23-سبتمبر-2023

احتجاجات نقابات التربية (صورة أرشيفية/الخبر)

يتجدّد النّقاش في الجزائر حول تأطير العمل النّقابي وتعزيز دور المنظمات النقابية للدفاع عن حقوق العمال، إذ سيطرح القانون الذي صادق عليه البرلمان في نيسان/أفريل الماضي المتعلق بـ"النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة الحق في الإضراب"، قريبًا ضمن ملفات ومحاور بيان السياسة العامة للحكومة الذي سيقدم للبرلمان، طبقًا لأحكام الدستور.

رئيس نقابة مهنيي الصحة لـ "الترا جزائر": القوانين الجديدة الناظمة للحق النقابي تترجم انعدام الحوار الاجتماعي مع النقابات

ويأتي ذلك وسط رفض بعض النقابات العمالية لعملية " تطهير الفعل النقابي"، معتبرةً ذلك عودة للتضييق على النشاط النقابي للمنظمات العمالية خارج أطر الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

سياسيًا، قدّم وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي فيصل بن طالب مشروعي (2) مرسومين تنفيذيين اتخذا تطبيقًا لأحكام القانون رقم 23 ـ 02 المؤرّخ في 25 نيسان/أفريل 2023 المتعلق بممارسة الحق النقابي.

ويتعلق الأمر بمشروع مرسوم تنفيذي يتعلق بالتمثيل النقابي والإحصائيات النقابية ومشروع مرسوم تنفيذي يحدد القواعد المتعلقة بالانتداب النقابي وكيفيات الاستفادة من عطلة التكوين النقابي في المؤسّسات والإدارات العمومية.

ويهدف هذان النصان – حسب بيان الحكومة- إلى توفير ظروف أفضل لممارسة الحق النقابي بما يتماشى والأهداف الاقتصادية، لاسيما من خلال ضمان اتساق معالم التمثيل النقابي الذي يشكل الشرط الأساسي لممارسة الحق النقابي وللمشاركة في الحوار والتشاور الاجتماعيين.

وأضاف المصدر، أن هذه "الأحكام الجديدة ستساهم بشكلٍ كبيرٍ، في تطهير المشهد النّقابي الوطني وبروز قوى حقيقية لحوار اجتماعي بنّاء".

السؤال الذي يطرح هنا وبإلحاح: هل تتوجّه السلطة إلى منع بعض النقابات المستقلة الموجودة في الساحة من العمل النقابي؟  أم أنّ عملية التطهير تتعلق بسحب البساط من تحت بعض النقابات ومنعها من النّشاط؟

في هذا السياق، استغرب نقابيون من استخدام بيان الحكومة لكلمة "تطهير" المعتمدة في خطاب رسمي تداولته مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل إعلامية في الجزائر، عقب اجتماع الحكومة برئاسة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان وعرض تقدم به وزير العمل حول مسألة قوانين تخص الساحة النقابية، إذ لفت بعض المناضلين في شتى القطاعات إلى أن مسار الحكومة يتجه نحو إعادة التضييق على الفضاء النقابي بعد انفتاح دام أكثر من 40 سنة أي منذ إقرار دستور 1989، وبدء اشتغال النقابات المستقلة في 1991.

وقال إلياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الصحة في تصريح لـ" الترا جزائر" أناإستعمال مصطلح "التطهير" فيه كثير من الدّلالات، إذ يفسّر حسبه "خلفية الغلق والتضييق الذي تمارسه الحكومة ضد العمل النقابي والنقابيين".

علاقة الحكومة بالنقابات الناشطة في الجزائر أصبحت خلال السنوات الأخيرة " باهتة" و"فاترة"، بحسب الدكتور مرابط، إذ شدد في تصريحات لـ" الترا جزائر"، على أنّ السلطة لم تولد آليات جديدة للتعامل مع النقابات تساير الوضع العمالي واتساع رقعة الفئات العمالية في مختلف المؤسسات العمومية، بالرغم من أن الخطاب السياسي المستمر الذي يركز على  التعددية السياسية والحقوق النقابية وحرية التعبير وفسح المجال أمام الحرّيات.

هذا الخطاب بات اليوم محلّ استفهامات عديدة، إذ أفاد المتحدث أن القوانين الجديدة الناظمة للحق النقابي التي صادق عليها البرلمان، تترجم انعدام الحوار الاجتماعي مع النقابات، والدليل على ذلك عدم استشارة النقابات الفاعلة في الساحة النقابية في مناقشة المشاريع التي تخص ممارسة الحق النقابي من قِبل الطبقات الشغيلة.

