتجاوز حق الشعب الجزائري في الاعتراف وترقيع ما يمكن ترقيعه باعتذار رسمي.