03-أغسطس-2023
شواطئ

(الصورة: Getty)

يواجه الأربعيني، سليمان بوراس، وهو سائح من العاصمة، توجّه إلى ولاية الطارف أقصى شرق الجزائر للاستمتاع بعطلة الصيف هناك، وتحديدا بشواطئ القالة الخلابة، رداءة الخدمات وارتفاع الأسعار واحتكار الرمال والمياه من طرف متعاملين اقتصاديين مجهولين.

رئيس نقابة الوكالات السياحية لـ"الترا جزائر": البلديات صاحبة صلاحية تسيير الشواطئ تتعامل مع عقود الامتياز بطريقة تجارية بعيدًا عن الثقافة السياحية

وفي حديثه لـ"الترا جزائر" يقول بوراس إنّ "هؤلاء أفسدوا عليه فرحة الاستجمام رفقة عائلته بمنطقة يفترض أنها مصنفة جماليًا ضمن أحسن الشواطئ في العالم."

وتابع: "واجهت صدمة كبيرة حينما تنقلت إلى شاطئ بوفكرينة الذي تعوّدت على القدوم إليه طيلة السنوات الماضية للسباحة مجانًا رفقة أسرتي. اليوم هو تحت سيطرة أحد المستثمرين بطريقة غير قانونية."

ليكمل متحسرًا "المستثمر، كما يسمي نفسه، يفرض منطقه في الأسعار والخدمات، فمن يدفع أضعاف ما يفرضه أصحاب عقود الامتياز بالشواطئ الأخرى مسموح له السباحة، ومن يشتكي من غلاء السعر، يطرد خارجًا."

قصة المصطاف سليمان ومعاناة آخرين في شواطئ البلاد، رفعها نواب عن حركة البناء الوطني إلى الجهات الوصية، محذّرين من "تجاوزات بالجملة وتغول السماسرة ومافيا مواقف السيارات والمظلات على مستوى شواطئ مستغانم غرب الجزائر."

ويقول النواب بأنّ "أكبر نسبة من التجاوزات سجلت على مستوى شاطئ "صابلات" (مستغانم) الذي شهد خروقات مخالفة لما تنص عليه عقود الامتياز الخاصة باستغلال الشواطئ، حيث يقدر سعر تأجير الطاولة الواحدة بأربع كراسي بـ5 آلاف دينار (32 دولار)، دون وصل يبرر هذا المبلغ أو يثبته، ناهيك عن التهام كل مساحة الشاطئ، دون ترك ثلثها ليستفيد منها المواطن البسيط."

ووفق رسالة النواب التي يحوز "الترا جزائر" على نسخة منها فإنّ "ذلك يتنافى مع مخططات تسهيل السياحة المحلية وتشجيعها".
8 شروط لاستغلال الشواطئ

ومنحت الحكومة عبر وزارة السياحة والصناعة التقليدية هذه السنة، حصريًا، مهمة تسيير الشواطئ إلى المهنيين، وهم أصحاب الوكالات السياحية والمنتجعات.

كما كلّفت وزارة السياحة البلديات بإدارة عملية منح عقود الامتياز على مستوى الشواطئ التابعة لها لأصحاب العروض الأحسن، والذين تتوفر فيهم ثمانية شروط.

وكعينة عن الولايات الساحلية، نشرت مديرية السياحة والصناعة التقليدية لولاية بومرداس قبل بداية موسم الاصطياف عرضًا وهو عبارة عن مزادات لرجال الأعمال الراغبين في الاستفادة من عقود امتياز الشواطئ.

ويتضمن العرض الذي اطلع عليه "الترا جزائر" أنه "تنفيذا لأحكام القانون رقم 03/02 المؤرخ سنة 2003، المحدد للقواعد العامة للاستغلال والاستعمال السياحيين للشواطئ والمرسوم الصادر سنة 2004 وبمقتضى القرار الوزاري المشترك الصادر سنة 2006 المحدد لنموذج الاتفاقية ودفتر الشروط المتعلق بامتياز الاستغلال السياحي للشواطئ المفتوحة، تم إطلاق مزاد خاص لمنح حق الامتياز للاستغلال السياحي لـ19 شاطئا بالولاية".

وتتمثل شروط المشاركة الثمانية في المزاد في "امتلاك الوسائل المادية والبشرية الضرورية، حيث تعطى الأولوية للمتعاملين السياحيين، وامتلاك ضمان بنكي وسجل تجاري، مع إثبات رأس المال الكافي، والكفاءة المهنية لضمان التسيير الاحترافي للفضاءات الشاطئية وتقديم خدمات ذات جودة للمصطافين ومستخرج من سجل الضرائب وشهادة السوابق العدلية".

الشواطئ لمن يدفع أكثر

ويكشف رئيس نقابة الوكالات السياحة والأسفار ندير بلحاج في تصريح لـ"الترا جزائر" عن تجاوزات بالجملة مرتكبة في تسيير الشواطئ هذه السنة، رغم المزايدات التي أطلقتها البلديات والتي تضمنت شروطًا صارمة لمنع احتكار الخواص للشاطئ مقابل تسيير سيء وبيروقراطي، وتقديم خدمات رديئة.

