28-فبراير-2024
رمضان في الجزائر

يلقّب رمضان في الجزائر بـ "سيدي رمضان"

على خلاف بقية الأيام من السنة، يتعامل الجزائريون مع شهر رمضان وكأنّه ذلك الضيف العزيز الذي إذا زار الأقارب "خفّفَ" وإذا حلّ على البيوت كان لطيفا ظريفا ومفعما بالحيوية والحركة، تتقدّمه نسمات إقبال شخص غير عادي، يتهيّأ له جميع أفراد العائلة ويتزيّن له البيت لاستقباله، ويأتي محمّلا بالهدايا وكل فرد ونصيبه من الهِبات.

تستقبل العائلات رمضان في الجزائر بإحياء عدة عادات وطقوس تتمسك بها النساء خاصة، جعلت من الشهر الفضيل يتميّز عن بقية أشهر السنة

 يستقبل رمضان في الجزائر بحفاوة ويتّم إكرامه بأشهى الأطباق والحلويات عندما يتأهب على المغادرة يكون سريعا وتبدأ دقائق الودائع تحسب على الأصابع، لأنه يغادر بسرعة وكأنه يقول:" هكذا أنا أزوركم بفرحة وأغادركم بذكرى في انتظار الزيارة المقبلة".

بوادر الشهر الفضيل

ونظرا لكونه أفضل شهور السنة، لما تتخلّله من رحمة ومغفرة وتضامن اجتماعي، يحلو للبعض في الجزائر تسميته بـ"سِيدْنا رَمْضَان"، فهو السيد في مائدة الإفطار والسحور، كما أن الجزائريين يتحسّسون قُدومه قبل أيام بل أسابيع من حلوله هلاله، وهو ما يعرف أيضا بـ"رِيحَة رَمْضَان"، فرائحته مختلفة عن سائر الأيام ولياليه مختلفة جدا عن كلّ الليالي.

تستقبل العائلات رمضان في الجزائر بإحياء عدة عادات وطقوس تتمسك بها النساء خاصة، جعلت من الشهر الفضيل يتميّز عن بقية أشهر السنة، بداية من تنظيف البيوت بمناسبة حلول هذا الضيف العزيز، فترتيب البيت وتنظيفه من العادات التي تعتبرها نسيمة (35 سنة) وهي موظّفة في مؤسسة عمومية، عادة محمودة، خصوصا وأنها كغيرها من الكثيرات تتوق لإحداث تغيير على مستوى المنزل حتى تجعل المكان كله مختلف تماما عن حالته في الأيام العادية خلال السنة.

وتستهدف محدثة " الترا جزائر" من خلال هذه الخطوة، إدخال البهجة والفرح على أفراد الأسرة، باعتباره مناسبة دينية مهمة، إذ شددت على أن غالبية الأسر الجزائرية تسعى دوما باستقباله بأبهى حلة كأحد بوادر اقتراب أيام الرحمة والمغفرة، خاصة وأنه فرصة تأتي مرة واحدة في السنة تستدعي اجتماع أفراد العائلةحول مأدبة إفطار واحد، ومائدة الطعام الواحدة أيضا.

اللافت خلال هذه الأيام، بروز عادة تجديد المطبخ وهي من بين العادات التي تقوم بها الأسرة الجزائرية، إذ تتأهب النساء على شراء الأواني الجديدة، وخاصة أواني لطهي الطبق الرئيسي في رمضان " الشُّربة" وأيضا شراء الصحون التي تستعمل في تناول هذا الطبق الرئيسي في مائدة الإفطار، وكأنها باتت "عادة اجتماعية " كما تقول نصيرة سوامي لـ"الترا جزائر"، حيث تتكرّر التّغييرات التي تجريها النساء على أثاث الطبخ وتنظيم المطبخ مع هذه المناسبة الطيبة، حتى "تسبِق وصول الضيف العزيز واستقباله بأجملمظهر"..

مكانة مُستحقّة

لاتستكثر الأسر على "سيدْنَا رَمْضَانْ" باستقباله بأحسن الأطباق جودة وذوقا ورائحة أيضا، لهذا تجهّز الأسر "عُولَة رَمْضَانْ" التي تعتبر الأساس في تحضير مختلف الأطعمة التقليدية والعصرية التي كثيرا ما تجهزها ربات البيوت في رمضان، ويقصد بذلك تحضير التوابل التي تستعمل في الطّهي إما بتحضيرها بطريقة تقليدية أي تجهيزها في البيت مثل الخلطات الطبيعية التي تزيد الأطباق الشهية لذة وحلاوة المذاق أو شراء البعض منها جاهزا من المحلات التجارية التي تزدهر هي الأخرى خلال هذه الفترة لرواج مبيعاتها البارز في رمضان.