يُشار هنا، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أوصى الحكومة في سنة 2022 بـ “إشراك النقابات القطاعية في استحداث آليات قانونية تقييم الأداء النقابي"، واعتبر الغياب أو التغييب عن باب الحوار مع الطرف النقابي سيقود نحو المزيد من التضييق أو "الغلق"، خصوصًا وأن القضايا المتعلقة بالمطالب والإضرابات هي أساس العمل النقابي وافتكاك الحقوق، وتستهدف الأخيرة إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المهنية للطبقة الشغيلة ومختلف فئات العمال.

خطوة للوراء

اللافت، أن الحكومة ظلت لسنوات طويلة تتعامل مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين كشريك اجتماعي في مختلف اجتماعات الحوار الاجتماعي ما يطلق عليه بـ" الثلاثية" (حكومة، نقابة، وأرباب عمل)، بينما تتعامل مع النقابات المستقلة كواقع وفي قضايا قطاعية فقط، خاصة منها الصحة والتربية.

وبالعودة إلى فاعلية النقابات في الميدان، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الباحث في سلك الدكتوراه عبد الكريم طلاي أنه وجب التذكير بظروف تشكّل النقابات وتطورها منذ فجر التعددية السياسية في تسعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن النقابات التي تعرف زخما تنظيميا في الساحة واجهت عدة مشاكل وعقبات، في مسارها النضالي، وهو ما جعل من التشريعات وسيلة "ضبط " تارة لعملها في الميدان و" ضغط" تارة أخرى.

وأَضاف طلاي في تصريح لـ" الترا جزائر" أنه لا يمكن تأسيس فعل نقابي بانتهاج " حوار من جهة واحدة" وفي بيئة سياسية يفترض فيها أن تكون متعددة، في المقابل اعتبر أنه من الضروري تنظيم الحقل النقابي وفتحه بما يتماشى مع عملية تنمية ظروف العمال.

الحراك والمطلبية

لعبت النقابات عمومًا دورًا كبيرًا في تحريك الشارع الجزائري منذ أكثر من 13 سنة، إذ اعتبر العضو في المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية، الصالح حمية، أن النقابات كانت سببًا في الحراك الاجتماعي خاصة في 2011، والاحتجاجات التي عرفتها عدة قطاعات خاصّة منها الصحة والتربية في سنوات 2014 و2015 ثم 2017 و2018 انتهت بتحقيق مطالب مهنية، منها ما تعلق برفع الأجور وتحسين الوضعية الاجتماعية للعمال، ثم كانت حاضرة أيضا في الحراك الشعبي.

الحاجة للنقابات ما زالت مطروحة كسؤال وليس كواقع فقط، إذ أبانت الظروف التي عاشتها الجزائر منذ أكثر من أربعة عقود أن توظيف النقابات لخدمة الصالح العام أمر مفروغ منه، بحسب الأستاذ حمية، لأن النضال حسبه ستجدد في شتى القطاعات، وهو مكفول بمواد الدستور، لكن الضوابط التي تتحدث عنها الحكومة تطرح العديد من التأويلات، متسائلًا عن عدم إشراك النقابات في سنّ القوانين التي تنظم العمل والوقاية من النزاعات الجماعية للعمال؟

ويبدو أن الفعل النقابي سيكون خطًّا فاصلًا بين نوعين أو شكلين من النقابات، إذ يتوقع عدد من المناضلين وجود نقابات مطلبية ونقابات تسييرية، أي أن الأولى ستكون منشغلة بمطالب العمال، بينما الثانية توظف لخدمة مسارات الحكومة وتبرر توجهاتها مستقبلًا.

طرف ثالث يدافع عن توجه السلطة القاضي بضرورة إعادة تنظيم الفعل النقابي، لمحاولة لمّ شمل النقابات وعدم تشتتها في القطاع الواحد، وهذا ما يوضّحه وجود العشرات من النقابات المستقلة في المجال الواحد، ما يجعل مطالبها وتمثيلها للمناضلين مميَّعًا وجهدًا مهدورًا.

تسعى الحكومة إلى فصل النقابات عن التوجه لسياسي استنادًا إلى  مجموعة من القوانين

ومن منظور البعض، فإن عدد النقابات المتنامي خلال السنوات الأخيرة، وفي قطاع واحد من القطاعات الشغيلة، يعتبر "سلاحًا ذو حدين"، إذ إما أنه يشتت جهود المناضلين وذلك يعدّ في صالح توجهات الحكومة يستهدف إضعاف أصوات النقابيين وإطفاء مطالب النقابات  في المهد، وبالتالي لا يكون اشتغالها على رفع المطالب العمالية في مستوى تطلعات العمال أنفسهم، أو من شأنه أن يشكّل شركاء متعددي التوجه والوجهة والرؤية ما يؤدي إلى صعوبة إيجاد نقطة التقاء بين الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية في الميدان، وهو ما تصبو إلى تحقيقه الحكومة من خلال صياغة قوانين تعطي مشروعية للنقابات من خلال عدد ممثليها في الواقع وفصلها عن التوجه لسياسي استنادًا إلى  مجموعة من القوانين.