ويضيف بلحاج: "الوزارة المعنية منحت صلاحية تسيير الشواطئ للبلديات، هذه الأخيرة باتت تتعامل مع عقود الامتياز التي يفترض منحها لمستحقيها، بطريقة تجارية بعيدًا عن الثقافة السياحية، وهذا المنطق أثر كثيرًا على السياحة".

ويقول المتحدث: "عملية منح التراخيص باتت "بزنس" غير نظيف، فمن يدفع أكثر يحصل على الرخصة، بغض النظر عن جودة الخدمات المقدمة".

وتقوم الوكالات السياحية بإيداع طلبها لدى مصالح البلدية، هذه الأخيرة تجتمع في إطار لجنة خاصة، وتمنح التراخيص لمن يفترض أنه قدم أحسن عرض، إلا أن هذه العملية، يقول بلحاج، ليست نزيهة في بعض البلديات.

والمفروض أن يتم تسيير عملية منح عقود الامتياز، حسب المتحدث، بطريقة أكثر تنظيمًا ووضوحًا، فمن يظفر بعقد استغلال شاطئ، يشترط أن يوفر أحسن الخدمات للمصطاف، وليس فقط مقعد وطاولة، بل امتيازات متنوعة مقابل الدفع، مع تخصيص مساحة كبرى من الشواطئ للمواطنين بالمجان.

ويذهب بلحاج أبعد من ذلك، مؤكدًا أن الوكالات السياحية وقفت في العديد من الولايات على استيلاء بعض الاشخاص على كل الشاطئ، وليس جزء منه فقط مثلما يتضمنه عقد الامتياز، على غرار الجهة الغربية بولايتي مستغانم وعين تموشنت، لدرجة تحرم المواطن من دخول الشواطئ، ما يضطر البعض منهم إلى السباحة في المناطق الصخرية والشواطئ غير المحروسة وهو ما يعرض الكثير منهم للخطر.

وقد قامت مصالحنا، يقول رئيس نقابة الوكالات السياحة والأسفار، برفع شكاوى لوزارة السياحة للوقوف على هذه التجاوزات ووضع حد لمافيا الشواطئ، و"أبلغنا بوجود خلل في تسيير الشواطئ من طرف البلديات، حيث أن هذه الأخيرة لا تطبق التعليمات".

ويشدد هنا على أنّ "نفس الشيء بالنسبة لمواقف السيارات التي تستغل من طرف بعض الشباب الذين يفرضون منطقهم في الشواطئ لذلك يجب تكثيف التواجد الأمني على مستواها، وضرورة معالجة ملف التجاوزات من طرف وزارة السياحة".

ارتفاع الأسعار بعد موجة الحرائق

وفي سياق متصل يشتكي صاحب وكالة "دامتورين" للسياحة والأسفار عبد الوهاب جازي في لقائه بـ"الترا جزائر" من الارتفاع غير المسبوق في الأسعار على مستوى الفنادق والشواطئ ذات عقود الامتياز والمنتجعات القريبة منها بالولايات الشرقية والغربية، بعد الحرائق المسجلة مؤخرا على مستوى11 ولاية ساحلية.

ويجزم جازي أن هذه الحرائق التي نشبت في الولايات الشرقية على غرار غابات جيجل وبجاية وسكيكدة وبومرداس والبويرة وتيزي وزر أثرت على عملية الحجز لعطلة فصل الصيف الذي دخل شهره الأخير.

ويقول المتحدث أن الوكالات السياحية شهدت إلغاء نصف الحجوزات في هذه المناطق واتجه عدد كبير من المصطافين للولايات الغربية بينما اختار البعض منهم تونس لقضاء ما تبقى من عطلة الصيف.

صاحب وكالة "دامتورين" للسياحة: أسعار الحجوزات ارتفعت بنسبة 25% بسبب حرائق الغابات

وارتفعت حسبه الأسعار مقارنة مع ما كانت عليه قبل الحرائق حتى بالولايات الغربية بما تصل نسبته 25 بالمائة، حيث أنه على سبيل المثال بلغ سعر قضاء 10 أيام في ولاية مستغانم لأسرة مكونة من 4 أشخاص بفندق فخم 800 ألف دينار (5 آلاف دولار)، وهذا راجع لارتفاع الطلب ونقص العرض على مستوى الفنادق خلال شهر آب/أوت.

وبالمقابل يتوقع صاحب الوكالة السياحية أن تمتد العطلة في الجزائر إلى نهاية شهر أيلول/سبتمبر المقبل خاصة وأن الكثيرين يتحدثون عن تأجيل موعد الدخول المدرسي إلى آخر أسبوع من الشهر، ما سيُتيح المزيد من الوقت للمتأخرين في النزول إلى الشواطئ، متمنيًا أن تستدرك البلديات المشرفة على توزيع عقود الامتياز الوضع، وتفرض الرقابة والالتزام وتجبر المتعامل الحائز على المزايدات على احترام الشروط والتعهدات التي سبق وأن وقع عليها.