رمضان في الجزائر

في بعض الأحياء يزداد الزحام في الأسواق والمحلات، وتزداد معها حمى "العرض والطلب"، فكثيرا ما يجذب الباعة الزبائن بأصواتهم المتعالية لاقتناء كل ما يسر الأعين من أواني وأغراض المطبخ بتنوع أشكالها وألوانها.

غالبا ما يستقطب الباعة الزبائن وخاصة النساء لأن الضيف العزيز الذي سيقبِل على الأمة الإسلامية يستحق ذلك، فالمنادي ينادي بأعلى صوته" أواني لرمضان" أي أن التسويق في الفضاء العام وفي الأحياء الشعبية خصوصا مبني على " الضغط على الوتر الحساس" وهو حسب ما قالته كريمة لـ"الترا جزائر" سيّد الجميع بلا منازع ولا منافس".

بالرغم من غلاء المعيشة عموما، ومتطلبات المناسبة، التي لا يمكن لبعض العائلات أن تقتنيها بسبب ارتفاع الأسعار مع اقتراب الشهر الفضيل، إلا أن رائحته تستقطب الأنوف ثم تأسر القلوب، فرمضان في الجزائر هو الشهر الوحيد الذي يمكن للجزائريين أن يأنسوا بأوقاته وسهراته.

تلاحم جماعي

هذه المكانة الرفيعة التي يتبوأها، تعبر طقوسها على حب الجزائريين لهذا الشهر وفرحتهم بزيارته التي تتجدد كل سنة، فإحياء هذه الطقوس يعتبر صورة جميلة، باتت تميز العادات الجزائرية خلال رمضان وسائر الأيام الأخرى.

وتقول أستاذ علم الاجتماع كريمة قصراوي من جامعة الجزائر، هذه المكانة نابعة من كون الشهر الفضيل هو فرصة لإحياء عادة التلاحم الأسري، عن طريق اجتماعهم اليومي حول مائدة واحدة سواء بعد آذان المغرب والإفطار أو قبيل ميقات السحور، علاوة على تأدية فريضة الصلاة والقيام بالروحانيات في المساجد.

وبالإضافة إلى العبادات الجماعية، فإن شهر رمضان فرصة لإقامة السهرات سواء في البيوت أو في الساحات والفضاءات العامة، إذ تضيف الأستاذة قصراوي لـ" الترا جزائر" بأن الكثيرون يرون في الشهر الفضيل سيد الأشهر بقناعة أنه يجمع الأسر والعائلات وتسوده صفات التلاحم والتضامن والتكافل أيضا.

كما تفضّل بعض الجمعيات على إحياء عادة "مطاعم الرحمة"، وتجميع الأموال من الأغنياء والتخطيط لفتحها في فضاءات تفرض نفسها على الواجهة العامة في الأحياء والمدن والقرى لتعزيز أواصر المحبة والتآخي بين الأفراد.

ضيف "مقدَّس"

ولأن نظرة الجزائريين لهذا الشهر أصبحت منذ عقود من الزمن توضع في "خانة المقدّس"، فأصبح يفرض استقباله بأعمال وأنشطة تشير إلى التضامن الجماعي، إذ انتشرت في بعض المحلات الكبرى وضع سلة خاصة بالجمعيات الخيرية، تمنح للزبائن في تلك المتاجر فرصة القيام بشراء أغذية أو أغراض محددة ووضعها في تلك السلة ليتم توزيعها مرة أخرى على الأسر المعوزة والفقيرة، وهي المبادرات التي تعتبر من أبرز الصور التضامنية لرمضان في الجزائر.

كما تنتشر قبل حلوله تنظيم عادة "الوْزِيعَة" أوّ "ثَمِشْرِيطْ"، وهي طقس من الطقوس الاجتماعية التي تسعى إلى تعميم التساوي بين الأغنياء والفقراء وتوزيع اللحم على الفقراء والمساكين عشية حلول هذه المناسبة.

رمضان في الجزائر

ومازالت بعض المناطق في الجزائر كمنطقة الأوراس وشرق البلاد ومنطقة القبائل وسط الجزائر تحافظ على هذه العادة، حيث يقوم سكانها بجمع الأموال لشراء الغنم والثران ثم ذبحها وتوزيع لحمها بالتساوي على المحتاجين ومشاركتهم الفرحة بقدوم هذا الضيف.